حرية – (31/8/2024)
“قلبي يعتصره الحزن والألم، أبكي حتى يومنا هذا كلما تذكرت كيف دُمرت حياتي”.
تقول سوشما، وهو اسم مستعار نظرا لعدم سماح القوانين الهندية بالكشف عن هوية أي ضحية تعرضت للاغتصاب، إن ذلك حدث في عام 1992، كانت في الثامنة عشرة من عمرها عندما استدرجها رجل تعرفه إلى مستودع مهجور بحجة مشاهدة أشرطة فيديو، وهناك قيّدها ستة أو سبعة رجال واغتصبوها كما التقطوا صورا لما حدث.
كان هؤلاء الرجال ينتمون إلى عائلات ثرية تتمتع بنفوذ في مدينة أجمر، وهي مدينة تقع في ولاية راجاستان غربي الهند.
وتقول: “بعد أن اغتصبوني، أعطاني أحدهم 200 روبية (ما يعادل 2 دولار) لشراء أحمر شفاه. لم آخذ النقود”.
وبعد 32 عاما، رأت سوشما المحكمة، الأسبوع الماضي، وهي تدين من اغتصبوها وتحكم عليهم بالسجن مدى الحياة.
وتضيف: “أبلغ من العمر الآن 50 عاما، وأشعر أخيرا أن العدالة تحققت”، وتقول أيضا: “لكن هذا لا يمكن أن يعيد لي كل ما خسرته”.
وتلفت إلى أنها تحملت سنوات من الافتراء والسخرية من المجتمع بسبب ما حدث لها، وانتهى زواجها المتكرر بالطلاق بعد اكتشاف أزواجها ما حدث لها في الماضي.
وتعد سوشما واحدة من 16 ضحية، جميعهن تلميذات أو طالبات، تعرضن للاغتصاب والابتزاز على يد مجموعة من الرجال أصحاب النفوذ في أماكن مختلفة في مدينة أجمر على مدى أشهر في عام 1992، كما أصبحت القضية فضيحة كبرى وأثارت احتجاجات واسعة النطاق.
وفي الأسبوع الماضي، أصدرت المحكمة عدة أحكام تقضي بالسجن مدى الحياة على ستة من المتهمين الثمانية عشر وهم: نفيس تشيشتي، وإقبال بهات، وسليم تشيشتي، وسيد جامير حسين، ونسيم (المعروف أيضا باسم طرزان)، وسهيل غني.
ولم يعترف المتهمون بالجريمة، وقال محاموهم إنهم سيطعنون في الحكم أمام محكمة عليا.
ولكن ماذا حدث للمتهمين الإثني عشر الباقين؟
حُكم على ثمانية منهم بالسجن المؤبد في عام 1998، ولكن محكمة أعلى حكمت ببراءة أربعة منهم، وخُفِّضت أحكام الآخرين إلى عشر سنوات.
ومن بين الأربعة المتبقين، توفي واحد منهم منتحرا، وحُكم على متهم آخر بالسجن المؤبد في عام 2007 ولكن برأته المحكمة بعد ست سنوات، كما أُدين آخر في قضية ثانوية ذات صلة وبرأته المحكمة بعد ذلك، ولا يزال أحد المتهمين هاربا.
وقال سانتوش غوبتا، صحفي كتب عن القضية ومَثَل كشاهد أمام المحكمة: “هل يمكنك حتى أن تسمي هذا (الحكم الصادر في 20 أغسطس/آب) عدالة؟ إن الحكم ليس عادلا”.
وأكدت الرأي نفسه ريبيكا جون، محامية المحكمة العليا، التي وصفت الحكم في القضية قائلة: “العدالة المتأخرة هي عدالة مرفوضة”.
وأضافت: “يشير ذلك إلى مشكلة تمتد إلى ما هو أبعد من النظام القانوني، إن مجتمعنا الذكوري فاسد، وما نحتاج إليه هو تغيير العقلية، ولكن إلى متى سيستغرق الأمر وقتا؟”
وقال محامي الادعاء، فيريندرا سينغ راثور، إن المتهمين استخدموا سلطتهم ونفوذهم لخداع وتهديد وإغواء ضحاياهم.
وأضاف أنهم التقطوا صورا ومقاطع فيديو فاضحة لضحاياهم واستخدموها لابتزازهم وإجبارهم على الصمت أو جلب المزيد من الضحايا.
وقال: “في إحدى الحالات، دعا المتهم رجلا يعرفه إلى حفلة ودفعه إلى شرب الخمر حتى ثمل، والتقط له صورا فاضحة وهدده بنشرها إذا لم يحضر صديقاته لهم. بهذه الطريقة استمروا في الإيقاع بالضحايا”.
كما تمتع المتهمون بعلاقات سياسية واجتماعية قوية، وكان بعضهم على صلة بمزار ديني إسلامي شهير في المدينة.
وقال غوبتا: “كانوا يتحركون على دراجات وفي سيارات داخل المدينة الصغيرة في ذلك الوقت. كان بعض الناس يخافون من هؤلاء الرجال، وأراد البعض التقرب منهم وأراد البعض أن يكونوا مثلهم”.
وأضاف أن نفوذهم وعلاقاتهم هي التي ساعدت في بقاء القضية طي الكتمان لعدة أشهر، ولكن كان هناك أشخاص، مثل العاملين في استوديو التصوير الذي كانوا يطبعون فيه الصور وحتى بعض رجال الشرطة، على علم بما كان يحدث.
في أحد الأيام، وصلت بعض الصور التي التقطها المتهمون إلى غوبتا، وكان لها تأثير مروع عليه.
وقال: “كان بعض أقوى رجال المدينة نفوذا يرتكبون أعمالا بشعة مع فتيات صغيرات بريئات، وتوفر الدليل على ذلك. ولكن لم يكن هناك رد فعل كبير من جانب الشرطة أو الجمهور”.
وكتب غوبتا تقارير بشأن الأمر، ولكن لم ينجح أي منها في كشف القضية واتساع نطاقها.
وقال إنه في يوم من الأيام “اتخذت الصحيفة التي يعمل بها قرارا جريئا”.
ونشرت صورة تظهر فتاة صغيرة عارية حتى الخصر، محاصرة بين رجلين يداعبان ثدييها، وكان أحد الرجلين يبتسم للكاميرا، ولم يكن هناك سوى وجه الفتاة غير واضح.
وأحدث التقرير صدمة كبير في المدينة، واستشاط الرأي العام غضبا، ونُظمت احتجاجات في المدينة استمرت عدة أيام، وانتشر الغضب في أنحاء راجاستان مثل النار المستعرة.
وقال راثور: “أخيرا، اتخذت الحكومة بعض الإجراءات الملموسة، وسجلت الشرطة قضية اغتصاب وابتزاز ضد المتهم، وأحيلت إلى إدارة التحقيقات الجنائية بالولاية”.
وأضاف أن محاكمة المتهمين استمرت مدة وصلت إلى 32 عاما بسبب عدة عوامل، من بينها الاعتقالات المتقطعة للمتهمين، وتكتيك التأخير من جانب فريق الدفاع، والمحاكمة غير الممولة بشكل كاف، والقضايا الأخرى داخل نظام القضاء.
وعندما وجهت الشرطة التهم في عام 1992، جرى استبعاد ستة من المتهمين، الذين أدانتهم المحكمة الأسبوع الماضي فقط، لأنهم كانوا هاربين.
ويعتقد راثور أن هذا كان خطأ، لأنه عندما وجهت الشرطة أخيرا اتهامات ضد الستة في عام 2002، كانوا لا يزالون هاربين، واعتُقل اثنان منهم في عام 2003، وآخر في عام 2005 واثنان آخران في عام 2012، بينما اعتُقل الأخير في عام 2018.
وفي كل مرة تعتقل الشرطة أحد المتهمين، تبدأ المحاكمة من جديد باستدعاء الدفاع للناجين والشهود الذين يحضرهم الادعاء للإدلاء بشهاداتهم.
وأضاف راثور: “بموجب القانون، يحق للمتهم أن يكون حاضرا في المحكمة عندما يدلي الشهود بشهاداتهم، ويحق للدفاع استجوابهم”.
ويضع ذلك الضحايا في موقف مروع حيث يؤدي ذلك إلى تذكيرهن بصدمتهن مرارا.
ويتذكر راثور كيف كانت الضحايا، اللاتي أصبحن الآن في سن الأربعينيات والخمسينيات من العمر، يصرخن في وجه القاضي، ويسألنه لماذا تستدعيهن المحكمة، بعد سنوات من اغتصابهن.
وبمرور الوقت وجدت الشرطة أيضا صعوبة في تعقب الشهود.
وقال راثور: “لم يرغب كثيرون في العودة إلى القضية لأن حياتهم مستمرة”.
وأضاف: “حتى الآن، هرب متهم، وإذا اعتقلته الشرطة أو إذا استأنف المتهم الآخر الحكم في محكمة أعلى، فسوف يجري استدعاء الضحايا والشهود للإدلاء بشهاداتهن مرة أخرى”.
وقالت سوشما، وهي واحدة من ثلاثة ضحايا لعبت شهادتهن دورا رئيسيا في إدانة المتهمين الستة، “لم أغير قصتي أبدا. كنت شابة وبريئة عندما فعل هؤلاء الرجال بي ما فعلوه. سرقوا مني كل شيء، فليس لدي الآن ما أخسره”.