حرية – (21/8/2024)
تختلفُ رواياتُ الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا بعد الـ 7 من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بشكل ملحوظ عن الاعتقالات التي سبقت التصعيد العسكري الإسرائيلي ضدّ غزة، حيثُ تُشير تجارب هؤلاء إلى فرض إجراءات “انتقامية” صارمة بحقّهم، تّتسمُ بأنها أكثر بشاعةً ووحشيّة.
الصعق بالكرسي الكهربائي هو وسيلة من وسائل التعذيب التي تستخدمها إسرائيل داخل ثكنة “سدي تيمان” العسكرية التي يُحتجز داخلها زهاء 4 آلاف معتقل من غزة أمضوا فيها قرابة 3 أشهر، من بينهم عشرات اعتقلهم جنود إسرائيليون في اليوم الذي شنت فيه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هجومها على إسرائيل في الـ 7 السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويتمثل الصعق بالكرسي الكهربائي في وضع الشخص على كرسي خاص مزود بأحزمة لربط اليدين والقدمين والجسم. يتم وضع أقطاب كهربائية على رأس الشخص وعلى جزء آخر من جسده، غالباً على الساق أو الكاحل، ثمّ يتم تمرير تيار كهربائي عالي الجهد عبر الأقطاب الكهربائية، ما يتسبب في توقف القلب، ويؤدي غالباً إلى الموت السريع.
فمتى وقع اختراع الكرسي الكهربائي؟ وكيف تطور استخدامه عبر السنوات؟ وهل استخدم الكرسي الكهربائي خارج الولايات المتحدة، وإذا كان الأمر كذلك، في أي الدول كان ذلك؟
تاريخ الصعق بالكرسي الكهربائي
وفقاً لما أطلعنا عليه موقع “history today”، وقع اختراع الكرسي الكهربائي في أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، وقد كانت قضية ويليام كيملر بداية استخدام الكرسي الكهربائي.
ففي التاسع والعشرين من شهر مارس/آذار من سنة 1889، وجه القضاء الأميركي تهمة القتل العمد إلى ويليام كيملر، الذي كان قد ارتكب جريمة قتل زوجته، تيلي زيغلر، بضربها بالفأس عدة مرات. وفي العاشر من مايو/أيار من نفس العام، أُكدت التهمة على كيملر، وبعد يومين صدر حكم بالإعدام بحقه.
في بداية سنة 1889، كانت ولاية نيويورك قد أصدرت قانوناً جديداً يقضي باستخدام الكرسي الكهربائي لتنفيذ أحكام الإعدام. وكان هذا الاختراع الجديد قد تم تطويره على يد طبيب الأسنان ألفرد ساوثويك حوالي عام 1881.
مع صدور حكم الإعدام، أصبح ويليام كيملر أول شخص يُعدَم باستخدام الكرسي الكهربائي. في تلك الفترة، كانت هناك حرب بين مؤسسة جورج ويستينغهاوس التي تعتمد على التيار المتردد ومؤسسة توماس إديسون التي تعتمد على التيار المستمر. قررت إدارة سجن أوبورن استخدام مولد تيار متردد لإعدام كيملر، ما أثار قلق جورج ويستينغهاوس بشأن سمعة مؤسسته. حاول ويستينغهاوس بشتى الطرق وقف عملية الإعدام، لكنه فشل في مساعيه.
تجربة التيار المتردد والإعدام
في الخامس من أغسطس/آب 1890، أجرت إدارة سجن أوبورن تجربة أخيرة على طريقة الإعدام باستخدام التيار المتردد، حيث تم صعق حصان بتيار متردد قدره 1000 فولت، ونجحت التجربة في إنهاء حياة الحصان بسرعة.
في الساعة الخامسة صباحاً من يوم السادس من أغسطس/آب 1890، أيقظ الحراس ويليام كيملر وطلبوا منه الاستعداد لتنفيذ حكم الإعدام. ارتدى كيملر ثيابه وتناول فطوره، ثم جلس بمفرده ليردد بعض الصلوات قبل أن يُنفذ الحكم.
تنفيذ أول حكم إعدام باستخدام الكرسي الكهربائي
في الساعة الخامسة صباحاً من يوم السادس من أغسطس/آب 1890، أيقظ الحراس ويليام كيملر وطلبوا منه الاستعداد لتنفيذ حكم الإعدام. ارتدى كيملر ثيابه وتناول فطوره، ثم جلس بمفرده ليردد بعض الصلوات قبل أن يُنفذ الحكم.
بعد ذلك، تم ربطه بالكرسي الكهربائي الذي تم تجربته بنجاح على حصان في اليوم السابق، وقال للجلاد إدوين ديفيس، الذي كان يحمل لقب “كهربائي الولاية”: “خذ الأمر ببساطة وقم به بشكل صحيح، أنا لست في عجلة من أمري”.
تم شحن المولد بـ 1000 فولت، وتم تمرير التيار عبر جسد كيملر لمدة 17 ثانية. رغم أن ويليام كيمر فقد وعيه، إلا أنه ظل يتنفس. بعدها، تم تشغيل التيار مجددًا بـ 2000 فولت. أدى ذلك إلى نزيف جلد كيملر واحتراق جزء من جسده، ما نتج عنه رائحة كريهة انتشرت في غرفة الموت، وقد استغرق تنفيذ حكم الإعدام حوالي ثماني دقائق.
وجاء في موسوعة “britannica” أنه وفقاً للأطباء الثلاثة الذين أجروا تشريح جثة ويليام كيملر بعد إعدامه، كان هناك “تفحم واسع النطاق” في الجسم في المناطق التي تم توصيل الأقطاب الكهربائية بها. وعلى الرغم من هذه النتائج المروعة، تم تبني الصعق الكهربائي بسرعة في ولايات أخرى، ووصل استخدامه إلى ذروته في عام 1949 حيث كان معتمداً في 26 ولاية.
الجدل حول دستورية الصعق الكهربائي في الولايات المتحدة
تراجع استخدام الصعق الكهربائي
لم تصدر المحكمة العليا الأمريكية حُكماً بشأن ما إذا كان الصعق الكهربائي ينتهك حظر التعديل الثامن لدستور الولايات المتحدة بشأن العقوبة القاسية وغير العادية. على الرغم من أن هذه الطريقة قد تتسبب في ألم وتشويه جسدي للسجين، مثل الحروق الشديدة والنزيف. وقد وثّقت عمليات الإعدام التي شهدها الناس نمطًا من الحوادث المتكررة، ما أثار جدلاً مستمراً حول هذا الأسلوب كما ذكرت الموسوعة ذاتها.
وأدت الطعون القضائية على مدى عقود، بدءاً من قضية كيملر، إلى تخلي معظم الولايات عن الصعق الكهربائي لصالح الحقنة القاتلة.
وبحلول أوائل القرن الحادي والعشرين، أصبح الصعق الكهربائي أحد طريقتين (إلى جانب الحقنة القاتلة) يمكن للسجين اختيارهما في بعض الولايات. ومع ذلك، كان استخدامه نادراً، خاصةً بالمقارنة مع الماضي. فعلى سبيل المثال، في الفترة ما بين 1890 و1972، تم استخدام الصعق الكهربائي في 4251 عملية إعدام. بينما في الفترة من 1976 حتى أوائل القرن الحادي والعشرين، تم استخدامه في حوالي 160 عملية إعدام فقط، ولم يتم اعتماد الصعق الكهربائي على نطاق واسع خارج الولايات المتحدة، على الرغم من استخدامه في الفلبين حتى عام 1976.
إثر ذلك أخذ استخدام الكرسي الكهربائي في التراجع لصالح الحقنة المميتة، التي يُعتقد أنها أكثر إنسانية في تنفيذ حكم الإعدام. بينما تستمر بعض الولايات في استخدام الصعق الكهربائي، فإنها صارت تُعتمدُ كطريقة ثانوية يمكن للسجين اختيارها بدلاً من الحقنة السامة.
خيارات الإعدام في الولايات الأمريكية المختلفة
منذ عام 2010، أصبح الإعدام بالصعق الكهربائي أحد الخيارات المتاحة في ولايات ألاباما وفلوريدا وكارولينا الجنوبية وفيرجينيا، حيث يُسمح للمدانين باختيار الإعدام بالحقنة السامة (الموت الرحيم) أو الصعق الكهربائي.
في ولايتي كنتاكي وتينيسي، تم الاستغناء عن الكرسي الكهربائي كوسيلة تنفيذ الإعدام، باستثناء الجرائم الكبرى التي ارتُكبت قبل تاريخ التشريع (31 مارس/آذار 1998 في كنتاكي، و31 ديسمبر/كانون الأول 1998 في تينيسي). أمّا السجناء الذين لم يختاروا الصعق الكهربائي، أو الذين ارتكبوا جرائمهم بعد هذه التواريخ، يُعدمون بالحقنة السامة.
وفي ولاية فيرمونت، يعد الكرسي الكهربائي الطريقة الوحيدة المستخدمة للإعدام، حيث تُعد الخيانة الجريمة الكبرى. في الثامن من فبراير عام 2008، قررت المحكمة العليا في ولاية نبراسكا أن الإعدام بالكرسي الكهربائي يعدّ عقوبةً قاسيةً وغير طبيعية بموجب دستور الولاية، ما أدى إلى وقف استخدامه في نبراسكا، التي كانت آخر ولاية تعتمد على الصعق الكهربائي كوسيلة وحيدة للإعدام بحسب ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
إسرائيل في مقدّمة الدول المُصدّرة لأجهزة الصعق الكهربائي
ومع تزايد الوعي بحقوق الإنسان والبحث عن أساليب إعدام أقل قسوةً من استخدام الصعق بالكرسي الكهربائي، يأتي تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2016 ليُشير إلى أن ثلاثة أرباع دول العالم تقريباً تمارسُ التعذيب بشكل منهجي، حيث تشمل هذه الممارسات 144 دولة من أصل 163 دولة موقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب التي صدرت عام 1987.
وعلى اعتبار أنّ التعذيب يتطلب استخدام أدوات ومعدّات تلبي احتياجات ممارسيه، تأتي إسرائيل في مقدمة الدول المصدرة لأدوات التعذيب وفقًا للتقرير المذكور ، فدولة الاحتلال الإسرائيلي تحتلّ مكانة بارزة في إنتاج وتصدير أدوات التعذيب مثل القيود، السلاسل، الأصفاد، وكراسي التكبيل. إضافة إلى ذلك، تُصدر إسرائيل مواد كيميائية تسبب الشلل مثل غاز الأعصاب والغاز المسيل للدموع والسموم المخدرة، وكذلك أجهزة الصعق الكهربائي بما فيها الكراسي.
الصعق بالكرسي الكهربائي استُخدم لقمع “ثورات الربيع العربي”
امّا الصين فسبقت دولة الاحتلال بعامين في تصديرها أدوات التعذيب، حيثُ أنها وسعت إنتاجها لتلبية احتياجات قمع ثورات “الربيع العربي”الأولى في هذا المجال، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “تيليغراف” عام 2014. وقد شملت صادراتها من معدات التعذيب إلى دول مثل مصر وليبيا ودول أفريقية أخرى، حيث تم استخدامها من قبل الشرطة لقمع المظاهرات، تضمنت هذه المعدات الأصفاد، وأجهزة الصعق الكهربائي وكراسي التقييد، وأغلال الساق الحديدية..
استخدام اسرائيل للصعق بالكرسي الكهربائي ضدّ الأسرى الفلسطينيين
وعلى الرغم من أن استخدام الكرسي الكهربائي كان محصوراً في المقام الأول بالولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى مثل الفلبين لفترة قصيرة، إلا أن إسرائيل لم تتوانَ عن استخدامه ضد الأسرى الفلسطينيين في سياقات بعيدة عن النظام القضائي.
استخدام هذه الأداة كوسيلة تعذيب يعكس انتهاكات حقوق الإنسان، حيث تم توظيفها كجزء من سلسلة من الأساليب الوحشية التي تهدف إلى قمع الشعب الفلسطيني وكسر إرادتهم. ففي تحقيقها الذي أجراه الكاتبين باتريك كينغسلي وبلال شبير تناولت صحيفة “نيويورك تايمز” أساليب التعذيب والانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون من غزة في قاعدة “سدي تيمان” العسكرية القريبة من القطاع، حيثُ استند هذا التحقيق إلى شهادات لفلسطينيين أفرج عنهم، ليروي كل واحد منهم عن صنوف التعذيب التي تعرض لها خلال فترة أسره.
وقد أكد ثمانية معتقلين سابقين، احتُجزوا في الموقع بحسب اعتراف الجيش الإسرائيلي، أنهم تعرضوا للركل والضرب بالهراوات وأعقاب البنادق وأجهزة كشف المعادن المحمولة. ذكر أحدهم أن ضلوعه كُسرت بعد أن رُكب على صدره، وأكد محتجز آخر أن ضلوعه كُسرت نتيجة ركله وضربه ببندقية، وهو اعتداء شهد عليه محتجز ثالث. كما أفاد سبعة من المعتقلين أنهم أُجبروا على ارتداء الحفاضات فقط أثناء استجوابهم، وأفاد ثلاثة منهم بتعرضهم للصعق بالكهرباء خلال جلسات التحقيق.
أحد الأسرى المفرج عنهم من قاعدة “سدي تيمان” العسكرية هو الممرض الفلسطيني يونس الحملاوي، البالغ من العمر 39 عاماً، والذي تم اعتقاله في نوفمبر/تشرين الثاني بعد مغادرته مستشفى الشفاء في غزة، تعرض للتعذيب في سجون الاحتلال. أُجبر الحملاوي على الجلوس على كرسي موصول بالكهرباء، حيث تعرض للصعق الكهربائي حتى فقد السيطرة على بوله. إضافة إلى ذلك، وردت شهادات تشير إلى تعرضه لاعتداء جنسي من قبل جنود الاحتلال، ما يكشف حجم الانتهاكات الجسيمة التي تحدث داخل هذه المرافق.