حرية – (29/8/2024)
يحذر باحثون اجتماعيون وأساتذة جامعيون، من تأثيرات مجتمعية باتت تظهر ملامحها على أجيال المراهقين والمراهقات بسبب “الحياة الوردية المزيفة” التي تنشرها فاشينستات وبلوغرات وصناع محتوى هابط على صفحاتهن الشخصية.
وفيما بين المختصون أن هؤلاء “المشاهير” باتوا يتحدثون بمواضيع “الزواج والطلاق” ويدخلون في صلب الحياة الأسرية من دون علم أو دراية، أكدوا أن “قلة الوعي” ومحاولة تقليد هذه الفئة أدت لحالات انتحار ووفيات بين الشابات والنساء، فيما يصفهن البعض بأنهن “صندوق أسرار” السياسيين والمسؤولين بسبب ثرواتهن وعلاقاتهن مع متنفذين في الدولة.
ورغم الحملة الأمنية ضد ما يسمى بأصحاب “المحتوى الهابط” إلا أنه تبرز تحذيرات من تأثير المشاهير السلبي في مواقع التواصل الاجتماعي على حياة العراقيين مستقبلاً، إذ تصور لهذه الفئة حياة وردية مزيفة بعيدة عن الواقع، وفي السنوات الأخيرة، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتشار ظاهرة “صناع المحتوى”، والبعض منهم اتجه نحو محتوى عُدَّ “هابطاً ولا أخلاقياً”، خاصة وأنه يتركز فقط على الإيحاءات الجنسية أو استعراض الفتيات وبعض الممارسات الأخرى، أو الحديث مع تعدد العلاقات والخوض بتفاصيلها الجنسية.
طلاق وانتحار
ويقول حسام إبراهيم، طالب جامعي وأحد متابعي مواقعي التواصل الاجتماعي، إن “من أبرز مظاهر خطورة الفئة الأكبر مما يسمون بالمشاهير وصناع المحتوى وما يسمى بالفاشينستا أنهم يفتقرون للمؤهلات العلمية الكافية للظهور الإعلامي وتقديم المحتوى المفيد للمجتمع”.
ويضيف إبراهيم في حديث له، أن “المحتوى الذي يقدمونه هزيل جداً، ويخالف أبسط القيم وأهم المبادئ والثوابت الدينية والاجتماعية، وللأسف الشديد أصبحوا قدوات للآخرين، بل صار الواحد منهم يعطي دروساً في بعض المسائل المهمة في الحياة الاجتماعية في الزواج والطلاق”.
من جانبه، يبرز مدير مركز الإعلام الرقمي العراقي، مهند حبيب السماوي، في حديثه “تشابك” المصطلحات في الفضاء الرقمي بالقول إن “الفضاءات تشابكت، فالبلوغر الآن يكتب في جميع المنصات ويتحدث عن مختلف المواضيع، من خلال النص والصورة ومقاطع الفيديو متجاوزاً الخريطة السابقة التي كان تحدد تعريف البلوغر”.
ويتابع “وكذلك الحال ينطبق على الفاشنستا التي أصبحت تتحدث في كل المواضيع، حتى تلك التي لا تفهم أبجدياتها الأساسية، وهو من سخريات العصر الرقمي ومواقع التواصل التي منحت لكل إنسان القدرة على الحديث في مختلف المواضيع ووقتما ما يريد مهما كان جاهلاً بها”.
ويرى الباحث الاجتماعي والتربوي، فالح القريشي، أن “بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت سبباً رئيساً في انتشار الكثير من الحالات الدخيلة على المجتمع العراقي مثل الفساد الأخلاقي وحتى حالات الانتحار”.
ويشدد القريشي في حديثه، على “ضرورة متابعة الجهات الأمنية المختصة لما ينشر من محتويات تسيء لسمعة العراق والعراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه المحتويات تدفع الكثير إلى الانحراف الأخلاقي بمختلف مستوياته، ولهذا يجب منع تلك المحتويات من الانتشار لمنع انتشار الفساد في المجتمع بشكل أكبر وأخطر”.
الداخلية تكرّم وتصادق
وكانت وزارة الداخلية العراقية قد كرمت، في 3 تموز/ يوليو الماضي، أصحاب “المحتوى الإيجابي”، بحضور أكثر من 250 من مشاهير السوشيال ميديا وصناع المحتوى، فيما قررت الوزارة إصدار هويات لأصحاب “المحتوى الإيجابي”، بصفة عضو شرف، من أجل دورهم في التصدي للمحتوى الهابط.
فيما حدد المتحدث باسم الوزارة اللواء خالد المحنا أن “لمواقع التواصل الاجتماعي تأثير كبير على المجتمع العراقي، وأن وزارة الداخلية تكفلت بمكافحة المحتويات الضارة، من خلال اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المحتويات التي تحمل إساءة”.
حياة الرفاهية “مزيفة”
وتؤكد دارسات وبحوث واستطلاعات محلية وعربية وعالمية تزايد ضحايا مخالفات مواقع التواصل الاجتماعي التي تسببت للكثير في مسائلات قانونية وأزمات نفسية واجتماعية، أضطر معها أصحابها لتعطيل حساباتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتقول سارة حيدر، وهي طالبة جامعية، في حديث له، إن بعض زميلاتها وحتى صديقاتها خارج الجامعة واللواتي يتابعن مشهورات معينات (بلوغرات وفاشينستات) يرددن عبارات وأمنيات موحدة وهي “يا ريت لو يصير عرسي مثلها، أو يا ريت لو يتوفر عندي مثل سيارتها وإمكانيتها المادية”.
وتضيف “البلوغرات والفاشينستات يشاركن أعراسهن ومناسباتهن ويستعرضون سياراتهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي سعياً من هذه المشهورة أو تلك للوصول إلى (الترند)”.
بدورها تقول زميلتها رانيا إبراهيم، في حديث له، إن “الفاشنستات، يعملن على الظهور ببشرة صافية، خالية من أي عيوب، وهذا الموضوع أثر على النساء بمختلف أعمارهن، وذهبن باتجاه عمليات التجميل، التي بعضها أودت بحياتهن، فيما أخريات تشوهن بسبب عمليات الشفط، والنحت”.
الفئات الأكثر تأثراً
ويحدد باحثون اجتماعيون الفئات العمرية التي تتأثر بالفاشنستات، إذ “تبدأ من الست سنوات وصولاً إلى الـ25 سنة، وعادة في عمر الست سنوات وصولاً إلى المراهقة، يتأثرون بتقليد الآخرين من دون فهم”.
ويؤكدون أن “البلوغر تقدم عادة صورة مثالية عن حياتها، بالمأكل والملبس، وتسعى لإظهار الجانب الإيجابي من حياتها فقط، وتهمل الجانب السلبي، ولذلك يتأثر بها بقية الفئات العمرية، التي قد تعاني من مشكلات أسرية”.
ويشدد الباحثون على أن “الأسرة دورها كبير بتوعية الفتيات، بالقول لهن، إن تلك الفاشنستات، يعرضن الجانب الإيجابي في كل شيء، حتى أشكالهن، وهم شخصيات عادية، ولديهم مشكلات في حياتهم الشخصية”.
تعدٍ على المنظومة القيمية
ويقول الأستاذ الجامعي حيدر القطبي في حديث له، إن “النشر الحالي يتعدى على المنظومة القيمية المجتمعية، بل وصل النشر إلى حالة عرض صور ومواضيع مفتوحة وربما لا يجب أن يطلع عليها الأطفال أو البنات في مجتمعنا، وهذا الأمر يؤثر في نفسية كل فرد من أفراد المجتمع خاصة المراهقين من الذكور والإناث خاصة وأن من يعتبرون أنفسهم مشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي صاروا يتحدثون عن تحولهم لأغنياء وامتلاكهم سيارات فارهة بسبب هذا النشر وبالتالي صار حلم كل فتاة وفتى أن ينشر مثلهم كي يصل لنفس المستوى المادي”.
ويضيف القطبي أن “هناك محددات عامة للتعامل مع ما ينشر من محتوى غير مقيد على مواقع التواصل الاجتماعي، للحفاظ على بنية المجتمع، وهناك ثلاثة أركان للتعامل مع ما ينشر في هذه المواقع أولها القوانين والتشريعات، وثانياً التعليمات وهي من اختصاص هيئة الإعلام والاتصالات والتي تضع معايير للنشر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل والتي ينبغي إفادتها أيضاً مما تظهره الدراسات والبحوث الأكاديمية العراقية، والثالث هو الضابط المجتمعي (مراعاة البيئة الداخلية) الذي يحكم التصرفات وتفرضه العادات والتقاليد والأعراف والدين”.
الصندوق الأسود
بدورها تقول الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي في حديث له ، إن “ما زاد من نشاطات بعض الفاشينستات والبلوغرات هي التكنولوجيا الحديثة، وهن بالأحرى أشبه بعاهرات المجتمع المنمقات، فهن يظهرن على مواقع التواصل ويهددن بوجود سلطة ونفوذ لهن وصلتهن بأصحاب النفوذ والقرار، وهذه (الماركات والنوعيات) هن الصندوق الأسود لكثير من السياسيين والمسؤولين ويحب محاسبة كل الفاسدين الذين يتعاونون معهن”.
وتضيف الفيلي أن “هذه النوعية وما تبثه من محتوى لا يمكن أن يمثل المرأة العراقية، ولا بد أن يحاسبن على كل ما قدمنه، ونحن نرى أنهن وصلن مرحلة من الغنى الفاحش عبر استعراض هداياهن التي تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات والسيارات الفارهة”، مبينة أن “هذه الظاهرة ستنتهي بانتهاء دورها المحدد لها”.
70% من العراقيين على مواقع التواصل
وكان مركز الإعلام الرقمي “DMC” قد أعلن، في 24 شباط/ فبراير الماضي، وصول مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في العراق إلى 31.95 مليون مستخدم، ما يعادل 69.4% من إجمالي عدد سكانه.
ووفق المركز فإن منصة “تيك توك” أصبح عدد مستخدميها أكثر من 31 مليون مستخدم هذا العام بزيادة كبيرة عن العام الماضي، الذي بلغ 23.88 مليون مستخدم، وفي “فيسبوك” ازداد العدد وأصبح 19.30 مليوناً، في حين كان العام الماضي 17.95 مليون مستخدم.
وفي موقع “يوتيوب” فإن عدد مستخدمي المنصة أصبح 22.80 مليون مستخدم بعد أن كان 24.30 مليون مستخدم العام الماضي، وعبر تطبيق “إنستغرام” فقد أصبح العدد 18.25 مليوناً هذا العام، بعد أن كان 14 مليوناً العام الماضي.
وفي “فيسبوك ماسنجر” أصبح العدد 15.70 مليون مستخدم بعد أن كان 15.10 مليون مستخدم العام الماضي، فيما في تطبيق “سناب شات” فقد أصبح العدد 17.74 مليون مستخدم بعد أن كان 16.10 مليون مستخدم، وفي منصة “إكس” أصبح عدد المستخدمين 2.55 مليون بعد أن كان 2.50 مليون مستخدم، و”لينكد أن” أصبح عددهم 1.90 مليون بعد أن كان عدد المستخدمين 1.70 مليون مستخدم.
إحصاءات وأرقام والأرباح كلمة السر
ووفقاً لتقرر مجلة “فوربس” الأمريكية فإنه في العام 2023، وصل عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم إلى رقم قياسي يقدر بنحو 4.9 مليار، ومن المتوقع أن يقفز هذا الرقم إلى ما يقرب من 5.85 مليار مستخدم، بحلول العام 2027.
وترتبط الأرباح التي يحققها المؤثرون على مواقع التواصل بعدد “المتابعين” لحساباتهم المختلفة على المنصات المختلفة، وفقاً لموقع “بيزنيس دوت كوم”.
وهناك ثلاثة أنواع من المؤثرين على مواقع التواصل، أولهم “النانويون” والذين يمتلكون 10 آلاف متابع أو أقل ويكسبون نحو 195 دولاراً لكل مشاركة، والنوع الثاني، هم “المؤثرون من الطبقة المتوسطة”، ولديهم ما بين 10 آلاف إلى مليون متابع ويكسبون نحو 1221 دولاراً لكل منشور، أما النوع الثالث فهم “المؤثرون أصحاب النفوذ الكلي”، والذين لديهم أكثر من مليون متابع ويكسبون نحو 1804 دولارات لكل منشور.
وبحسب “بيزنيس دوت كوم”، فإن المؤثرين على موقع “إنستغرام” يحققون 100 دولار لكل 10 آلاف متابع.
ومن المتوقع أن تبلغ أرباح شركات التواصل الاجتماعي 183.10 مليار دولار، بحلول العام 2027، حسب المصدر ذاته.
ويكشف خبير التسويق الرقمي، محمود عبد الهادي، تلقي كل من المؤثرين والشركات “أرباحاً ومكاسب خيالية مقابل المحتوى الذي يتم تقديمه عبر تلك المنصات”.
ويشير عبد الهادي خلال حديث له، إلى أن موقع “يوتيوب يحتل المرتبة الأولى” من حيث المبالغ التي يحصل عليها المؤثرون عبر مواقع التواصل، ويمكن أن تصل أرباحهم من “يوتيوب” إلى 300 ألف دولار شهرياً، في حال امتلاك قناة يزيد عدد مشتركيها عن 7 ملايين مشترك، وفيما يتعلق “بفيسبوك”، فإذا كان عدد المتابعين يزيد عن 7 ملايين متابع، يمكن للمؤثر أن يحقق أرباحاً تصل إلى 180 ألف دولار شهرياً.
ويوضح أن أرباح تطبيقي “إنستغرام” و”سناب شات” تكاد تكون واحدة، حيث يمكن للمؤثر الذي يمتلك 7 ملايين متابع تحقيق 150 ألف دولار شهرياً.
وبحسب عبد الهادي، فإن المؤثر الذي يمتلك 7 ملايين متابع على تطبيق “أكس”، “تويتر” سابقاً، قد يحقق 50 ألف دولار شهرياً، فيما يرتبط العائد المالي لـ”تيك توك” بالدعم والهدايا الافتراضية، ومتوسط صافي الأرباح للتيكتوكر يتراوح بين 3 إلى 5 آلاف دولار يومياً.
ويشير تقرير صادر عن بنك “غولدمان ساكس” عام 2023 ونشر في 18 حزيران/ يونيو 2024 أن من بين مئات الملايين من الناشطين في إنشاء المحتويات الرقمية حول العالم، يكسب نحو 50 مليوناً منهم عائداً مقدراً.
وتوقع البنك أن ينمو عدد الذين يكسبون المال من خلال إنشاء المحتويات الرقمية بمعدل سنوي يتراوح بين 10% إلى 20% حتى العام 2028، مما يضاعف أعداد الناشطين في هذا المجال، الأمر الذي يشير مختصون إلى أنه قد يقلل من فرص الحصول على عائد مادي مجز.
وتشهد صناعة “المؤثرين عبر الإنترنت” ازدهاراً إذ تقدر قيمتها بنحو 250 مليار دولار حول العالم، وهي تتيح لصناع المحتوى عبر شبكات التواصل الاجتماعي تحقيق إيرادات بآلاف الدولارات.
وقال موقع “يوتيوب” إنه دفع أكثر من 70 مليار دولار للمبدعين والفنانين وشركات الإعلام في السنوات الثلاث الماضية.
وأشار إلى أن أكثر من 25% من القنوات بالموقع تحصل على الأموال عبر الإعلانات التي يتم بثها خلال مقاطع الفيديو.