حرية ـ (3/9/2024)
في عصرنا الحالي، نعتمد على أجهزة الكمبيوتر بشكل متزايد في حياتنا اليومية، لدرجة أنه قد يكون من الصعب تصور كيف يمكن لأمر شائع ومألوف أن يتسبب في أخطاء تكلف مئات الملايين أو حتى المليارات من الدولارات.
ولكن الواقع يثبت أن العيوب الأمنية الخطيرة تؤثر على كل جهاز تقريبًا على هذا الكوكب، بما في ذلك الجهاز الذي تقرأ عنه الآن.
في هذا السياق، سوف نطلعكم على بعض أعطال الكمبيوتر عبر التاريخ التي تسببت في إلحاق خسائر باهظة الثمن وكان بعضها مُميتاً.
مسبار مناخ المريخ ضمن أعطال الكمبيوتر التي أدت لكوارث تاريخية
في الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول عام 1998، أطلقت وكالة ناسا مسبار مناخ المريخ، وهو مسبار فضائي صغير كان يهدف إلى دراسة الغلاف الجوي للكوكب الأحمر وتقديم رؤى قيمة حول مناخ المريخ وأي تغييرات قد تطرأ على سطحه. كانت عملية الإطلاق سلسة ومخطط لها بدقة، حيث سافر المسبار نحو المريخ في رحلة تبدو خالية من المشاكل التقنية في البداية.
ومع ذلك، بينما كان كل شيء يبدو يسير كما هو مخطط له، اكتشف فريق التحكم في المهمة على الأرض في وقت لاحق أن هناك مشكلة خطيرة. فقد وُضِع المسبار على مسار غير صحيح من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على نجاح مهمته، وهو ما أدى إلى فشل المهمة في تحقيق أهدافها المرجوة وفقاً لما ذكرته الوكالة .
كان يتم توجيه مركبة مناخ المريخ بواسطة فرق متعددة من الأشخاص، حيث استخدم البعض وحدات قياس مترية، بينما اعتمد البعض الآخر على الوحدات الإمبراطورية. هذا التباين في وحدات القياس أدى إلى خطأ بسيط في عملية تحويل البيانات، وكان له تأثير كارثي على مهمة المركبة.
بسبب هذا الخطأ في التحويل وسوء تكوين أنظمة الكمبيوتر، تم إرسال المركبة إلى مسار غير دقيق. خلال محاولة تصحيح المسار، انتهى الأمر بالمركبة إلى الاقتراب من المريخ بشكل أقرب مما كان متوقعًا. نتيجة لهذا الاقتراب الخطير، ترجّح وكالة ناسا أن المركبة احترقت ودُمرت بعنف في الغلاف الجوي للكوكب الأحمر، ما حال دون تحقيق الأهداف العلمية للمهمة.
كان هذا الفشل بمثابة درس مهم في أهمية التناسق الدقيق بين فرق العمل وتوحيد معايير القياس، ليتجنب مثل هذه الأخطاء القاتلة في المهام الفضائية المستقبلية.
صاروخ أريان 5
يعدّ صاروخ أريان 5 من بين الصواريخ الفضائية الثقيلة التي طورتها 20 دولة أوروبية، بما في ذلك بلجيكا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة. تم تصميم هذا الصاروخ ليكون أكثر كفاءة وموثوقية وقوة، ولا يزال قيد الاستخدام حتى اليوم.
في 4 يونيو/حزيران 1996، أطلق الصاروخ لأول مرة في رحلة ملحمية متسارعًا نحو السماء. ومع ذلك، كان هذا التقدم في السرعة هو السبب وراء فشل المهمة.
تم استخدام أجهزة الكمبيوتر والبرامج القديمة التي كانت مخصصة لصاروخ أريان 4 لمراقبة السرعة والاتجاه على متن أريان 5، لكن السرعة الأكبر للصاروخ الجديد أدت إلى تعرض أجهزة الكمبيوتر لمشكلة تقنية خطيرة. نتيجةً لذلك، تجاوز الصاروخ حدود الأنظمة القديمة في 37 ثانية فقط، ما أدى إلى تحول مفاجئ إلى الأسفل تسبّب بدوره في تفكك كارثي وانفجار جوي دمّر الصاروخ وحمولته.
انهيار شركة نايت كابيتال
كانت شركة نايت كابيتال، التي يقع مقرها في الولايات المتحدة، واحدةً من الشركات الرائدة في شراء ومشاركة الأسهم بكميات ضخمة في سوق الأوراق المالية العالمية، بحصة تبلغ حوالي 17% في ناسداك.
ولكن في 1 أغسطس/ آب 2012، واجهت الشركة أزمةً مدمرة. عندما افتتح سوق الأوراق المالية في ذلك الصباح، بدأت أنظمة الكمبيوتر الآلية لشركة نايت كابيتال في شراء وبيع ملايين الأسهم بشكل عشوائي لمدة 45 دقيقة قبل أن يتم عزل الأنظمة وإيقافها.
كانت الخسائر هائلة، حيث اضطرت نايت كابيتال إلى بيع الأسهم بأسعار منخفضة، مما أدى إلى خسارة صافية تجاوزت 440 مليون دولار، أي ما يقرب من 10 ملايين دولار في الدقيقة وفقاً لتقرير موقع medium .
ويعود السبب الرئيسي وراء هذه الكارثة إلى تثبيت برنامج تداول جديد بشكل غير صحيح على أحد أجهزة الكمبيوتر بواسطة الفنيين، ما أدى إلى خلل زعزع استقرار سوق الأوراق المالية بالكامل لفترة قصيرة. في أعقاب هذه الكارثة، اضطرت نايت كابيتال إلى الاستحواذ من قبل شركة مالية أخرى حيث كانت تفتقر إلى الأموال اللازمة لمواصلة العمل، ما جعلها بحاجة إلى “الإنقاذ” من قبل شركات أخرى.
ستوكسنت أول سلاح إلكتروني
“ستوكسنت” هو الاسم الذي أُطلق على نوع من البرمجيات الخبيثة اكتُشف في عام 2010، ويُعتقد أنه تم تطويره بشكل مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل كأداة إلكترونية هجومية منذ عام 2005. يُعد ستوكسنت أول برمجية خبيثة معروفة تهدف إلى إحداث أضرار ملموسة في العالم الحقيقي، حيث استهدفت الأنظمة الميكانيكية بدلاً من البيانات فقط.
كانت الأهداف الرئيسية لستوكسنت هي المنشآت النووية الإيرانية، وبالتحديد المنشأة النووية في نطنز بحسب ما جاء في تقرير لموقع wired. نجح هذا البرنامج في التسلل إلى الأنظمة الحاسوبية في المنشأة والتلاعب بالآلات بطريقة تسببت في أضرار جسيمة. على الرغم من أن البرمجية الخبيثة كانت قادرة على التسلل عبر محرك أقراص USB بسيط وسهل الاكتشاف، إلا أنها تمكنت من إحداث تأثير كبير.
بين نوفمبر/تشرين الثاني 2009 وأواخر يناير/كانون الثاني 2010، يُقدَّر أن ستوكسنت قد ألحق الضرر بألف جهاز طرد مركزي نووي، أي ما يعادل 10% من العدد الإجمالي في المنشأة، عن طريق فرض تغييرات غير متوقعة في سرعة الدوران. أدى هذا التلاعب إلى تدمير فعال للجهاز وانخفاض بنسبة 30% في كفاءة التخصيب النووي الإيراني، وهو تأثير كبير أعاق بشكل ملحوظ تقدم البرنامج النووي الإيراني.
WannaCry.. هجوم عالمي ببرامج الفدية
في مايو/أيار 2017، تعرضت أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بنظام Windows لواحد من أكبر الهجمات الإلكترونية على الإطلاق، وهو هجوم WannaCry. كانت هذه البرمجية الخبيثة نوعًا من برامج الفدية التي تشفّر بيانات المستخدم وتجعلها غير قابلة للوصول، ثم تطلب فدية لفك تشفير البيانات وإعادتها.
استهدف WannaCry بشكل خاص أنظمة Windows القديمة مثل Windows XP، وانتشر إلى أكثر من 200,000 جهاز كمبيوتر في 150 دولة حول العالم. تطلبت الفدية ما بين 300 و600 دولار لكل جهاز كمبيوتر، وتمكن البعض من استعادة بياناتهم بعد دفع الفدية.
تأثرت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة بشكل خاص بالهجوم، حيث تضررت عشرات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر التي تتحكم في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي والمعدات الطبية الأخرى، ما أدى إلى تأجيل بعض الحالات غير الطارئة. وقدرت التكلفة الإجمالية للهجوم بحوالي 4 مليارات دولار أمريكي.