حرية ـ (22/9/2024)
وكأنها تحصد مكافأة الاحتيال! آنا ديلفي سوركين خرجت من السجن مباشرة إلى منصات العروض والمسارح وشاشات المحطات التلفزيونية الكبرى، لتطل على الجماهير، باعتبارها نموذجاً عصرياً للشهرة والأناقة، لا أحد يعرف إن كانت مؤثرة أم رائدة أعمال أم مجرد وريثة مزيفة، فعلى مدى سبع سنوات مضت كان لا يسبق اسمها سوى لفظ “المحتالة”، وبعد أن دانتها المحكمة بالسرقة ومكثت خلف القضبان سنوات عدة، ها هي تعبر باب الفضيحة إلى النجومية مباشرة.
ربما هناك رغبة من آنا ديلفي في فتح صفحة جديدة، وربما هناك من يفتح لها الباب لتحصل على التسامح بعدما استولت على مئات آلاف الدولارات من دون وجه حق وبددتها على رفاهيتها المبالغ فيها، لكن هل الجميع مثل “آنا” الفتاة التي لم يرمش لها جفن وهي تسمع الاتهامات تكال إليها؟ ولم تبد أي تأثر بينما تصب عليها اللعنات باعتبارها كاذبة ولصة، بل كانت معتدة تماماً بنفسها وبذكائها وبخطتها التي كادت تنجح.
الحقيقة أن مشاهير في عوالم الفن والسياسة والمجتمع والرياضة جربوا قيود السجن، بسبب أزمات سلوكية أوصلتهم إلى ارتكاب جرائم وجنايات وفقاً لما وصلت إليه أحكام القضاء، ومنهم من فقد مسيرته المهنية وتعثر تماماً. غير أن هناك من جعل تلك الكبوة درساً حقيقياً وعبرة، وتجاوز تداعياتها بكل سلاسة وحنكة، وعبر منها إلى بوابة النجاح الواسعة، وكأن السجن كان بمثابة فرصة للوقوف مع النفس والاستعداد لانطلاقة أكثر قوة بعد إعادة ترتيب الأوراق وصياغة الحسابات من جديد.
رقص تحت الإقامة الجبرية
بحسب نمط تصريحات كثيرة لآنا ديلفي فهي فتاة عنيدة، بالتالي كان من المتوقع ألا تستسلم لهذه التجربة، إذ كانت حتى اللحظات الأخيرة تتمسك بموقفها، وتبدي اعتزازها بأفكارها وشخصيتها، كما أن المسلسل الذي قدمته “نتفليكس” عن حياتها “ابتكار آنا – Inventing Anna” بطولة جوليا غارنر قبل عامين، أضاء بشكل جيد على طبيعة شخصيتها القوية المثابرة على رغم أن فكرتها حول إنشاء مؤسسة فنية فارهة في قلب نيويورك بمواصفات خاصة كانت تعتمد في الأصل على انتحال الشخصية والسرقة والاحتيال والتضليل، لكنها بثقتها الكبيرة في مواهبها نجحت في إقناع كبار الشخصيات التي كانت تستهدفها من طبقة النخبة المخملية لمنحها تمويلاً.
كان من المفترض أن تمكث آنا التي تكشفت قصتها في 2017 لمدة أطول في السجن، لكنها خرجت لحسن السلوك في عام 2021، لترقص باعتبارها نجمة مع المؤثر عزرا سوسا، إذ لن تكون مجرد ضيفة في الموسم الـ33 من برنامج “الرقص مع النجوم ـ DWTS”، الذي يبث عبر قناة “abc” الأميركية، التي لم تأبه للانتقادات التي يطلقها المعلقون ليل نهار، وأبرزها أن المحطة تدير ظهرها لضحايا الاحتيال ومن فقدوا أموالهم بسبب آنا ديلفي، بل وفوق هذا تمنح المدانة بالسرقة هدية غير مشروطة بالظهور أمام جماهير عريضة في مقابل تصرفها السيئ.
يبدو أن هناك رغبة من المحتالة آنا ديلفي في فتح صفحة جديدة
ومثلما شاركت آنا ديلفي سوركين، التي يتابعها أكثر من مليون شخص على “إنستغرام” أخيراً في عروض أسبوع الموضة بنيويورك وهي ترتدي سوار إطلاق السراح المشروط، ترقص أيضاً على المسرح مع المتسابقين وهي ترتدي سوار الكاحل الأسود الشهير، بخاصة أنها تخضع للإقامة الجبرية في مانهاتن بنيويورك، كما أنه لم يكن من السهل عليها أن تسافر بشكل دوري لتصوير حلقات البرنامج في لوس أنجلوس، لكن إدارة الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة التابعة لوزارة الأمن الداخلي منحتها إذناً.
وكانت آنا ظهرت في فعاليات عدة تخص الموضة والفن أخيراً، وأصبحت وجهاً مألوفاً بالنسبة إلى المتابعين. لكن هذه المرة أكثر شهرة وجدلاً ومع كل ظهور لها تفتح الباب لأسئلة لا تنقطع تتعلق بكيف يمكن تجاهل تاريخها في النصب وإصرارها على سلامة موقفها على رغم أنها تمتعت بأموال غيرها معتمدة على قدراتها على كسب الثقة بسهولة؟
دموع الندم بداية الإصلاح
التهافت على التعاون مع آنا ديلفي (33 سنة) ومنحها فرصة مع الجمهور، لا يزال يحمل الأخذ والرد، لا سيما أنها لم تبد ندماً أو تراجعاً، وكل ما فعلته كان مع سبق الإصرار والترصد، لكن تاريخ مشاهير العالم مع الانتهاكات القانونية حافل، الفارق أن غالبيتهم يعترفون بأخطائهم ويبدون نية صادقة في عدم تكرار تلك الأفعال، وعوضاً عن ذلك يركزون على تنمية أنفسهم ومسيرتهم كذلك، ولعل من أبرزهم روبرت داوني جونيور الذي مكث في السجن ستة أشهر بعد إدانته بالتعاطي، إذ كانت حياته في فوضى كاملة. اللافت أن تجربة السجن كانت إصلاحاً وتهذيباً بالفعل مع داوني، وعلمته كيف يبني نفسه مجدداً، وتخلى عن عاداته السيئة، وأصبح في ما بعد رقماً صعباً في عالم السينما.
قادت المخدرات الفنانة المصرية دينا الشربيني إلى السجن عاماً لكنها عاودت التألق مجدداً
كذلك تبدو مسيرة مقدمة برامج الطهو الأشهر في العالم مارثا ستيورات، وكأنها لم تتأثر أبداً بفترة السجن، إذ دينت بالاحتيال المالي والغش في الأسهم عام 2003، وقضت خمسة أشهر محتجزة، وبعدها ظلت ترتدي سوار التتبع الإلكتروني أشهراً متتالية، وصرحت بأنها تعلمت من هذا الموقف كثيراً، وتتمنى أن تتشارك هذه الدروس الغالية مع الجمهور، إذ عادت بكل بساطة لاستئناف نشاطها في عالم الطبخ والإعلانات الدعائية المصاحبة له.
كذلك استأنفت الممثلة فيليسيتي هوفمان عملها بعد أن عاشت فترة عصيبة، إذ دخلت السجن إثر تقديمها رشى تقدر بـ15 ألف دولار من أجل تغيير نتيجة ابنتها في الاختبارات، لتتمكن من دخول الكلية التي تحلم بها، وأبدت هوفمان ندمها الشديد وعادت أكثر قوة وصلابة، إضافة إلى أسماء مثل باريس هيلتون وليندسي لوهان وجاستن بيبر وفيفتي سينت وميشيل رودريغز وكريس براون، إذ إنهم واجهوا سنوت صعبة في ما يتعلق بالانتهاكات القانونية، وأخذوا وقتاً حتى يعودوا للطريق السليم، ومن ثم تزدهر مسيرتهم الفنية، بخلاف آخرين كانت عقوبة السجن بمثابة حلقة في محور التدهور والتعثر، وبينهم المغني آر كيلي والممثلة أيمي لوكان ونجم الهيب هوب ماريون هيو “شوغ نايت”.
من السجن إلى ساحة النجومية
عربياً أيضاً هناك آخرون حصلوا على فرص جديدة بعد تجربة الحبس وبالفعل عملوا على تغيير أنفسهم للأفضل والظهور بالنسخة الأكثر توازناً من شخصياتهم، وبينهم الفنانة دينا الشربيني، التي قادتها المخدرات إلى السجن عاماً، إذ فوجئ الجمهور بنبأ القبض عليها عام 2013، وحينها كانت لا تزال في بداياتها وكان يتوقع لها مستقبلاً واعداً، وبعد أن قضت عقوبتها اعتقد بعضهم أنها خسرت فرصها للأبد، لكن المفاجأة أن دينا الشربيني لم تهتم بالرد على الآراء المسيئة والتنبوءات السلبية، لتتمكن خلال فترة قصيرة من أن تعوض ما فاتها، بل وتتفوق على ما قدمته سابقاً، وتصبح من نجمات الصف الأول، وتسند إليها بطولات مطلقة، ومثلها أيضاً تامر حسني وهيثم شاكر ورامي صبري، إذ ذاقوا مرارة السجن، بسبب تهربهم من أداء الخدمة العسكرية، لكنهم تجاوزوا الأزمة، ومن بين أشهر من دخلوا السجن وتمكنوا من مواصلة مشوارهم أيضاً ميريهان حسين وطارق النهري.
رغم دخول سعد لمجرد السجن أكثر من مرة فإنه يتمكن من الاندماج مجدداً في الوسط الفني
فيما لا يزال الفنان المغربي سعد لمجرد منذ ثماني سنوات يحاول إثبات براءته النهاية من تهم الاغتصاب المرفوعة ضده في باريس، لكن على رغم دخوله السجن أكثر من مرة، يتمكن من الاندماج مجدداً في الوسط الفني وتقديم أعماله الغنائية على رغم التيارات المعارضة، وحالة لمجرد أنها ظاهرياً تبدو نجاحاً في التأقلم على رغم العقبات، لكن الحقيقة أن مشروع نجوميته قبل هذه الأزمة كان يبدو أكثر ألقاً، إذ إن موهبته وخياراته الفنية كانت تؤهله لتحقيق مسيرة عابرة للحدود ورصيد فني وجماهيري أكبر مما حصل عليه.
وتبدو حالة لمجرد قريبة بحالة المغني الجزائري الشاب مامي، الذي كان اسمه ملء السمع والبصر، لكن في عام 2009 قضت محكمة فرنسية بسجنه بتهمة التسبب في وفاة صديقته بعدما أجهضها قسرياً، وعلى رغم تصريحاته المتوالية بأن التجربة لن تنال من مشواره الفني، وأن شعبيته لم تهتز إلا أنه على أرض الواقع لم يعد مطلوباً في الحفلات أو في التعاونات الغنائية مثلما كان في السابق. في حين لا تزال تقضي المطربة المغربية دنيا بطمة عقوبة السجن بتهمة الضلوع في قضية التشهير التي عرفت باسم “حمزة مون بيبي”، وهو حساب على الإنترنت تخصص في ابتزاز المشاهير وسبهم.
تجارب قاسية
من ضمن النماذج التي خسرت كثيراً أيضاً بعد هذا النوع من الأزمات الفنانة المصرية وفاء مكي، التي حققت خلال فترة التسعينيات نجومية ملاحظة وتمتعت بشعبية كبيرة، لكن بعد أن حكم عليها بالسجن 10 سنوات في القضية المعروفة بقضية تعذيب الخادمة في مطلع الألفية الثالثة، انتهت مسيرتها المهنية تقريباً، ولم تتمكن الفنانة من إعادة بناء مهنتها مجدداً على رغم المحاولات المتكررة.
اللافت أن الأمر لا يتعلق فقط بطول مدة العقوبة، فبعض المشاهير مكثوا أشهراً قليلة في السجن، لكنها كانت كفيلة بأن تترك آثاراً سلبية ومعوقة في مشوارهم، بينهم الفنان أحمد عزمي، الذي قبض عليه بتهمة حيازة المخدرات وخرج بعد ستة أشهر من الحبس، ومع ذلك أكد أن هذا الأمر، إضافة إلى ظروف أسرية أخرى، وضع بصمته السلبية على حياته، إذ بكى أكثر من مرة بسبب تدهور نجوميته، وهو الذي كان صاعداً بقوة، وكثير من النقاد اعتبروه امتداداً لمسيرة الفنان الكبير الراحل نور الشريف، نظراً إلى موهبته وتميز أدواره خلال العقد الأول من الألفية الثالثة.
وحالة عزمي تشبه الفنان الراحل حاتم ذو الفقار، الذي قضى عاماً في السجن وخرج نهاية الثمانينيات، لكن حينها كان أفل نجمه تماماً على رغم تمكنه من المشاركة بأعمال عدة بعد هذه المحنة، لكن كانت بمساحات قليلة، ولم يتمكن من العودة لبريقه القديم، وربما تبدو الفنانة الراحلة ماجدة الطيب أكثر قوة وقدرة على المواجهة، إذ دخلت السجن أكثر من مرة سواء بسبب المخدرات أم القتل الخطأ، لكنها تحدثت مراراً عن قسوة هذه الفترة، وأيضاً عن قدراتها على التغلب عليها ومتابعة عملها.