حرية – (19/8/2024)
سعاد فهد المعجل
منذ أن وعينا على هذه الدنيا، ونحن نقرأ ونسمع أن منطقة الشرق الأوسط على فوهة بركان، وأن غليانها سيطول الجميع، أزمات هنا، وحروب هناك، ومعارك دائرة، وانتفاضات شعبية، انقلابات عسكرية، واغتيالات استخباراتية، وغير ذلك مما أصبح وجبة شبه مستمرة اعتدناها، وأصبح جزءاً من الحياة اليومية لقاطني هذه المنطقة الساخنة. السؤال كان، ولا يزل يدور في ذهن الجميع، هو: ما الأسباب وراء ذلك؟ ولماذا لا يستقر الشرق الأوسط؟ وكيف يمكن احتواء التصعيد ورقعة الصراع، التي لا تتوقف أبداً في المنطقة؟
البعض يرى أن في مقدمة أسباب عدم الاستقرار ما يتعلق بالمجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، خاصة المرتبطة بالنمو العلمي والتقني، بينما يرى البعض الآخر أن الأمر يعود إلى ما تشكّله المنطقة من مركز جذب وتنافس بين الغرب والشرق، مما حوّلها إلى منطقة نزاعات دولية، لأسباب تتغيّر بحسب مسار التاريخ وموجباته، فبقدر ما تُشكّل منطقة الشرق الأوسط من محطة جذب واستقطاب، بقدر ما تُحفّز الصراعات والحروب، ومعها يأتي الخراب بطبيعة الحال.
لا يمكن بالتأكيد أن نستثني هنا حركات الاستعمار من مسؤولية عدم استقرار المنطقة، فجميعها كحركات ساهمَت في تقسيم الدول عرقياً وطائفياً، وبشكل ضاعَفَ من حالة اللا استقرار هنا، نرى ذلك في العراق وسوريا ولبنان واضحاً، بسبب ظروف الحروب في هذه الدول، لكنه كعامل عدم استقرار موجود في معظم الدول العربية، ومُرَشّح لأن يشتعل مع أقل شرارة. والمشكلة هنا أن زوال الاستعمار عن دول المنطقة لم يؤدِّ إلى استقرار، فحركات التحرّر والاستقلال، التي جاءت لتحل محل الاستعمار، افتقدت أغلبها، ان لم يكن كلها، النمط الديموقراطي المدني المطلوب لقيام الدولة الحديثة، ولتتحوّل معها البُنية السياسية للشرق الأوسط الى ثكنات عسكرية، أو أنظمة بيروقراطية محافظة، أو تحالفات قبلية أو طائفية أو تيارات «مدنية» انتهازية وهكذا.
كما لا يمكن إغفال الشق العقائدي هنا في مسألة عدم استقرار الشرق الأوسط، فمدينة القدس مثلاً، التي قد لا تزيد مساحتها على كيلومتر مربع، وتُعتَبَر مهد الرسالات ومأوى الأنبياء، تتقاسمها ثلاثة أديان، كل دين يرى فيها مدينته المقدسة، بالإضافة الى مناطق أخرى مقدسة، كمدينة أور في العراق، والمزارات والمراقد المقدسة في بلاد الشام والعراق، حتى ان كل الأديان قد اتفقت على أن يوم القيامة أو الأرماغيدون، وفقاً لأحد التفاسير المسيحية، سيكون داخل أسوارها.
ذكر أحد التقارير أن الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر عسكرة في العالم، مع أنه، من الناحية العددية، يُشكّل ستة في المئة من سكان العالم، ويُسهِم بستة في المئة فقط من الناتج الإجمالي المحلي فيه، ومع ذلك فإنه يُمثّل ما يقرب من ثلث واردات السلاح في العالم، وذلك عن الفترة بين 2013 ــ 2017 فقط، وأن ثلاثاً من دوله تتصدّر قائمة مستوردي السلاح في العالم.
تاريخ الشرق الأوسط إذًاً حافل بالحروب والصراعات التي لا تتوقف أبداً، وإن توقفت فهي تبقى في حالة اللا حرب واللا سلم، وبالطبع تأتي حالة الصراع العربي ــ الإسرائيلي كواحدة من أطول تلك الحروب، لكنها في الحرب الأخيرة على غزة تجاوزت في مداها ومخاطرها كل الحروب الأخرى، فالمقاومة الفلسطينية داخل غزة والضفة وعلى حدودها، كبّدت جيش الكيان الصهيوني ما لم تُكبّده كل الحروب العربية ضد الكيان مجتمعة، فلم يسبق للشرق الأوسط أن كان على هذه الدرجة من الغليان من قبل، والآمال كلها معقودة على أن تحسم المقاومة الفلسطينية الباسلة حصيلة هذا المشهد لمصلحتها، عندها فقط يمكن أن نحلم بشرق أوسط جديد ومستقر.