حرية – (18/8/2024)
طارق فهمي
لم تعد القوة التقليدية حاكمة لما يمكن أن تذهب إليه الصراعات العسكرية، بما في ذلك الصراع الراهن في الشرق الأوسط، ومحوره إسرائيل، سواء في إطار الحرب الراهنة في قطاع غزة، والمواجهات المرتبطة بإيران و«حزب الله» وإسرائيل.
والأمر متعلق بالفعل بقدرات كل طرف واستعداده، وهذا يفسر وبقوة ما ستذهب إليه الصراعات الراهنة، ومحاولات الإدارة الأميركية استبداله بالعودة مجدداً إلى مفاوضات غزة كبديل، وبرغم أن الولايات المتحدة تعمل على كل السيناريوهات، بما في ذلك دعم القدرات الإسرائيلية وعسكرة الأزمة إلى جوار الاستمرار في مسار الاتصالات الدبلوماسية مع التقدير بأن الوقت بات مناسباً بالنسبة لإسرائيل للمراوغة، والعمل في اتجاه مخطط استراتيجي، بالانتقال التدريجي من غزة إلى «حزب الله»، وعلى التعامل الاستباقي مع الجبهات المناوئة التي ما تزال، وستظل تمثل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي، ما يتطلب قدرة على الحسم على الجبهات التي تمثل خطراً كبيراً على أمن إسرائيل.
ومن ثم فإن الهدف الإسرائيلي سيظل العمل على مسارات متعددة، وصولاً إلى أهداف مباشرة في عمق نظرية المجال الحيوي التي تتعامل بها إسرائيل، وتنطلق منها لتأمين وجودها في الإقليم، وباعتبار أن هذا الأمر يندرج في إطار من الأولويات الأمنية والاستراتيجية لبقاء الدولة، وبالتالي فإنها تدخل المواجهات العسكرية من أجل الدفاع عن وجودها خاصة، وأنها لم تعد تحارب جيوشاً نظامية، وأن ما يجري مرتبط بحروب فواعل من غير الدول وتنظيمات معادية، ومن ثم فإن إسرائيل وفي إطار المواجهات الجارية، والتي لن تحسم بسهولة، بل سيعاد إنتاجها أكثر من مرة وفق كل سيناريو ترى أن هناك تهديدات متزايدة لأمنها، لأن الأمن هو الهاجس الذي تعيش فيه إسرائيل، وتعتبر نفسها في تهديد دائم نتيجة صغر مساحتها الجغرافية وقلة سكانها، وترى في ذلك نقاط ضعف لا تجعلها قادرة على المجازفة بخسارة معركة واحدة خوفاً من انهيارها، وهو ما يجري بالفعل في الوقت الراهن، سواء اندلعت مواجهات جزئية أو كلية.
في هذا السياق ما زال هناك جدال استراتيجي داخل إسرائيل بشأن النظرية الأمنية الإسرائيلية، ومدى الحاجة إلى تطويرها وتعديلها بعد الفشل الأمني والاستخباري الإسرائيلي، وتجسد بصورة واضحة في الدعوة لبناء نظرية جديدة حتى قبل انتهاء المواجهات الراهنة، تخوفاً على مستقبل الدولة بأكملها، وهذا ما يفسر تحرك إسرائيل في مسار القوة بما تملكه من وفرة قوة يجب أن تعمل بها وتتحرك من خلالها، خاصة مع تولي جيل من العسكريين الجدد الذين يتبنون نظرية الحسم في مجال الأمن، والانطلاق إلى دوائر أخرى من التقديرات السياسية والاستراتيجية معاً بدليل الإدراك بضرورة التعامل مع التحولات الجارية والمتوقعة في البيئة الاستراتيجية الأمنية، وحدوث تغير في طبيعة المعارك إلى حروب غير نظامية، كما هو جار مع التيار «الحوثي»، و«حزب الله» و«حماس» ما يستوجب إعادة النظر في مفاهيم الردع، والإنذار المبكر، والحسم والحاجة إلى إضافة عنصر الدفاع إلى العقيدة الأمنية بهدف حماية الداخل، ما قاد إلى تسريع الاعتماد على الأنظمة الدفاعية الجديدة التي تجاوزت بكثير القبة الحديدية إلى منظومات «أروش و«حيتس»، و«السماء الحمراء»، و«الليزر»، وغيرها، والاهتمام بمجال الأمن السيبراني.
سيظل التركيز الإسرائيلي في الوقت الراهن قائماً على معالجة الخلل الأمني الكبير في النظرية الأمنية الإسرائيلية القائمة على منطق (ردع، وإنذار، ودفاع، وحسم)؛ إذ اتضح عدم ردع حركة «حماس» أو «حزب الله» فقد تعزز الرأي بعد السابع من أكتوبر بصعوبة ردع هذه الفصائل، وخاصة ذات البعد الأيديولوجي، الأمر الذي يتطلب إجراءات وتدابير عاجلة، وعلى رأسها أن إسرائيل بحاجة إلى جيش أقوى وأكبر، وزيادة ميزانية الأمن بشكل كبير، وتوسيع الصناعة المحلية للذخائر والأسلحة وتطويرها، وإدخال تغييرات على هيكل الجيش الإسرائيلي وحجمه وستساهم قدرات الجيش التكنولوجية لاحقاً في التقليل من الخسائر البشرية بين صفوفه، وساهم في ذلك استخدام تقنيات منظومات الذكاء الاصطناعي، والمسيرات والروبوتات على اختلاف أنواعها، وغيرها من الوسائل والآليات التي تعتمد على تقنيات ووسائل تكنولوجية عالية التطوير، والتي سيكون لها دور في المواجهة الحالية مع «حزب الله»، بل وفي اتجاهات الترتيبات الأمنية، التي تقوم بها إسرائيل غ في عمق القطاع في الوقت الراهن.
في المجمل فإنه من المتوقع – وفي غضون المواجهات التي تخوضها إسرائيل في الوقت الراهن – استمرار العمل على خيارات متعددة ومباشرة مع التركيز على خيار القوة الممنهجة في التعامل وتمرير قاعدتي الحسم والنصر الكافي على «حزب الله»، وتحييد الخطر الإيراني واقصاء حركة «حماس» من المشهد مع العمل على خيارات أوسع مرتبطة بتحصين الدولة من المواجهات المفاجئة، والتي تركز على حماية أمن الدولة بأكملها باعتبارها قضية وجود لا حدود، ما يؤكد أن إسرائيل تراجع تقييماتها العليا، سياسياً واستراتيجياً، وهو ما سيترجم في أي تعامل مع الخطر الراهن ممثلاً في «حزب الله» وإيران، وأي جبهة مناوئة أخرى.