حرية – (28/8/2024)
تحقيق أعلى نسب المشاهدة وتصدر الـ “ترند” لتحقيق مكاسب مادية صار هوساً عند بعض مقدمي محتوى المنصات المختلفة على الـ “سوشيال ميديا” في مصر، حتى ولو كان على حساب استغلال براءة الأطفال، فمن الظواهر شديدة السلبية الآخذة في الانتشار استغلال الصغار لزيادة المشاهدات على اعتبار أنهم يمثلون عنصر جذب إضافياً للمقاطع المصورة.
بات من المألوف على الـ “سوشيال ميديا” أن نجد صفحات لعائلات تنشر يومياتها مع أطفالها، فتلك “أم فلان” التي يتخطى عدد متابعيها الملايين، وتلك عائلة “فلان” بخلاف عشرات من الـ”بلوغرز” الذين يستغلون حدث استقبالهم طفلاً كفرصة لتصدر الـ”ترند” لتتوالى مقاطع الفيديو التي تعرض أدق تفاصيل حياة الطفل الذي يصبح لاحقاً أحد أهم عوامل زيادة المشاهدات.
هذا النوع من المحتوي يمثل استغلالاً صريحاً للأطفال وكثيراً ما يتم تقديم أشياء تسبب أضراراً بالغة لهم على الصعيد النفسي، قد يمتد تأثيرها لسنوات، بتعرضه للتنمر من اقرأنه في المدرسة أو بعدم رغبته في أن يظهر بهذا الشكل عندما يبدأ نسبياً في استيعاب ما يحدث.
أنواع مختلفة من الاستغلال
استغلال الأطفال لا يقتصر فقط على ظهورهم في فيديوهات الـ “سوشيال ميديا” لكنه يحدث أيضاً عندما يتركهم الأهل أمام الشاشات لساعات طويلة من دون رقابة، مما يجعل من السهل تعرضهم لأخطار متنوعة مثل المواد الإباحية أو التواصل مع أشخاص قد يستغلونهم مادياً أو جنسياً، أو القيام بتحديات خطرة مثل تلك المنتشرة على “تيك توك”، وقد يصل الأمر إلى ما هو أكثر خطورة، إذ شهد المجتمع المصري خلال الأشهر الأخيرة جريمة مروعة قتل على إثرها طفل وتم التمثيل بجثته على يد عامل كهرباء صور الجريمة لمصلحة شخص يعيش في الخارج ويدفع أموالاً في مقابل الحصول على مقاطع فيديو لهذه الأفعال المروعة.
كل هذه الأخطار المستجدة على المجتمع تجعل هناك مسؤولية على الأسر لحماية أطفالها، إضافة إلى مسؤولية المؤسسات المعنية بالصغار والتي يبذل كثير منها جهوداً عدة للتوعية بهذا الأمر.
تقول رئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة سحر السنباطي إن “الإنترنت يشكل مصدراً أساساً للمعلومات لدى الأطفال والمراهقين مما يجعل التمكين ورفع الوعي لديهم أدوات مهمة لتحقيق الأمان الرقمي، مع منحهم بعض الحرية التي تضمن الأمن والسلامة في ظل التغيرات المتلاحقة في عالم الاتصالات والتي كان من تبعاتها ظهور أخطار عدة أبرزها الابتزاز الإلكتروني والتعرض لمواد إباحية والتنمر وسرقة المعلومات الشخصية وغيرها من الأخطار التي تهدد الأطفال”.
وتضيف، “يترتب على هذه الأخطار آثار من بينها العزلة والاكتئاب وضعف التركيز والتفكك الأسري، ومن هنا قام المجلس بعدد من الجهود لتوعية الأطفال بالتعامل مع التكنولوجيا بصورة آمنة، وتعريفهم بمفهوم المواطن الرقمي والبصمة الرقمية وكيفية الحفاظ على المعلومات الشخصية، وما يمكن مشاركته عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية اختيار الألعاب الإلكترونية المناسبة لأعمارهم، وتأكيد ضرورة اللجوء للآباء في حال التعرض لمشكلة أو الاستعانة بالاختصاصي الاجتماعي في المدرسة أو شخص محل ثقة”.
التأثير النفسي في الطفل
ظهور الأطفال على الـ “سوشيال ميديا” في مقاطع الفيديو التي تنتشر على المنصات المختلفة غالباً ما يكون له تأثير في المجتمع بمن فيه من الأطفال الذين قد يجذبهم مثل هذا المحتوى، فيحرصون على متابعته باعتبار أن الطفل بطل الفيديوهات سيمثل عامل جذب كبيراً لهم، وقد يتعرض هذا الطفل لاحقاً إما للتنمر والسخرية من زملائه أو قد يراه بعضهم نموذجاً يرغبون في أن يكونوا مثله، باعتباره حقق شهرة وانتشاراً حتى ولو كان على حساب قيم المجتمع أو انتهاك الخصوصية أو التعرض لاستغلال واضح من أسرهم للحصول على مكسب بأي ثمن.
وتقول استشارية الصحة النفسية أمل محسن “أصبحت الـ ‘سوشيال ميديا’ من سمات العصر وهذا واقع لا جدال فيه، وظهور الأطفال عليها أصبح ملاحظاً، ومثلما هناك نماذج سيئة فهناك أيضاً من يقدمون محتوى مفيداً وهادفاً حتى لو بمشاركة أطفالهم، وهم موجودون على الـ ‘سوشيال ميديا’ ويهتمون بتقديم قيم إيجابية أو معلومات مفيدة، وهذه الفئة غالباً ذات مستوى ثقافي مرتفع، وهذا حالياً يشبه ظهور الأطفال سابقاً في أية وسيلة إعلامية باعتبار أن الـ ‘سوشيال ميديا’ أصبحت من أدوات العصر الحالي”.
وتضيف، “بعض الفئات من ذوي الثقافة المحدودة تستغل الـ ‘سوشيال ميديا’ للحصول على مكاسب بأية وسيلة حتى ولو كانت استغلال أطفالها، والفكرة هنا أن المجتمع الذي تتعامل معه هذه الفئة بصورة حقيقية ومن بينها الطفل، غالباً يشبهها ويكون لديه القيم نفسها، وبالتالي لن ينزعج من هذا المحتوى بل على العكس يمكن أن يشجعه ويرغب في تقليده كوسيلة للكسب، وبالنسبة إلى الطفل نفسه فهو غالباً إما سيسير مستقبلاً في المسار نفسه وسيكون استنساخاً من أهله، وهنا قد يستغل شهرته في كسب مزيد من الأموال، وإما سيتمرد عليهم تماماً ويرفض الأمر بصورة كاملة، وقد يسبب له هنا أضراراً نفسية عدة”.
“تيك توك” يحتل الصدارة
وفي ما يتعلق بمقاطع الفيديو التي يظهر فيها الأطفال، فيعتبر “تيك توك” الأكثر انتشاراً باعتبار أنه يشهد الإقبال الأكبر من فئة الأطفال والمراهقين عن بقية وسائل التواصل، وهو أيضاً المنصة الأكثر حضوراً في مثل هذه النوعية من المحتوى التي تتعلق بعرض الحياة الشخصية والعائلية، ومن بينها الفيديوهات التي تعتمد بصورة رئيسة على ظهور الأطفال.
وفي دراسة منشورة عبر “المجلة العربية” لبحوث الاتصال والإعلام الرقمي الصادرة في يناير (كانون الثاني) 2022 للباحثة إسراء عبدالكريم بعنوان “استخدام الأطفال في صناعة مقاطع الفيديو المصورة على تطبيق ’تيك توك‘” والتي أجريت على عينة من 100 فيديو ظهر فيها أطفال، فقد وجد أن أكثر فئة عمرية ظهوراً في الفيديوهات مـن سن ست إلى تسع سنوات بنسبة 44 في المئة، يليها الفئة من تسعة إلى 12 سنة بنسبة 28 في المئة، بينما الفئة العمرية مـن ثلاث إلى ست سنوات ظهرت بنسبة 15 في المئة، كما وجدت الدراسة أن 87 في المئة من الأطفال ظهروا بصحبة أحد أفراد أسرتهم الأكبر سناً مما يدل على الاستغلال لتحقيق الشهرة وكسب الأموال، وأن 53 في المئة من المقاطع التي شارك فيها الأطفال كانت غناء ورقصاً، يليها 35 في المئة قدموا مقاطع فكاهية.
كيفية الحماية
وفقاً للقانون المصري فقد تصل عقوبة استغلال الأطفال على الـ “سوشيال ميديا” إلى الحبس خمس سنوات وغرامة تصل إلى 200 ألف جنيه، وهناك وقائع عدة وصل الأمر فيها إلى تدخل السلطات المعنية حماية للطفل، وكان من أشهرها واقعة “يوتيوبر” شهير وزوجته كانا يجبران طفلتهما الرضيعة على البكاء ثم يعرضان تلك المقاطع، وواقعة أخرى لسيدة خرجت في أحد الفيديوهات تتحدث عن قيام أطفالها بأفعال تتنافى مع القيم والآداب العامة، وغيرها من الحوادث التي تشهد على استغلال الأطفال.
ومن أهم الجهات المعنية بهذا الأمر في مصر هو خط نجدة الطفل الذي يتلقى البلاغات في ما يتعلق بوجود أي خطر يقع على الأطفال بأي صورة، ومن بينها استغلال الأطفال على الـ “سوشيال ميديا” لتحقيق المشاهدات والربح.
ويقول مدير خط نجدة الطفل صبري عثمان، “يحكمنا في التعامل مع حماية الطفل بصورة أساس مراعاة مصلحته وعدم تعريضه للخطر، ومن هنا فإن ظهور الأطفال بمظهر من شأنه تعريض أخلاقهم أو تنشئتهم للخطر، ويعد في المقام الأول مخالفة لأحكام قانون الطفل، فضلاً عما قد يشكله من جرائم أخرى وفق أحكام قانون العقوبات المصري وقانون مكافحة الاتجار بالبشر وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ومن أبرز انتهاكات الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي الاستغلال في فيديو لرفع نسب المشاهدة، واستدراج الطفل لإرسال صور أو مقاطع غير لائقة تخصهم وابتزازهم بها مادياً، والقوانين المصرية تواجه مثل هذه الجرائم إلا أن الأمر يحتاج إلى تكثيف الحملات الإعلامية والتوعية بأخطار الاستخدام غير الآمن للإنترنت، وبخاصة مع أشخاص غير مرئيين وغير معلومين للطفل”.
ويضيف، “من هذا المنطلق فإنه فور ورود بلاغ بتعرض طفل للخطر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو استغلال اقتصادي أو تجاري تبلغ النيابة العامة مع تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية والنفسية للطفل، وبالفعل هناك حالات تدخلنا فيها لأطفال تعرضوا لإساءة عبر فيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي وكان من ضمنها حالة أحيلت إلى المحاكمة الجنائية عن واقعة إظهارها لأطفالها في مقاطع مرئية تخالف قيم ومبادئ الأسرة المصرية لرفع نسب المشاهدة، وقد عوقبت المستغلة بالسجن سبع سنوات”.