حرية ـ (18/9/2024)
تقدّر قيمة سوق الذكاء الإصطناعي بـ 200 مليار دولار، يشكّل الإعلام والدراما منه نسبة 5%، محمّلاً بمئات البرامج والتطبيقات التي دخلت بقوة شبكة الإنترنت والفن السابع، وخلال الفترة الأخيرة تمّ تخصيص مهرجانات ومنصات عالمية خاصة به.
في الإمارات، استقبل مهرجان “المرموم” أفلام الـ”إيه آي” بترحاب، في مسابقته الرسمية، ما يشرّع الباب واسعاً أمام التكنولوجيا المستقبلية سينمائياً.
سبق ذلك أن دخل الذكاء الإصطناعي في تشكيل وجه الرئيس السوري شكري القوتلي في مسلسل “تاج”، ولم تقف التغيّرات على ترميم الشخصيات من صور فوتوغرافية وتحويلها الى فيديو كما تفعل شركة صينية في مجال الذكاء الإصطناعي، وإنما وصلت إلى برامج توليد الفيديوهات التي جعلت دراما الـ”إيه آي” قطاراً سريعاً يخلق احتمالات قادمة ضمنها: تغيير الدراما بشكلها الكلاسيكي الذي نعرفه.
عن هذه القضية، علّق لوكا كوزين، المخرج الإيطالي، الحائز جائزة أفضل سينماتوغرافي، في مهرجان دبي 2008 للنهار العربي: “عندما وصلت الصورة قيل إن الرسم سيختفي، ولم يحدث ذلك! ومع اختراع الذكاء الإصطناعي سيُحدث تغييراً لا أقدر على التنبؤ به في الجانب البنيوي الاقتصادي في صناعة الأفلام، وسيتّجه نحو تحول كبير بكل الأحوال من وجهة نظر إنتاج المحتوى والفيلم وطرائقه الفنية، وأظن أن التغيير سيكون أقل تطرّفاً وصدمة، لأن الفيلم هو نتاج عملية جماعية إبداعية، هناك قائد يقود الفريق والاوركسترا. لنفترض أنه لم يبق سوى قائد الفرقة الموسيقية، فلن يتمكن من تأليف وإنتاج اوبرا سيمفونية بنفس الخصائص الفنية، إذا لم تغذها المقارنة البشرية بين العديد من الأشخاص المعنيين، لأنها مقارنة مباشرة مع متغيّرات لا حصر لها في المكان والزمان والإنسان على وجه التحديد؛ حيث يولد الانسجام الذي يثير أولئك الذين يتلقّون الرسالة”.
يضيف: “لقد استفاد جميع المخرجين العباقرة في الماضي دائماً من المتعاونين العظماء لإنشاء عمل فني مثل (فدريكو فيلليني – انغمار برغمان أو مبدعين مثل ليوناردو دافنشي، باخ وبيتهوفن)، لو كان لديهم الذكاء الإصطناعي إلى جانبهم لما كانوا أنتجوا نفس الجودة. الفن يحتاج إلى المقارنة والنمو والوقت البشري”.
مرحلة الموهوبين
لا يرى إياد الخزوز، المنتج الأردني وعراب مسلسل “عندما تشيخ الذئاب”، أن الذكاء الاصطناعي سينافس الدراما بشكلها المتعارف عليه كلاسيكياً؛ بل سيكملها لكنه “قد ينافسها في مرحلة من المراحل، فالأدوات تتغيّر، وكل يوم هناك أدوات جديدة حتى تمكن الناس من صناعة المحتوى، وستشكّل فارقاً مع المحترفين. مثلاً الكاتب سيتمكن من صنع نصه عبر “الإيه أي”، هذا ليس بالأمر البعيد، والمخرج الذي لا يجد تمويلاً يمكنه صنع دراما خاصة به من خلالها، أو تصبح جماعات العمل تتجمّع لتصنع محتواها بغض النظر عن الشركة والمحطات، أي سيطرة المنتجين والمحطات ستنتهي عاجلاً ام آجلاً، وبالتالي أصحاب المواهب سيكونون قادرين على عمل محتواهم بكل بساطة”!.
يضيف: “ميزة الذكاء الاصطناعي أنه تعلم آلي: الآلة تتعلم منك وتتطور، في المرحلة المقبلة ستكون هناك منافسة بين الحقيقي والاصطناعي، أعتقد أن الأخير سيكون أسهل! لذا المرحلة الآتية للموهوبين وليس للتجار”.
المبالغة تعادل الجهل!
عن هذا الموضوع أيضاً تحدث المخرج مصطفى برقاوي، الذي يقف خلف المؤثرات البصرية في إنتاجات عربية ضخمة كالـ “الهيبة”، “الزند”، “تاج” وغيرها. وانطلاقاً من تجربته المزدوجة في برامج في المؤثرات البصرية والذكاء الإصطناعي، قال برقاوي للنهار العربي: “المبالغة بقدرات الذكاء الاصطناعي تعادل الجهل به، علينا أن نسأل أين يخطو الذكاء الإصطناعي خطوات هائلة وأين لم يزل محدوداً حتى اللحظة؛ من نقاط قوته في الاعلام التفاعلي: توليد الصور، ومن هذه التطبيقات برامج ميدغورني وليوناردو ودالي ثري، الأول مدفوع بينما الباقية مجاّنية ويتحسن أدائها بالدفع، الميدغورني ثورة حقيقية اعتمدت عليه وقدّم خدمة في مشروع تجاري نفّذته على “كروما” وبمساعدة “الايه آي” تمّ إنشاء خلفيات دون عناء تصويرها، لكن في مجال توليد الفيديو لا يزال قيد التطوير، وعلى سبيل المثال: برنامج سورا، رغم القفزات النوعية التي حدثت فيه العام الماضي، عند توليد فيديو ثانٍ لا يحافظ على نفس الكاراكتير المطلوب والنمط نفسه في الفيديو الأول”، وينوّه إلى تحفّظ هوليوود على “الإيه آي” وسن قوانين تحدّ من انتشار تطبيقاته في قطاعات النصوص والتحرير الصوتي واستعمال وجوه الممثلين تحت طائلة الملاحقة القانونية”. يضيف: “لذا أقول إن قفزات الذكاء الإصطناعي لوغاريتيمية وليست خطية”.
عمد مصطفى برقاوي، بالتعاون مع مخرج المسلسل سامر برقاوي، على إعادة إحياء شخصية شكري القوتلي في “تاج”، الذي عرض على فضائية الـ”أم بي سي” ومنصة “شاهد”، بأن جمع صوره المتوفرة بالأبيض والأسود ذات الجودة المنخفضة ولقّنها للذكاء الإصطناعي للحصول على صورة ملونة بدقة عالية لوجه القوتلي ثلاثية الأبعاد. لكن في الصوت يقول برقاوي: “اخترنا صوت الممثل باسل حيدر لأنه أفضل في الإلقاء، ولأننا نصنع دراما وليس توثيقاً؛ بذلك استحضرنا وجه القوتلي بأداء ممثل محترف وتعابيره”!
وختم بالقول: “من يستعمل “الإيه آي” سينجز أكثر وبجودة أفضل ممن لا يستعمله مستقبلاً”.
في النتيجة، سوق الذكاء الإصطناعي ستبلغ قيمته عام 2030 تريليونات الدولارات، وسيحمل تغييراً حتمياً، ما يشرّع الباب لمختلف الفرضيات. وعن ذلك يقول المخرج الايطالي لوكا كوزين: “حتى ولو افترضنا أن القائد هو الذكاء الاصطناعي -وهذا سيحدث- لا أعتقد أنه يمكن الوصول إلى المستوى الفني الذي يميز الانسان. وفي النهاية البيانات المستخدمة وكل تلك المتاحة، هي جزء من حلقة مفرغة من شأنها أن تقتبس نفسها إلى ما لا نهاية؛ هذا ما لم يصبح الذكاء الإصطناعي واعياً وقادراً على الحب ولديه مشاعر وردود أفعال إنسانية! وفي تلك المرحلة لن يعود الإنسان ضرورياً للوجود في الكوكب، وسيُترك جانباً كما فعل “هول” عام 2001 في فيلم Space Odessy”!