حرية ـ (15/9/2024)
حض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تقييد صادرات بعض السلع الاستراتيجية، رداً على العقوبات الغربية، وطلب خلال الاجتماع الأسبوعي لحكومته الأربعاء الماضي، من رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين طرح بعض الأفكار التي لا تضر بمصالح روسيا، خصوصاً أن خفض صادرات اليورانيوم والنيكل والتيتانيوم، والتي ذكرها بوتين صراحة، قد تؤدي إلى تراجع أرباح العملات الأجنبية لأكبر شركات روسيا بما في ذلك تكتل روستك الصناعي وروساتوم للطاقة النووية المملوكتين للدولة ونورنيكل، أكبر منتج للنيكل المكرر في العالم. وهذه الشركات مجتمعة توظف نحو مليون شخص، وسبق أن تأثرت عائداتها بالعقوبات.
وأشار زعيم الكرملين إلى أن روسيا لديها 22 في المئة من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم و23 في المئة من احتياطيات الذهب و55 في المئة من احتياطيات الماس.
وعملياً، اليورانيوم قد يكون السلعة الوحيدة التي تلحق القيود عليها ضرراً حقيقيا بالغرب، إذ تمثل صادرات روسيا 27 في المئة من اليورانيوم المخصب الذي تمّ توريده إلى المفاعلات النووية التجارية الأميركية العام الماضي. وفي حين حظرت الولايات المتحدة نظرياً استيراد الوقود من روسيا، فقد أقرت أيضاً إعفاءات حتى 2027.
هذه الخطوات سواء تمّ الأخذ بها، أم بقيت في إطار التهديد لا يمكن فصلها عن المساعي الروسية لوضع خطوط حمر أمام الغرب، بأن المسّ بالأراضي الروسية بشكل مباشر ستكون تداعياته عالمية، ويأتي ذلك في سياق ما ألمح إليه صراحة وزير الخارجية سيرغي لافروف، مطلع الشهر الجاري، من أن قرار بلاده مراجعة عقيدتها النووية “مرتبط بمسار التصعيد الذي ينتهجه خصوم روسيا في الغرب”.
كورسك وخطة الانتصار
التهديدات “الاستراتيجية” الاقتصادية والنووية، قابلتها تطورات ميدانية عسكرية “تقليدية”، فالأنباء الواردة من جبهة كورسك، تشير إلى تقدم القوات الروسية واستعادة السيطرة على عدد من البلدات من الجيش الأوكراني، بعد أن بدأت بشنّ هجوم مضاد، الأمر الذي أكده الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي.
وقال الميجر جنرال أبتي علاء الدينوف، الذي يقود “قوات أحمد” الخاصة الشيشانية التي تقاتل في كورسك، إن “الوضع جيد بالنسبة لنا” وأن القوات الروسية شنت هجوماً واستعادت السيطرة على نحو 10 مناطق سكنية. فيما ذكرت مدونة “ذا تو ماجورز” التي تتابع شؤون الحرب في أوكرانيا، أن العملية العسكرية الروسية أدت “إلى تقليص منطقة السيطرة الأوكرانية بالقرب من الحدود الرسمية”.
هذا التطور العسكري، يتزامن مع تقدم آخر داخل أوكرانيا في منطقة دونيتسك تمهيداً للوصول إلى مدينة بوكروفسك، التي تشكل نقطة استراتيجية ولوجستية مهمة لحركة القوات الأوكرانية في المنطقة سواء عبر سكك الحديدية أو الطرق البرية.
مقابل كل ذلك، ينتظر الرئيس الأوكراني عرض “خطة الانتصار” على حلفائه لاسيما الرئيس الأميركي جو بايدن، زاعماً أنها “قد تعزز قوة كييف، وسيكون لها تأثير نفسي قد يدفع روسيا إلى إنهاء حربها دبلوماسيا”.
حسم للجدل
آمال زيلينسكي العسكرية والدبلوماسية والمساعي الدولية لعقد مؤتمر للسلام ثان بحضور روسيا، بعد فشل الأول، يبدو أن الكرملين لم يضعها على رأس جدول أعماله، إذ إنه يترك كلمة الفصل في هذه المرحلة للميدان على ما يبدو. وحذّر الغرب من أن أيّ قرار يسمح لأوكرانيا بضرب روسيا بصواريخ غربية بعيدة المدى، قد يزيد ما وصفه بـ”التورط المباشر للولايات المتحدة وأوروبا في الحرب وسيؤدي إلى رد فعل من موسكو”.
وذهبت موسكو بموقفها هذا إلى حدّ قول رئيس مجلس النواب (الدوما) فياتشيسلاف فولودين، إن بلاده ستضطر إلى “استخدام أسلحة أشدّ قوة وتدميراً” ضد أوكرانيا إذا بدأت كييف في إطلاق صواريخ غربية بعيدة المدى على روسيا، موجهاً الاتهام إلى واشنطن ودول أوروبية بأنها “أصبحت أطرافاً في الحرب في أوكرانيا”.
وجاء التحذير بعد أن ضغطت الحكومة الأوكرانية للسماح لها بإطلاق صواريخ أتاكمز ATACMS الأميركية بعيدة المدى وصواريخ ستورم شادو البريطانية على أهداف في عمق روسيا.
وبعد أن تناقلت وسائل إعلام غربية، من بينها صحيفة “بوليتيكو” أن “البيت الأبيض يضع اللمسات الأخيرة على خطط لتوسيع نطاق الأهداف التي يمكن لأوكرانيا ضربها داخل روسيا”، أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي إنه “لا توجد تغييرات في رؤيتنا بشأن تزويد أوكرانيا بقدرات هجومية بعيدة المدى لاستخدامها داخل روسيا”، مشيراً إلى أنه لا يتوقع “أي إعلان كبير في هذا الصدد” من مناقشات بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
وقبل حسم الجدل في واشنطن، كانت موسكو قد صعدّت من لهجتها من داخل مجلس الأمن الدولي، وقالت على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا “إذا سمحت الدول الغربية لأوكرانيا بتنفيذ ضربات بعيدة المدى داخل روسيا فإن دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) ستكون في حرب مباشرة مع روسيا”.
وفي البيت الأبيض، وخلال لقائه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “لن ينتصر في الحرب على أوكرانيا”، دون أن يحدد كيف سيفعل ذلك.
ردّ مزدوج
أمام هذه المعطيات الميدانية والسياسية، ذهبت روسيا باتجاه تعزيز قوتها الدبلوماسية و”التحالفية” مع الصين “إذا واجهتا تهديداً من الولايات المتحدة”.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن “موسكو وبكين ستردان على الاحتواء المزدوج من الولايات المتحدة من خلال رد مزدوج مقابل”. وأضافت عند ظهور تهديدات صاروخية إضافية كبيرة للغاية، “سيذهب ردّ فعلهما لما هو أبعد من الصعيد السياسي، وهو شيء دأبت الدولتان على تأكيده”.
التصعيد الخطابي الروسيّ، يأتي توازياً مع توطيد الروابط مع بكين، على الرغم من العلاقات التاريخية المتقلبة والتنافس العالمي بينهما، إلّا أنهما وجدا نفسيهما أمام “تحالف الضرورة” واتفقا في أيار (مايو) الماضي على تمتين ما أسمياه “شراكتهما الشاملة وتعاونهما الاستراتيجي” لعصر جديد. والأسبوع الماضي وصف بوتين الدولتين بأنهما “حليفان بكل معنى للكلمة”، على الرغم من أنهما لم يعلنا عن تحالف عسكري رسمي.
في غمرة هذا كله، أقام “الحليفان” مناورات عسكرية مشتركة، تضمنت مناورات بحرية، بإشراف بوتين الذي حذّر الولايات المتحدة من محاولات “إخضاع روسيا ببناء قوة عسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ”.