حرية – (21/8/2024)
يوليتا جيروب، امرأة كينية في منتصف الثلاثينيات تتكسب من الخدمة في المنازل في لبنان وتعيش في ضواحي العاصمة بيروت منذ 14 شهرا.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، اعتادت يوليتا سماع أصوات انفجارات مدوية لم تعهدها من قبل.
عن تلك الأصوات، تقول يوليتا: “كانت مرعبة. قيل لنا إنها قنابل، لكنها كانت أصوات طائرات تخترق حاجز الصوت. لقد كان وقْع ذلك صعبا للغاية”.
إذن، فقد كان دويّ الصوت في السماء بسبب طائرات حربية. وتتبادل إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية إطلاق النار عبر الحدود بشكل شبه يومي منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي، على خلفية اندلاع صراع بين حركة حماس وإسرائيل لا يزال مشتعلا حتى الآن.
وفي الأسابيع الأخيرة، تنامت المخاوف من اتساع دائرة هذا الصراع، لا سيما بعد تأكيد جماعة حزب الله مقتل أحد قيادييها البارزين في غارة جوية إسرائيلية ببيروت في الـ 31 من يوليو/تموز.
كما تواجه إسرائيل اتهامات بالوقوف وراء مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في أثناء وجوده في العاصمة الإيرانية طهران، ما دفع الإيرانيين إلى التوعّد بالانتقام من إسرائيل.
وتتلقى جماعة حزب الله الشيعية في لبنان دعما من إيران، وتقول إنها تهاجم إسرائيل دعماً للشعب الفلسطيني.
تحذيرات للمواطنين الأجانب
على ضوء ذلك، أصدرت دول عديدة، بينها الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، أستراليا، فرنسا وكندا تحذيرات رسمية عبر سفاراتها ناصحة مواطنيها بمغادرة لبنان على وجه السرعة.
لكن مغادرة لبنان ليست بالقدر نفسه من السهولة بالنسبة للجميع.
يوليتا، على سبيل المثال، تقول إن العادة جرت على أن يأخذ أصحاب العمل جوازات السفر من العاملين في الخدمة بالمنازل فور وصولهم.
وحتى لو كان جواز السفر بحوزة هذا العامل، فهو لا يزال بحاجة إلى تأشيرة خروج من لبنان – وهو مستنَد يجب اعتماده من صاحب العمل. ويتم ذلك ضمن نظام الكفالة للعاملين الأجانب – والذي يسري على حوالي 250 ألف شخص في لبنان.
وبموجب نظام الكفالة هذا، يحق للأفراد أو للشركات توظيف عمال أجانب. ويترك هذا النظام العمال مقيدين بأصحاب العمل كما يقيد حقوقهم.
وفي بعض الأحيان، يستغل أصحاب العمل هذا الوضع. وفي ظل ذلك تضيع حقوق الكثير من النساء العاملات فيعملن كثيرا ويتقاضين قليلا، فضلاً عن تعرّضهن لانتهاكات جسدية.
ورغم نداءات لعمل إصلاحات على نظام الكفالة، فلا يزال العمل به ساريا في دول خليجية عديدة.
دانييلا روفينا، مسؤولة التواصل بمنظمة الهجرة الدولية، قالت لبي بي سي، إن أحد المبادئ الأساسية التي تحمي المواطنين بموجب القانون الدولي يكفل “الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلد الجنسية” وكذلك الحق في العودة إلى الوطن.
وفوق كل ذلك، قالت دانييلا إنه إذا اندلع صراع في البلد الذي تعيش فيه، يتعين السماح للمدنيين بمغادرة هذا البلد بمجرد اندلاع الصراع أو في أثنائه، وذلك بموجب القانون الدولي الإنساني.
واشتعلت التوترات بين إسرائيل وحزب الله على مدى الـ 40 سنة الماضية، عندما احتلت إسرائيل جنوب لبنان. فيما اندلعت الحرب الأخيرة بين الجانبين في 2006، عندما شن حزب الله غارة عبر الحدود.
وفي حالة يوليتا، يرغب أصحاب العمل في أن تستمر بلبنان.
تقول يوليتا، إنهم يقولون إن “هذه الأوضاع قائمة في لبنان منذ سنوات عديدة، وليس ثمة ما يدعو للقلق”.
لكنها تضيف: “أما بالنسبة لنا، فالوضع مختلف؛ فنحن لسنا معتادين على هذا الشكل من أصوات التفجيرات”.
وتتابع يوليتا: “أريد أن أعود لوطني”.
رحلات جوية مكلفة
حتى في ظل توفّر المستندات، تواجه يوليتا وآخرين مثلها ممن يتكسبون من الخدمة في المنازل، تحديات لكي تغادر البلاد.
تقول يوليتا: “لا يوجد غير القليل المتاح من الرحلات الجوية، وهي مكلفة للغاية”.
وتبلغ تكلفة تذكرة السفر إلى كينيا حوالي 1000 دولار، وهو رقم كبير جدا للغالبية العظمى من العاملين في المنازل.
وقالت بانشي يمير، التي أسست منظمة تدعم حقوق الإثيوبيين العاملين في الخدمة بالمنازل، إن متوسط الراتب الشهري هو 150 دولار، لكنها استدركت قائلة إنه بسبب ظروف غلاء المعيشة في لبنان مؤخرا، أصبح “كثيرون لا يتقاضون أي أجر على الإطلاق”.
ولا تستطيع تشيكو، وهي كينية أخرى تعمل في الخدمة بالمنازل، وغيّرنا اسمها لدواع أمنية، أن توفّر تكلفة السفر إلى بلدها.
وتعيش تشيكو في منطقة بَعبدا غربيّ لبنان، منذ نحو عام.
تقول تشيكو: “عن نفسي، أحب لو أعود إلى وطني، لكن تذاكر السفر غالية جدا، وأمي وأبي لا يستطيعان تدبير المبلغ”.
وتعيش تشيكو في خوف منذ أسابيع، لكن مثل يوليتا، قال لها صاحب العمل أن تبقى.
تقول تشيكو: “يقولون إنه ليس بإمكاني أن أغادر لأنني لم أكمل مدة التعاقد. لكن هل هذا التعاقد أهم من حياتي؟”
وتواصلت بي بي سي مع وزارة العمل في لبنان، طلباً للتعليق على تلك المزاعم، لكنها لم تحصل على رد.
حكومات أفريقية “مستعدة لإجلاء” مواطنيها
من وزارة الخارجية الكينية، قالت مساعدة الوزير لشؤون المغتربين، روزلين نجوغو، إن الوزارة يمكن أن تصدر وثائق سفر طارئة لأولئك الذين لا يملكون جوازات سفر.
وأضافت نجوغو لبي بي سي، قائلة إن خطط الإجلاء قائمة، وإن الحكومة الكينية قادرة على توفير رحلات سفر طارئة.
وأوضحت نجوغو: “لدينا حوالي 26 ألف كيني في لبنان، بينهم 1,500 حتى الآن قاموا بالتسجيل معنا من أجل الإجلاء”.
ونوّهت نجوغو عن أنه قد وُضع حظر على هجرة العمالة إلى لبنان منذ سبتمبر/أيلول 2023، كنتيجة مباشرة لشكاوى وردت من مواطنين بخصوص نظام الكفالة.
وقال المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية نيبيو تيدلا، إنهم بصدد “إعداد خطط طارئة لإجلاء الدبلوماسيين والمواطنين الإثيوبيين من لبنان عند الضرورة”.
لكن بانشي يمير، التي أسست منظمة تدعم حقوق الإثيوبيين العاملين في المنازل، تقول إنه حتى من قبل اندلاع الصراع بين حماس وإسرائيل، كان هناك العديد من النساء الإثيوبيات عالقات في لبنان وعاجزات عن مغادرته.
وفي عام 2020، انهار الاقتصاد في لبنان، تاركاً كثيرا من الإثيوبيات العاملات في المنازل بلا وظيفة.
تقول بانشي: “اقتصاد لبنان لا يزال يعاني جرّاء الأزمة المالية، وكوفيد-19، فضلا عن انفجار الميناء. هذا بدوره ترك كثيرا من العاملين في الخدمة بالمنازل بلا وظيفة. بل إن بعض هؤلاء لا يستطيع تحمُّل نفقات إيجار المسكن أو الرعاية الطبية، ناهيك عن تكلفة تذكرة السفر للوطن”.
وبينما تواصل سفارات أجنبية العمل على خطط لإجلاء مواطنيها في لبنان، تشعر نساء كثيرات بالنسيان من قِبل حكوماتهن.
وقد دفع ذلك تشيكو، الخادمة الكينية، على البدء في ادخار النقود حتى تتمكن من توفير ثمن رحلة العودة إلى وطنها.
تقول تشيكو: “لكن، ماذا عن الأخريات اللاتي لا يستطعن؟”.