حرية ـ (8/9/2024)
بناءً على طلب بغداد، ينهي فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن جرائم تنظيم “داعش” الإرهابي (يونيتاد) مهمته ويغادر العراق في الـ17 من سبتمبر (أيلول) الجاري مع ترقب إعلان إنجازاته وإن أبدى أسفه على “سوء تفاهم” مع السلطات.
وأشادت آنا بييرو يوبيس رئيسة الفريق المكلف المساعدة على جعل التنظيم الإرهابي “يحاسب على جرائمه”، بتعاون السلطات العراقية في هذه المهمة، معتبرة أن عمل الفريق كان يمكن أن يستمر لو حدث تواصل أفضل بين الطرفين.
وقالت، “يمكن أن نقر علناً وبصورة أوضح أن العمل الجيد الذي تمكنا من إنجازه ما كان ممكناً لولا دعوتنا وذلك أمر فريد”، موضحة أن فريقها هو بعثة التحقيق الدولية الوحيدة التي وُجدت في البلد المكلفة التحقيق فيه. وأضافت، “لا يحدث أبداً أن تدعو دولة ما هيئة دولية للعمل على ملف خاص كهذا مثل التحقيق في جرائم (…). قلة هم من يمكن أن يفتحوا لنا أبوابهم بمثل هذا السخاء”.
مشاهد لا تنسى
في الـ10 من يونيو (حزيران) 2014، سيطر تنظيم “داعش” الإرهابي على الموصل في محافظة نينوى في شمال العراق. وأعلن منها بعد 19 يوماً إقامة ما سماها “دولة الخلافة” على مساحات واسعة من العراق وسوريا.
وأطل الزعيم السابق للتنظيم أبوبكر البغدادي للمرة الأولى من جامع النوري الكبير في الموصل، ليعلن نفسه “أميراً للمؤمنين”، في لحظة لا تزال محفورة في ذاكرة كثيرين.
وخلال أعوام بثوا فيها الرعب وحولوا حياة الناس إلى جحيم، نفذ عناصر التنظيم إعدامات بقطع الرأس وفرضوا عقوبات بقطع أصابع المدخنين أو أيدي السارقين وخطفوا نساء حولوهن إلى “سبايا” ودمروا كنائس وجوامع ومتاحف وأحرقوا الكتب والمخطوطات.
وبعد معارك عنيفة، استعاد الجيش العراقي، بدعم من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، الموصل معلناً في ديسمبر (كانون الأول) 2017 هزيمة التنظيم في العراق.
وكانت الحكومة العراقية طلبت من المجتمع الدولي في أغسطس 2017 المساعدة في ضمان محاسبة مقاتلي التنظيم الإرهابي. واستجابة لهذا الطلب، تبنى مجلس الأمن الدولي في سبتمبر 2017 بالإجماع القرار 2379 الذي شكل بموجبه فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب تنظيم “داعش” (يونيتاد).
رقمنة الوثائق
على مدى سبعة أعوام، أعد الفريق 19 تقريراً بعضها حول جرائم محددة كتلك المرتكبة بحق الشيعة والإيزيديين وفي سجن بادوش، وأخرى حول الهيكلية التراتبية للتنظيم.
وعمل الفريق الأممي كذلك على رقمنة ملايين الوثائق وتدريب مكونات النظام القضائي العراقي، إضافة إلى “التنقيب عن المقابر الجماعية”. وهنا قالت المسؤولة الأممية، “استخرجنا من 68 مقبرة رفات ألف ضحية تقريباً، تم التعرف على 200 منهم”.
عملاً بتفويضه، درس الفريق وثائق قدمها العراق إضافة إلى وثائق أخرى تضم شهادات جمعتها الأمم المتحدة ولم تنقلها إلى السلطات العراقية. وأوضحت يوبيس أن سبب ذلك هو أن “الأمم المتحدة لديها قواعد صارمة في شأن السرية واحترام الموافقة التي يعطيها الأشخاص الذين يدلون بشهاداتهم”.
ووجهت المحاكم الوطنية 18 لائحة اتهام أسفرت 15 منها عن إدانات معظمها في أوروبا، في قضايا بين ما استندت إليه وثائق أنجزها فريق “يونيتاد”. لكن حين “رأى العراقيون نتائج ملموسة في محكمات أجنبية، نشأ انطباع بأن (يونيتاد) يتعاون مع الدول الأجنبية أكثر مما يتعاون مع العراق”. وتتابع المسؤولة بأسف “كان من الممكن شرح كل شيء على نحو أفضل”. وتحدثت وسائل إعلام عراقية عن توتر بين الفريق الأممي والسلطات العراقية.
سر الأزمة
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023، قال مندوب عن العراق في اجتماع لمجلس الأمن الدولي “لم تتلق الحكومة العراقية أي دليل من يونيتاد يمكن استخدامه في الإجراءات الجنائية”.
وعلى رغم أن الفريق سيوقف أنشطته في العراق، سيواصل المتخصصون عملهم وفق المسؤولة التي تقول “لدينا معلومات موجودة في نيويورك يمكن الوصول إليها” لكن “إذا أرادت دولة ما الوصول إليها، فليس لدينا الإطار القانوني” لتسليمها إياها.
رجل يجلس بجوار نعوش تحتوي على رفات أشخاص من الأقلية الإيزيدية
وتشير إلى أن الملف مطروح على طاولة مجلس الأمن الدولي منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، مقرة بأن “ليس لدينا إجابة. إنها مسألة سياسية”.
وفي مارس (آذار) 2019، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها أكراد والمدعومة أميركياً دحر تنظيم “داعش” الإرهابي من آخر معاقل سيطرته في سوريا إثر معارك استمرت بضعة أشهر. ولم تعد “دولة الخلافة” قائمة، على رغم أن عدداً من فروع التنظيم لا تزال تبث الرعب في عدد من مناطق العالم بينها أفريقيا.
بذلك، ستكون العدالة بطيئة ولن تعمل على النحو الأمثل. ولا تزال في العراق مقابر جماعية وشهادات لم تسجل وجرائم لا تحصى لم يحاسب مرتكبوها. وسبق أن أكد فريق “يونيتاد” أنه يعمل في سبيل إجراء “محاكمات عادلة”.
لكن في العراق حيث أصدرت المحاكم مئات الأحكام بالإعدام أو السجن المؤبد في قضايا تتعلق بتنظيم “داعش”، انتقد ناشطون حقوقيون بغداد على خلفية محاكمات وصفت بأنها متسرعة واعترافات حصل عليها تحت التعذيب.