حرية ـ (18/9/2024)
دانة العنزي
حرصت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في كل مناسبة إعلامية على إظهار دعمها التام لإسرائيل، خصوصصاً استمرار الدعم الأميركي العسكري لها وضمان تفوقها العسكري في المنطقة. وفي ردها على الاتهامات التي وجهها ترامب لها بكراهيتها لإسرائيل في المناظرة الأولى بينهما، قالت إنها طوال عملها السياسي كانت من أكبر الداعمين لإسرائيل.
والأهم من هذه التصريحات كانت حرب غزة الكاشفة تماماً لرسوخ الالتزام الأبدي بحماية أمن وبقاء إسرائيل. إذ رغم التوترات الكبيرة بين بايدن ونتنياهو أثناء الحرب؛ إلا أن بايدن وإدارته كانوا قاطعين في تصريحاتهم وأفعالهم بشأن دعمهم الثابت لإسرائيل والذي ظهر في شكل دعم عسكري واقتصادي واسع، وتأييد لعمليات إسرائيل الوحشية في غزة بزعم الدفاع عن نفسها والقضاء التام على حركة حماس الإرهابية (كما تصنفها واشنطن).
ومنذ نشأة الكيان الصهيوني في المنطقة، شهدت العلاقات الأميركية الإسرائيلية الكثير من التوترات بعضها كان حاداً. ومع ذلك، لم تحل هذه التوترات من استمرار الدعم التام. ونذكر هنا التوتر الكبير بين إسرائيل وإدارة أوباما على خلفية الاتفاق النووي الإيراني، لكن في ظل هذا التوتر عرقلت إدارة أوباما في مجلس الأمن عبر حق الفيتو كل القرارات المناهضة لإسرائيل، كما وافق أوباما على زيادة الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل.
وتتداخل عوامل كثيرة لتفسير هذه العلاقة الخاصة جداً بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإسرائيل ليست حليفاً تقليدياً لواشنطن مثل إنكلترا واليابان، بل تعد حقاً الولاية الأميركية رقم 51. وبالتالي؛ فالالتزام الأميركي بحمايتها ربما سيدوم لعقود مقبلة.
ويأتي في مقدمة هذه العوامل النفوذ الواسع المتغلغل الذي يتمتع به اليهود في الولايات المتحدة منذ زمن بعيد. والقضية هنا ليست في وجود اليهود في حد ذاته حيث يتجاوز عددهم الستة ملايين. بل في دعم نخبتهم أو الشخصيات النافذة منهم اقتصادياً وإعلامياً وسياسياً لدولة إسرائيل حتى في صورتها اليمينية الأكثر تطرفاً. فيهود الولايات المتحدة يتحكمون في مفاصل الاقتصاد الأميركي، وأهم وسائل الإعلام الأميركية. وبالتالي فهم قادرون على التحكم في السياسيين الأميركيين أو كسب ولائهم الذين يتلقون دعماً واسعاً من يهود أميركا، كما أنهم قادرون على تشكيل الرأي العام الأميركي بفضل وسائل الإعلام لصالح دعم إسرائيل. ومن الجدير بالإشارة هنا أن الدعم المالي ليهود أميركا يوزع بصورة متساوية بين الجمهوريين والديمقراطيين.
ومن العوامل الراسخة المهمة أيضاً هو الدعم الواسع الذي تتلقاه إسرائيل من الكنائس الإنجيلية الأميركية والتي ينتمي إليها أكثر من نصف الأميركان. ويأتي هذا الدعم الواسع على خلفية اعتقاد ديني يربط بين وجود دولة إسرائيل والمجيء الثاني للمسيح عليه السلام. والشاهد في الأمر هنا أن أكبر قادة تلك الكنائس لديهم نفوذ معنوي أو رمزي طاغٍ داخل الولايات المتحدة، بحيث يستطيعون توجيه الملايين من اتباعهم نحو مرشح معين أو سياسة معينة والعكس صحيح إذا كان ضد إسرائيل. ويذكر هنا الضغط الكبير الذي مارسوه على الإدارات الأميركية لدعم انفصال جنوب السودان.
والعامل الأخير والذي يمثل درع دفاع السلطة التنفيذية ضد معارضي الدعم المطلق لإسرائيل، يتمثل في المزايا الإستراتيجية الكبيرة التي تجنيها واشنطن من وجود إسرائيل في المنطقة. فإسرائيل تعد بمثابة قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، لاسيما وأنها قاعدة أبدية مضمونة عن غيرها. ووجود إسرائيل أيضاً يدعم بحسب تصورات واشنطن نشر الديمقراطية في المنطقة، والتوسع في رقعة التطبيع، وعرقلة التوسع الصيني الروسي في المنطقة. وفضلاً عن ذلك، تجني واشنطن أرباحاً اقتصادية تقدر بنحو 50 مليار سنوياً من علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، كما تدعم الأخيرة واشنطن بخبرات متطورة في المجال الزراعي والتكنولوجي وهما مجالين تبرع إسرائيل فيهما.
خلاصة القول، تجتمع عوامل كثيرة للغاية شديدة الحساسية والحيوية لكلا الطرفين، تجعل مسألة الدفاع الأميركي عن إسرائيل التزاما أبديا.