حرية ـ (26/9/2024)
ربما لم تزخر السير الذاتية لملوك وملكات فرنسا بتفاصيل مثيرة للشجون، كما زخرت سيرة ماري أنطوانيت، آخر ملكة لفرنسا، زوجة الملك لويس الساس عشر، الذي انتهى عهده بقيام الثورة الفرنسية عام 1789.
من هي تلك الطفلة غير فرنسية الأصل التي ستصل إلى قصر الحكم في فرنسا، الدولة الأوروبية الأشهر في نهايات القرن الثامن عشر، وكيف تحولت دفة حياتها من شعبية جارفة وسط الفرنسيين والفرنسيات، إلى كراهية مطلقة، أدت بها إلى المقصلة وهي في السابعة والثلاثين من عمرها؟
يكتب المؤرخون عنها أنها كانت سيدة رائعة الجمال مهووسة بالأزياء إلى درجة اعتبارها “فاشنيستا” تعد رمزاً للأناقة والرقي في عصرها.
غير أن شعورها بالغربة في البلاط الفرنسي، قادها حكماً إلى عدم الانسجام مع محيطها الجديد وتقاليده المتزمتة، ما جعلها تلقي بنفسها في دائرة الترفيه المجنون، الذي قادها إلى عالم المجون، ومن ثم الانفصام عن الواقع ما أطاح بسمعتها، وهو غالب الظن، الأمر الذي أدى بها وزوجها إلى أكبر مجزرة دموية عرفتها فرنسا في ذلك الزمان.
تبدو الحقائق في حياة ماري أنطوانيت، ملتبسة كثيراً مع الأساطير، ومن عينة ذلك، تقوّل البعض عليها بأنها صاحبة العبارة الشهيرة “فليأكلوا البسكويت”، رداً على ما أخبرها به البعض من أن الشعب “لا يجد الخبز”، وهي عبارة غالباً لم تتفوه بها.
من هي ماري أنطوانيت، ومن أين تبدأ هذه السردية الحزينة وإلى أين تنتهي؟
كانت ماري أنطوانيت رمزا للأناقة في عصرها (لوحة بريشة إليزابيث فيجي لوبورن، متحف فرساي، الموسوعة البريطانية)
نمسوية الأصل زوجة للملك
ولدت “ماريا أنطونيا جوزفين يوهانا” أو “ماري أنطوانيت”، عام 1755 في النمسا، وهي الابنة الصغرى للملكة “ماريا تيريزا”، ووالدها الإمبراطور فرانسوا الأول دوق اللورين.
يخبر المؤرخون عن ملامحها بأن وجهها كان معروفاً، يكاد يكون نحيلاً، عيناها صغيرتان تشبهان عيني الخنزير، وشفتاها غليظتان، كما لم يكن قوامها معتدلاً، حتى كانت وهي طفلة تلف وتعصب حتى يعتدل ما اعوج من قوامها.
ولعل التساؤل الأول الذي سيحدد مسار ومصير حياة هذه الطفلة النمسوية البريئة، كيف تم زواجها من الملك لويس السادس عشر؟
تبدو هناك قصة مصالح سياسية وراء المشهد، ففي ذلك الوقت كانت الحرب محتدمة بين فرنسا والنمسا، في هذه الأجواء كانت الطفلة ماري أنطوانيت تعيش أوضاعاً نفسية قلقة فعلى رغم تميزها من صغرها بالجمال والنعومة، إلا أن طبعها اتسم بالعناد والإصرار، وبينما نالت من مربيتها كل ما ترغب به، كانت تخشى والدتها المعروفة بشدتها وحزمها، وكانت تميل إلى والدها الذي أحدثت وفاته أثراً عميقاً في نفسها وهي في سن العاشرة من عمرها.
لما بلغت ماري سن الثانية عشرة، لم تكن تحسن القراءة ولا تتحدث الفرنسية ولا الألمانية بشكل سليم، بينما كانت تتقن اللغة الإيطالية.
كانت الحرب قائمة بين النمسا وفرنسا، ومن هنا تفتق ذهن السيد “إتيان فرانسوا”، دوق دي شوازول، وكاتب الدولة في الشؤون الخارجية، الذي كان يعد واحداً من المهندسين الرئيسين للعلاقات الفرنسية النمسوية، عن فكرة تزويج الملك لويس السادس عشر، في عمر الخامسة عشره، من ماري أنطوانيت وهي في الرابعة عشرة، حتى يتم إنهاء الحرب وبداية علاقات جديدة بين بلديهما.
جرى الاحتفال بعقد قران لويس وماري في 16 مايو (أيار) 1770 في قصر فرساي بكنيسة لويس الرابع عشر، وهكذا غدت الأميرة النمسوية وريثة العرش الفرنسي، أثار هذا الزواج بعض التردد والممانعة وسط الرأي العام الفرنسي الذي ظل محتفظاً في ذاكرته بذكريات سيئة عن الصراعات الطويلة مع النمسا.
كانت مرحلة جديدة من حياة الأميرة الصغيرة تبدأ على أرض فرنسا، وقد كان المطلوب منها بحسب البروتوكولات الملكية أن تنزع عنها كل المنسوجات النمسوية ولا يسمح لها إلا بارتداء الأزياء الفرنسية، وغالب الظن كان المطلوب منها أن تنسلخ عن كل ما هو نمسوي لصالح حياة فرنسية جديدة، ما تسبب لها غالب الظن بحالة نفسية واضطراب كبيرين في بدايات حياتها الفرنسية.
ملكة فرنسا مع أطفالها
بين زوج مهمل وتقاليد ملكية صارمة
هل كان هذا الزواج بمثابة كارثة حطت على رأس ماري الصبية الصغيرة، سيما أنها وجدت نفسها في عالم مغاير عما ألفته من قبل؟
المؤكد أن ماري عانت في بدايات حياتها من إهمال زوجها لها وصرامة التقاليد الملكية الفرنسية، كما قاست من رسميات لم تألفها في بلدها، التي تناقضت مع طبيعتها التي تميل إلى اللهو.
كانت شكليات البروتوكول قد حرمتها من بضع سنين حقيقية من حياة الطفولة، فكل ما كانت تشتهيه متناقض مع وضعها كزوجة للملك، لذلك عانت صعوبات في التأقلم مع الطقوس والعادات الفرنسية.
حين تزوجت ماري أنطوانيت، لم يكن لويس السادس عشر قد أضحى بعد ملكاً، بل ولياً للعهد.
لم يكن عهد سلفه لويس الخامس عشر عهداً مريحاً لفرنسا والفرنسيين، ولذلك خلف خبر وفاته ارتياحاً كبيراً في صفوف الفرنسيين، وفي الوقت عينه بدا وكأنهم قد عقدوا آمالاً كبيرة على الملكين ماري وزوجها، أملاً في تحسن أحوال الحياة ونوعية المعيشة.
ربما وجدت ماري أنطوانيت طريقاً للهرب من الرسميات عبر نوافذ فرعية منها الاهتمام الفائق بالموضة والأزياء، عطفاً على تمردها على التنبيهات والنصائح بالاعتدال.
أبعدت ماري مربيتها الصارمة الكونتيسة “دي نويل”، ولم تتردد ذات مرة في عزل وزراء فرنسيين كانوا وراء قرارات تخفيض نفقاتها.
حين تزوج ولي العهد لويس السادس عشر من ماري أنطوانيت، أمرهما الملك لويس الخامس عشر، بأن يأخذا نفسيهما بالوقار، لكن ماري لم تكن لها هذه النفس التي تعرف معنى الوقار، وتتخذ سمت الملوك، فسارت سيرة النزق والطيش في القصر، وبلغت أخبار سيرتها إلى والدتها، فأرسلت إلى السفير النمسوي تقول له، “أخبرها أنها ستفقد عرشها، وقد تفقد حياتها أيضاً، إذا لم تصطنع التبصر والتقية”.
لكن النصائح لم تكن تجدي في ماري أنطوانيت، وربما كان لها وقع لو أن زوجها كان على شيء من “الخُلق العظيم”، ولكنه هو الآخر لم يكن أهلاً لأن يكون ملكاً، فقد كان غبياً، لا يهتم إلا لشيئين في العالم، وهما الصيد والحدادة، فإذا لم يكن في الحقول والغابات، يقفو أثر طير أو ثعلب، كان أكثر ما يكون في دكان حدادة أقامها لنفسه، يقضي وقته بين الكير والسندان، يصنع قفلاً أو نعلاً أو مسماراً، فإذا خرج من دكانه وقد كساه نواس الدخان، لقي زوجته وهي في ملابسها الهفهافة، وقد علاها زبد من النسيج المحزم وعبق حولها أريج العطور.
وقد يكون في هذا الاختلاف بينهما في المزاج، ما يخفف من تبعة ماري أنطوانيت، فقد كانت تحب اللهو بمقدار ما كان هو يحب الصيد وصنع الأقفال.
ماري أنطوانيت اعتذرت للجلاد قبل إعدامها لأنها داست على قدمه بالخطأ
“فاشنيستا” أوروبية أم ملكة فرنسية؟
يعد الكاتب والمؤرخ النمسوي “ستيفان زيفايغ”، أحد أفضل الذين كتبوا سيرة ماري أنطوانيت، التي بدت في لحظة زمنية بعينها، أقرب ما تكون لعارضة أزياء “فاشينستا” أوروبية، منها إلى كونها ملكة فرنسية تحمل العرش مع زوجها.
عاشت ملكة فرنسا الشابة في ترفيه ورفاهية مطلقين، وكانت محل إعجاب النساء والرجال في عصرها، والجميع كان يقلد ذوقها في الملابس أو في تسريحات الشعر، وتحولت رويداً رويداً، إلى مؤثرة سياسية في عالم الموضة الفرنسية.
كان لماري أنطوانيت دور مهم في عصرها باعتبارها رمزاً للجمال والأناقة والرقي وممثلة للحضارة النمسوية الراقية، كما كانت محل إعجاب معاصريها وتعد من أجمل نساء أوروبا في القرن الثامن عشر.
عام 1774 تعرفت الملكة إلى مصممة وتاجرة أزياء مبدعة، تدعى “روز برتين” وعينتها مسؤولة عن إطلالتها، كان هذا اللقاء بداية أعوام طويلة من الإسراف والإفراط، وخصوصاً في مجال الشعر، إذ لم تصل تسريحات الشعر إلى هذا المستوى من المبالغة إلا في عهد ماري أنطوانيت.
كان لماري أنطوانيت مصصم شعر خاص يسمى “ليوناردو أوتييه”، وقد كان بدوره وبالاً على فرنسا والفرنسيين، فقد كانت باروكة الشعر التي يصنعها لماري أنطوانيت، تتكلف نحو 50 ألفاً من العملة الفرنسية في ذلك الوقت، أي ما يعادل 65 ألف يورو اليوم.
لم يتردد ليوناردو هذا في اختراع تسريحة بعنوان الحديقة، بحيث حول رأس السيدة إلى حديقة فعلية وضع فيها الشمندر والجزر، وأضافت الملكة أزهار ثمرة البطاطا وأوراقها، وذلك تماشياً مع سياسة الملك لويس السادس عشر، الذي كان يحاول إقناع الفرنسيين بتناول البطاطا التي كانوا يعتبرونها في ذلك الوقت نوعاً من أنواع السموم.
يذكر “ويل شور” في كتابه “رأس ماري أنطوانيت”، أن مصفف الشعر الملكي صار من خاصة الملكة المقربين منها، بينما كان يصفف شعرها الذي اعتادت رفعه في الهواء أربعة اقدام تقريبا، ويزينه بالريش والحلي، بل زينه ذات مرة بنموذج لسفينة حربية فرنسية.
يعن للقارئ أن يتساءل، ألم يخطر على بال ماري أنطوانيت أن تلعب أي دور سياسي في مسار القصر وزوجها الملك؟
مشهد الإعدام بعد سقوط الباستيل
ملكة من غير أي تقدير سياسي
هل فكرت ماري أنطوانيت يوماً أن تلعب دوراً سياسياً على صعيد الأمة الفرنسية التي كانت محتقنة إلى أبعد حد ومد في ذلك الوقت؟
المؤكد أنه يوماً تلو الآخر كانت سمعتها تسوء وشعبيتها تتدنى بسبب جشع محيطها من عائلة النبلاء الـ”بولينياك” الذين كانت تقضي معظم وقتها معهم داخل صالونها الواقع وراء شقتها، التي عملت على تمديدها إلى الدور العلوي، أو داخل الجناح الأصغر الذي أهداه لها زوجها بعد تتويجه ملكاً.
والشاهد أنه فيما كانت ماري أنطوانيت تغير في مباني إقامتها، وتشيد الحداق وسط المباني الأنيقة، وتبني مسرحاً، عطفاً على بناء ريف مصغر امتداداً للقصر محاولة أن تجد فيه ما عاشته في طفولتها من بساطة ولهو، كان الشعب الفرنسي يعاني من الفقر والحاجة، والدولة لا هم لها سوى زيادة الضرائب.
لم تكن والدتها الملكة النمسوية ليغيب عن عينيها ما يجري، ولهذا فإنه تحت تأثير والدتها، سعت ماري أنطوانيت في أن يكون لها دور سياسي، غير أنها لم تحظ بأي تقدير داخل أوساط البلاط، وكانت عمة الملك لويس السادس عشر، المدعوة “أديلاند”، تلقب ماري باحتقار وازدراء بـ”النمسوية”، وطبعت ووزعت منشورات تتهمها بالخيانة الزوجية والتبذير والتهور، كما أطلقت عليها لقب “سيدة العجز الاقتصادي”.
عاشت ماري هدفاً للتشهير في رسوم الكاريكاتير التي تضاعفت عام 1785، مع اندلاع قضية القلادة الماسية الباهظة الثمن، التي حصل عليها لص متنكر بهيئة الملكة وهربها إلى لندن، وعلى رغم براءة الملكة فإن الإشاعة أثرت كثيراً في سمعتها.
أصبحت نفقات ماري أنطوانيت موضوع مراقبة لصيقة ووثيقة من عديد من الدوائر المحيطة بالملك، وظلت جميع محاولاتها لاستعادة تأييد الرأي العام تبوء بالفشل الذريع، وتحولت إلى محل كراهية صريحة من الجميع، كما باتت رمزاً لاستهتار الملكية الفرنسية وإفراطها.
هل كانت حياة ماري أنطوانيت العاطفية الخاصة سبباً مراكماً للأسباب التي أدت إلى تفجر الثورة الفرنسية؟
الملك لويس السادس عشر على منصة الإعدام
في العلاقة مع الكونت فون فيرسن
بعد وفاة الملك لويس الخامس عشر، بدا القصر الملكي الفرنسي في عهد لويس السادس عشر وماري أنطوانيت، متحللاً من كافة الأخلاقيات، وبدا أنه ما من أحد قادر على وقف جماح الملكة وتهورها وسعيها وراء رغباتها على مختلف الأشكال والأنواع.
في تلك الأثناء زار شريف سويدي البلاط الفرنسي، وكان وسيماً ذا طلعة بهية نبيلة، يدعى الكونت “إكسل فون فرزن”، وقد كان شاباً صافي السريرة، ورأى الملكة فتعلق قلبه بها، وإن كتم هواه، فلم يكن يبدو للملكة منه سوى العطف الخفي والإشارة المختلسة، والإيماء الكاسي بالوقار.
كانت ماري أنطوانيت قد عرفت جملة محبين، ولكنهم كانوا يستغلون حبها لمصلحتهم، أما فرزن فلم يكن يبغي من الحب سوى الحب، فأكبرت الملكة هذه العاطفة الشريفة فيه، وكان قلبها في ظمأ إلى الحب الصحيح الدائم، تركن إليه في وسط هذه الشهوات الجامحة الزائلة، فلما أيقنت بحبه لها استجابت له ولبت رغبته فيها، وتبادلا كؤوس الغرام.
ولم يمض قليل حتى أعلن أن الملكة قد حملت، وأنها على وشك الوضع، فكثرت تقولات الناس وتأولاتهم، وصار الهمس الخافت صوتاً جهيراً، لأن حرمة الملوكية كانت قد زالت من النفوس وتهيأت الأمة للوثوب على العرش.
في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 أظهرت دراسة نشرتها مجلة علمية أميركية أن تفكيك رموز الرسائل الغرامية التي تبادلتها سراً الملكة الفرنسية مع فرزن، لم يكشف سوى جزء من الأسرار فيها، فيما لا يزال يتعين كشف ألغاز كثيرة أخرى.
ورأت الدراسة أن محتوى هذه الرسائل “الحساس” الذي قد يكون “أسرار دولة”، أو مخططات للهروب، أو دلائل على علاقة حب ملكية، حير المؤرخين لقرابة 150 عاماً، كما كشفت معلومات حول محاولة فون فرزن المساعدة في وضع مخطط لتهريب العائلة الملكية من فرنسا، ولكنه باء بالفشل.
هل كانت هذه العلاقة ضمن كثير من سيرة ماري أنطوانيت المتقدمة من أهم الأسباب التي قادت إلى نشوب الثورة الفرنسية؟
النمسوية التي قادتها الأقدار ووضعتها على عرش فرنسا وإعدمت بسببه
ثورة الباستيل والطريق إلى المقصلة
بدت سنوات لويس السادس عشر، ضرباً من ضروب الانهيار في تاريخ الملكية الفرنسية، فقد أخذ الشعب على ملكه كثيراً من المآخذ، وفي مقدمها إهمال أحوال الرعية، والاهتمام بحياة مرفهة في حين كان عامة الشعب يعانون من شظف العيش.
زد على ذلك أن الشعب الفرنسي كان قد بلغ مبلغاً كبيراً من الغضب من الملكة ماري أنطوانيت، ووصلت الاتهامات إلى الخيانة والتواصل مع العدو الذي هو النمسا عينها موطن الملكة الأصلي.
كانت الجماهير الغاضية قد طعنت في أخلاقيات الملكة، وفي مسار تربية أولادها، وقد تكون مسألة قدها الألماسي الذي بلغت قيمته وقتها مليوني ليرة فرنسية، أي ما يزيد على 16 مليون دولار في يومنا هذا، مسألة أساسية في انقلاب الشعب ضدها، على رغم براءتها من المسألة برمتها.
يتساءل كثير من المؤرخين: هل كانت ماري أنطوانيت سبباً مباشراً في اندلاع هذه الثورة؟
قامت الثورة الفرنسية ضد العائلة الملكية، بخاصة ضد الملكة ماري أنطوانيت، وهو أمر تؤكده الأخبار التاريخية، حتى إن الرئيس الأميركي الثالث، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة والكاتب الرئيس لإعلان الاستقلال، “توماس جيفرسون”، كتب في مذكراته يقول، “لدي اعتقاد عميق بأنه لولا الملكة ماري أنطوانيت، لما قامت ثورة فرنسية يوماً”، وذلك في إشارة منه إلى دور هذه الملكة في قيام الشعب على الظلم والفقر واستبداد طبقة النبلاء والإقطاعيين، فهي لم تكن محبوبة وكان الشعب ينظر إلى بذخها ونمط حياتها نظرة غضب، فجاءت الثورة الفرنسية وأطاحت بالجميع.
بعد محاكمة سريعة، كانت فيها الأحكام جاهزة قبل أن تنعقد، حكم على لويس السادس عشر بالإعدام، وذلك في يناير (كانون الثاني) 1793، ونفذ الحكم عليه بالمقصلة في مشهد دموي، سوف يتكرر عشرات آلاف المرات وسط ميدان الباستيل، الذي صار رمزاً للثورة الفرنسية في ما بعد.
ترك الملك زوجته غارقة في الحزن، مسجونة مع أخت زوجها إليزابيث، وطفليها الأميرة ماري تيريز ذات الأربع عشرة سنة، ولويس تشارلز وعمره ثمان سنوات.
حاول الكونت فرزن تدبير محاولة لفرار عشيقته ماري أنطوانيت من فرنسا إلى النمسا، وقد كادت المحاولة تنجح بالفعل، غير أن أحد الجنود الفرنسيين على الحدود تبين شخصية الملكة، ما أبطل مساعي الهرب وتم القبض على الجميع وإعادتهم إلى باريس.
بدأت محاكمة ماري أنطوانيت في 14 أكتوبر 1793، وقد ظهرت شاحبة مريضة، وفي صباح 16 أكتوبر وجدت مذنبة بثلاث تهم رئيسة وجهت إليها، وهي التآمر مع قوى خارجية، واستنزاف خزينة الدولة، وارتكاب الخيانة العظمى بالعمل ضد أمن دولة فرنسا.
طالب الادعاء بعقوبة الإعدام وقوبل طلبه بالإيجاب.
صباح يوم تنفيذ الحكم، كانت ترتدي فستاناً أبيض عادياً، وكان شعرها مقصوصاً، ويداها مقيدتان، لتؤخذ من ثم في عربة مفتوحة في الحادية عشرة صباحاً محرومة من تكريم العربة المغلقة، الذي منح لزوجها من قبل.
عندما وصلت إلى المقصلة في ميدان الثورة، استجمعت ما بقي من كبريائها وصعدت الدرج، وقد اعتذرت للجلاد لأنها داست على قدمه بالخطأ.
في الثانية عشرة بالتمام هوت المقصلة على رقبتها، وسط هتافات الجماهير، وقد كانت تلك بداية عشرة أشهر من الدماء التي سالت في عموم فرنسا.
هل هناك من شوه صورة ماري أنطوانيت؟
حديثاً تساءل كثير من الباحثين، هل كانت ماري أنطوانيت مذنبة بهذا القدر الذي تم به ترويج صورتها، أم أن هناك من شوه تاريخها من المنتصرين؟
على سبيل المثال لا الحصر، لم يثبت قط أن ماري أنطوانيت هي من قالت إن على الشعب أن “يأكل البريوش” (الكعك الفرنسي) طالما أنهم لم يجدوا الخبز، وقد اكتشف لاحقاً أنها إحدى عبارات المفكر الفرنسي الشهير، جان جاك روسو، ولا علاقة لها بالملكة المغدورة.
ومن الاتهامات التي يبدو أنها من نتاج أعمال الثوار، دفعهم ابنها لويس تشارلز للشهادة ضد أمه في محكمة الـ 48 ساعة، أن أمه اعتدت عليه جنسياً.
وضع جسدها في نعش، وألقي في مقبرة للعامة خلف كنيسة المادلين الشهيرة في قلب باريس، وقد وضعت في قبر بلا شاهد، إلى أن كان عام 1815، بعد استعادة آل بوربون والملك لويس الثامن عشر للعرش، أمر الملك باستخراج رفات أخيه لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت ودفنهما بما يليق إلى جانب أعضاء العائلة المالكة الفرنسية داخل كاتدرائية سان دوني.