حرية – (31/8/2024)
لم تمضِ سوى ساعات على وصول طائرتين عسكريتين مصريتين محملتين بالأسلحة والمعدات العسكرية إلى الأراضي الصومالية، حتى خرج بيان إثيوبي حاد اللهجة، يتهم جارتها مقديشو بزعزعة الاستقرار في المنطقة.
البيان الإثيوبي لم يسمِ مصر، لكنه قال “يتعين على القوى التي تحاول تأجيج التوتر لتحقيق أهداف قصيرة الأجل أن تتحمل عواقب وخيمة”، في تطور ينذر بزيادة التوتر في القرن الأفريقي.
واتفق خبراء من مصر وإثيوبيا تحدثوا لبي بي سي على أنه “لن تقع مواجهة مباشرة بين القاهرة وأديس أبابا”، إلا أن خبير في برنامج أفريقيا بمركز تشاتام هاوس بلندن أكد أن “الأزمة قد تتفجر وتذهب الأوضاع إلى أبعد من المتوقع”.
أول مساعدات عسكرية منذ عقود
وتعد تلك المساعدات المصرية هي الأولى التي تصل الصومال، منذ أكثر من أربعة عقود، لكن القاهرة لم تعلن عنها رسميا، فيما ثمن دبلوماسيون صوماليون الخطوة.
ومن جانبه أكد الخبير العسكري المصري اللواء سمير فرج لبي بي سي، أن مصر أرسلت طائرتين من نوع سي 130 محملتين بمعدات عسكرية للصومال، في ضوء اضطلاع القاهرة بمهمة إعادة تدريب وتنظيم الجيش الصومالي لرفع كفاءته ليواجه الإرهاب وحركات الانفصال”.
وأوضح أن تلك الخطوة جاءت في ضوء بروتوكول التعاون الأمني الذي وقعته مصر والصومال أخيرا، حيث تهدف القاهرة إلى أن تساعد الصومال في حفظ أمن مضيق باب المندب على البحر الأحمر والذي يعد أحد عوامل أمن قناة السويس المصرية، وفقا لما قال.
وقد تقاربت مصر والصومال هذا العام بعد أن وقعت إثيوبيا اتفاقا أوليا مع منطقة أرض الصومال الانفصالية تحصل بموجبه أديس أبابا على حق انتفاع بأراضٍ ساحلية في ميناء بربرة مقابل الاعتراف المحتمل باستقلالها عن الصومال، ووصفت حكومة مقديشو الاتفاق بأنه اعتداء على سيادتها وقالت إنها ستعرقله بكل الوسائل الضرورية.
ووقعت الصومال، مطلع هذا العام، على بروتوكول أمني مع مصر، والتي هي على خلاف مع إثيوبيا لسنوات بشأن بناء أديس أبابا لسد ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية على منابع نهر النيل، تخشى من تأثيره على حصتها المائية.
من جانبه قال العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، لبي بي سي إن مصر والصومال دولتان لهما سيادة مستقلة ومن حقهما التعاون في شتى المجالات وهذا لا شأن لأحد به.
وأكد راغب أن مصر تعمل على استعادة دورها القديم في منطقة القرن الأفريقي، لأن في ذلك أفضل رد فعلي على “تصرفات إثيوبيا التي لا تحمل إلا الاعتداءات والعداوات لدول المنطقة”، وفق تعبيره.
وبعد توقيعها اتفاقا عسكريا مع الصومال، وقعت مصر ونيجيريا، الأربعاء، مذكرة تفاهم لتعميق التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وهو ما فسره البعض بأنه يأتي ضمن تحركات مصرية لاستعادة دورها في القارة السمراء.
لماذا غضبت إثيوبيا؟
وفيما يمكن اعتباره أول تعليق على الأمر، اتهمت إثيوبيا الصومال بالتواطؤ مع من وصفتهم بجهات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة، من دون ذكر هذه الجهات.
وأفادت وزارة الخارجية الإثيوبية أن أديس أبابا لن تبقى صامتة، في وقت تتخذ فيه جهات أخرى تدابير لزعزعة استقرار المنطقة، وفقا للبيان، معربة عن قلقها مما وصفته بـ “تحول المهمة الجديدة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لحفظ السلام في الصومال إلى مصدر خطر في الإقليم”.
ويرى الباحث الإثيوبي نور الدين عبده أن الرسالة التي فهمتها إثيوبيا من استباق مصر للترتيبات الدولية تمهيدا لمشاركتها في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال والتي من المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية الحالية في الصومال، مطلع العام المقبل، وقيامها بإرسال معدات إلى الصومال لم تكن “رسالة إيجابية”، لاسيما أن مصر أعلنت دعمها للصومال في خلافه مع إثيوبيا.
وأردف: “حساسية العلاقة المصرية الإثيوبية وتعقيدات ملف سد النهضة ومعارضة مصر لوصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر وقيامها بتحشيد جامعة الدول العربية ضد إثيوبيا عزز الفهم السلبي للتحرك المصري الأخير”.
ويرى عبده أن ما عزز من شكوك إثيوبيا أيضا “اللغة العدائية” من قيادات مقديشو، و”تحركها في اتجاه التحشيد الديني للمجموعات المتطرفة لاستخدامها في حل الخلاف مع إثيوبيا”، وهو ما دفع أديس أبابا للتخوف من “عدم انضباط” حكومة مقديشو في إدارة السلاح والمعدات المصرية، بحسبه.
وأعلن بيان صادر عن الاتحاد الأفريقي في وقت سابق من هذا الشهر عن عرض مصر للمساهمة بقوات في مهمة حفظ سلام جديدة ستنطلق العام المقبل في الصومال.
وكانت الصومال هددت في وقت سابق بطرد ما يصل إلى 10 آلاف جندي إثيوبي، موجودين هناك كجزء من مهمة حفظ السلام وبموجب اتفاقيات ثنائية لمحاربة متشددي حركة الشباب، إذا لم يتم إلغاء الصفقة بين إثيوبيا وأرض الصومال، والتي عمقت الخلاف بين الدولتين منذ مطلع هذا العام.
واستضافت تركيا جولتين من المحادثات غير المباشرة منذ يوليو/تموز بين الصومال وإثيوبيا بشأن اتفاق أرض الصومال، الذي لم يتم الانتهاء منه بعد. ومن المتوقع عقد جولة ثالثة الشهر المقبل.
إثيوبيا -وهي دولة حبيسة- تقول إنها تحتاج الوصول إلى البحر.
وتصر مقديشو على أن أرض الصومال، التي لم تحصل على اعتراف دولي رغم تمتعها بالحكم الذاتي العملي لأكثر من 30 عاما، جزء من الصومال.
وفي تطور جديد أعلنت إثيوبيا، الجمعة، تعيين مندوب لها بدرجة سفير بأرض الصومال (غير المعترف بها دوليا)، وذلك لأول مرة منذ بدء العلاقات بين أديس أبابا والإقليم الانفصالي.
فيما دخلت حكومة أرض الصومال الانفصالية على خط التوتر، وأصدرت بيانا صعدت فيه ضد مصر، وانتقدت إرسال قوات مصرية إلى دولة الصومال.
ويقول الدكتور آبل أياتي ديميسي، زميل مشارك في برنامج أفريقيا بمركز تشاتام هاوس بلندن، إن الجزء الأكثر سوءًا هو أن المناقشة بأكملها حول قوات حفظ السلام لا تعتبر حتى حركة الشباب الهدف أو التهديد الرئيسي. فالدول الثلاث مشغولة بتسوية الحسابات وتحقيق الميزة الجيوسياسية، مصر عينها على سد النيل – وتعتبر خطوتها ورقة ضغط على إثيوبيا للقبول بشروط مصرية، والصومال تنظر لمذكرة التفاهم بين أديس أبابا وأرض الصومال، وإثيوبيا عينها على تحركات مصر.
هل يمكن أن تنزلق المنطقة إلى مواجهة؟
وحذر ديميسي من انزلاق المنطقة إلى مواجهة مباشرة بين مصر وإثيوبيا إذا لم يتم التعامل مع التوتر المتصاعد بأقصى قدر من الحذر.
وشدد ديميسي على أنه إذا كانت القوات المصرية ستكون جزءاً من مهمة حفظ السلام دون أي مناقشة أو اتفاق مع إثيوبيا، فقد يؤدي ذلك إلى مواجهة مباشرة بين البلدين اللذين تفصل بينهما حدود طبيعية (السودان بينهما). – ولذك يجب على الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أن يعملا على تجنب أي صراع يجعل الصومال ساحة معركة.
ويرى ديمبسي أن الفائز الوحيد من هذا التوتر هو حركة الشباب والجماعات المتطرفة الأخرى العاملة في المنطقة.
من جانبه قال العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، لبي بي سي: “إن زمن اعتماد مصر على إرسال الرسائل السياسية أو المعنوية لإثيوبيا قد انتهى، ومصر حاليا تعتمد سياسة الأفعال لا الأقوال”.
ولكنه لفت أيضا إلى أن خيار المواجهة المباشرة مع إثيوبيا ليس مطروحا لدى بلاده، فهي رغم كل “استفزازات أديس أبابا ومخالفتها كل الاتفاقيات الدولية” بشأن سد النهضة إلا أن مصر تحرص على سياسة عدم الاعتداء.
وكانت مصر وإثيوبيا على خلاف لقرون فيما يتعلق بنهر النيل بشكل أساسي. وخاضت الدولتان حروباً قليلة في الماضي، كان آخرها منذ حوالي 150 عامًا.
ويرى الباحث الإثيوبي نور عبده أن مصر وإثيوبيا قطبان أساسيان في المنطقة ولكلا البلدين مصالح وقلق مبرر ولا يمكن تجاهله من الطرف الآخر، مؤكدا على أهمية أن يكون حوار استراتيجي بين الجانبين لتجنب دخول المنطقة في حرب الوكالات وصراع على النفوذ.