حرية ـ (26/9/2024)
طارق علي
مع مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الجاري راجعت سيدة تبلغ من العمر نحو 30 سنة رفقة أمها وأختها الكبرى إحدى طبيبات الأطفال في العاصمة دمشق، وكانت تلك الأم تحمل في حرجها طفلة لا يتجاوز عمرها ست سنوات، وحين جاء موعدها ونادت عليها موظفة الاستقبال للدخول طلبت الاستمهال حتى آخر موعد، متذرعة بأنها تحتاج الطبيبة بموضوع يطول شرحه ويحتاج إلى وقت طويل.
بالفعل ظلت الأم ومن معها منتظرات قرابة ساعتين ونصف الساعة حتى قدوم الموعد الأخير في العيادة وكانت قد قاربت الثامنة والنصف مساء، وما إن دخلت غرفة الطبيبة حتى انهارت بالبكاء. وحاولت الطبيبة تهدئتها بأية صورة لفهم نوعية الشكوى الطبية التي تستدعي كل هذا الانهيار.
حكاية الصغيرة المتألمة
الطبيبة هي نورهان عصمة المتخصصة في طب الأطفال وهي التي تولت شرح ما حصل في ذلك اليوم داخل عيادتها، فما إن نجحت في تهدئة الوضع كانت الصدمة كما تصف، فالشكاية ليست مرضية إنما تتعلق باتهام الوالدة لوالد الطفلة الصغيرة بالاعتداء الجنسي عليها.
تقول الطبيبة بحسب رواية الأم حينها إن شكوكها – أي الأم – لم تكن وليدة لحظة ولم تكن مجرد شكوك، بل كانت أقرب إلى أمر مؤكد تناوبت عليه الأحداث والظروف وتتالت حتى جعلت قلب الأم قلقاً يستشعر الخطر منذ عام كامل مضى، العام الذي انفصل فيه الزوجان عن فراش الزوجية وصار لا ينام إلا وابنته في حجره بأوضاع كان لا يمكن التشكيك فيها وفق الصورة الاعتيادية بين أب “طبيعي” وطفلة صغيرة، صغيرة للغاية.
آلاف القصص التي تنتهي في المحاكم العائلية لا الجنائية
كانت السيدة التي سنستخدم لها اسماً مستعاراً وهو ريم تتعرض لشتى صنوف وأنواع التعذيب والتعنيف الجسدي والنفسي، وكانت نقطة التحول الجذرية حين عثرت داخل جهاز زوجها اللوحي في سجل البحث وبين الملفات المحفوظة مقاطع إباحية كلها تتعلق بالتعدي والتحرش والممارسة الفاضحة مع الأطفال، وهذا ما جعل الشك المتنامي يصير يقيناً.
ريم قررت مواجهة زوجها بما رأته فجاءها الرد لكمات غيرت من شكل وجهها رفقة رضوض في الأضلاع والعضلات وتورم في إحدى العينين وآثار خنق غير قاتلة، لم تشأ بعد كل ذلك أن تقصد الشرطة ولذلك مبررات بالجملة تتعلق بالعائلات المحافظة وسلوكها في سوريا، وفي الوقت ذاته عدم مبالاتها بما حل بها مقابل اكتشاف أي أمر قد يحل بصغيرتها.
لم تجد ريم وسيلة تتصرف بها سوى إبلاغ أمها في الأقل متفقتين على خطة لاكتشاف الحقيقة، والحقيقة لم تكن لتظهر لولا رواية الطفلة وأخيها الصغير أيضاً. الأم سألت الطفلة “ماذا يفعل بابا حين تنامين في حضنه؟”. فقدمت الطفلة بفطرتها البدائية الأولى أجوبة بريئة وصاعقة.
الطلاق… أو إعلان الحرب
ريم التي وسعت دائرة العارفين بالقصة من عائلتها لم تجد سبيلاً للطلاق وهم الذين دعموها، فالزوج اشترط بقاء الطفلين لديه وعلى رغم فقر عائلتها لكنهم تمكنوا من توكيل محام للمرافعة في القضية واستمرت قصة الطلاق في المحاكم عامين وثلاثة أشهر، ويحصل هذا كثيراً في المحاكم الشرعية إذ إن ثمة ألف طريقة لتعقيد إتمام الإجراءات إذا ما تعنت طرف ما.
الضربة القاضية هذه المرة جاءت من القاضي الشرعي الذي أغفل معظم رواية الأم ومحاميها وأمر بإتمام الطلاق على أن ينام الطفلان في العطلة الأسبوعية لدى والدهما، وهو ما أعاد المشكلة إلى نقطة الصفر، بحسب ما ترويه الطبيبة.
تكمل الطبيبة نورهان رواية الأم “ذات مرة بعد عودة الطفلين من زيارة والدهما الأسبوعية ونومهما لديه، كانت الطفلة تعاني حساسية وحكة شديدة وألماً في المناطق الحساسة وتبكي وتتأوه من دون توقف، وهو ما أثار شكوك الأم من أن ما حصل هذه المرة قد أكبر من كل مرة، وهنا قررت زيارتي واللجوء إليَّ علِّي أستطيع مساعدتها بعد أن صارت الدنيا أمامها سوداء، وهي التي سمعت عني مسبقاً حيال تعاملي مع قضايا التحرش وإثباتها طبياً، وبخاصة أن الطفلة هذه المرة تحدثت لأمها حيال أشياء مقرفة لا يمكن أن يفعلها إنسان وكان ذلك قبل أربعة أيام من زيارتها لي”.
بين سفاح القربى والاغتصاب مغالطات قانونية لم تعدلها القوانين
وتتابع الطبيبة “على الفور طالبت بفحص الطفلة التي شرعت بالبكاء، وكانت الصدمة بوجود احمرار وسحجات وتورم في منطقة المهبل من دون أن يتضرر الغشاء، في حين كانت هناك كدمات وتمزق حديث في المنطقة الخلفية تمكنت من تأكيده طبياً عبر إجراءات متنوعة، ورويداً رويداً باتت الطفلة تثق بي وروت لي مفصلاً ما حصل معها لحظة بلحظة، وأنا كدت أنهار مع عائلتها لهول الشناعة التي خضعت لها هذه المسكينة”.
ما إن أنهت الطبيبة فحوصها الطبية الكاملة التي استغرقت وقتاً طويلاً كتبت تقريراً طبياً مفصلاً يشرح الحالة والمشاهدة والمعاينة ممهوراً بالختم الطبي المعتمد، والتقطت صوراً للفتاة بعامة وللمناطق المتضررة بفعل ما حصل بصورة مركزة لا تدع مكاناً للشك في التشخيص، والحالة التي وصلت فيها الطفلة إلى العيادة.
وبعد انتهاء الطبيبة من تنظيم أوراقها قامت خلال اليوم التالي بمخاطبة هيئة الطب الشرعي والهلال الأحمر ووزارة الداخلية ومكاتب الأمم المتحدة المعنية بحقوق الطفل في سوريا، مرسلة شروحات وافية عن الحالة التي كانت بين يديها وبضرورة متابعة الموضوع واستجواب الأب وإعادة عرض الطفلة على الطبابة الشرعية واتخاذ إجراءات قضائية رادعة، وختمت الطبيبة حديثها بأن أوراق القضية الآن باتت لدى الأمن الجنائي والسلطات القضائية.
أطفال في مهب الاعتداء
ظاهرة التحرش بالأطفال تنامت خلال الحرب السورية بصورة مرتفعة نسبياً لتتجاوز الشارع وتصل إلى التحرش بهم من قبل أفراد أسرهم أو غيرهم (كالوالد أو الخال أو العم أو حتى الجد) يكونون هم الجناة في أحيان كثيرة، وفي أحيان أخرى الجوار أو أشخاص تربطهم علاقات طيبة مبنية على الثقة مع أهالي الأطفال الذين لن يخافونهم بطبيعة الحال، وبالطبع تكون أعمار الضحايا في الغالب بضع سنوات.
“اندبندنت عربية” تحدثت مع قاضي التحقيق لينا خضور التي تشغل أيضاً منصباً إضافياً هو قاضي تحقيق الجرائم المعلوماتية، وهما منصبان منفصلان عموماً لكن يمكن الجمع بينهما لأسباب قانونية وقضائية تنظر فيها وتقرها وزارة العدل.
القاضية تولت شرح كثير من التفاصيل المتعلقة بالتحرش أو الاعتداء على الأطفال مبينة أنها خلال الأسبوع الماضي أقرت الحكم في دعوى تحرش من قبل شخص يبلغ من العمر 50 سنة بطفل عمره سبع سنين.
من يداوي ضحايا الاغتصاب الأسري من رضوضهم النفسية
وعن تلك الواقعة تقول “الطفل أخبر أهله الذين توجهوا به إلى القضاء وكنت أنا القاضي الناظر بالقضية، فاستمعت لأقوال الطفل منفرداً بعد إخراج أفراد أسرته من القاعة لئلا يتأثر بالمحيط حوله، وطفل بهذا العمر أمام هول هذه القضية سيكون بالكاد متمكناً من تركيب جمل سليمة، وهذا إجراء متبع بالاستماع المنفرد لئلا تكون القصة من نسج خيال طفولي لا أكثر”.
وتتابع “التقرير الطبي الذي ورد في القضية كان يؤكد تعرض الطفل لاعتداء والتقرير المثبت في هذه الحالة يساعدنا كثيراً في البت بالموضوع، وكرر الطفل أمامي القصة التي أخبرها لأهله بمزيد من التفاصيل البسيطة والموضوعية التي توحي بأنه لا يكذب في إحداها وهذا صلب عملنا في التحقيق، أي في معرفة استخلاص الحقائق من الادعاءات وزاد في صدقية رواية الطفل التسميات التي استخدمها وسياق الحكاية بأكملها وما طلب منه تنفيذه وقت تعرضه للاعتداء، التفاصيل التي ساقها الطفل كانت مقنعة جداً، فأنا كقاضي تحقيق فوراً أصدرت أمر اتهام بحق المعتدي وحولت أوراقه لمحكمة الجنايات”.
جرائم الأموال تتسيد المشهد
في الوقت ذاته تبين القاضية خضور لـ”اندبندنت عربية” أن وجود قضايا التحرش أو الاعتداء لا يطغى على الجرائم الأخرى المنتشرة بوفرة شديدة بحسب ما يتم النظر به في المحاكم، إذ تسيطر قضايا السرقة والنهب والاختلاس والسلب بالعنف على عموم الجرائم لعوامل عدة ربما معظمها يتعلق بالوضع المعيشي.
وتقول القاضية “اليوم أكثر ما ننظر به هو الجرائم الواقعة على الأموال حتى لو كان من طريق جناية أخرى كالقتل أو السلب بالعنف وخلافه، قياساً بالجرائم الواقعة على العرض وهذا لا ينفي وقوعها طبعاً، لكن هنا إن كان الحديث كنسبة وتناسب في مفرزات الأزمة المباشرة، فليس كل يوم هناك مغتصب، بينما هناك كل يوم سارق”.
وحول العقوبات الواقعة على المتحرش أو المغتصب يبين المستشار سلمان جيرودة أن القانون ميز بشدة بين العقوبات في الفئات العمرية لمن وقع بحقهم التحرش، فميز مثلاً من هم أعمارهم 15 عن الـ12 عن الـ8 سنوات أو ما يقل، ولكل حالة قانون ينظر به ويعامل الجاني جنائياً على إثره، على أن تكون أركان الجريمة مكتملة ومثبتة في أبعادها المادية والمعنوية والسببية.
ويجيب المستشار حول سؤال يتعلق بموقف القضاة حين النظر في تلك القضايا من الناحية الإنسانية قائلاً “لكل منا أطفال، لا يتمنى في أي ظرف أو مكان أن يكونوا عرضة لهكذا نوع من الفداحة والإهانة والانتهاك. من الطبيعي أن نتأثر ولكن في النهاية لا مكان للعواطف فنحن محكومون بنصوص قانونية واضحة وجلية، فلا يمكننا إزادة العقوبة ولا إنقاصها تبعاً للجرم وما نص عليه القانون في سياقه، أحياناً قد يحترق قلب القاضي من الداخل لكن عليه الأخذ بالأسباب فإن كانت هناك أدلة وقرائن مثبتة يجري توقيف المتهم وإحالته للمحاكمة، وفي حال عدم وجود أدلة كافية لا يمكن توقيف أي شخص”.
القاضية خضور تعود لتؤكد أن الأهم في كل تلك القضايا هو شهادة المجني عليه أو عليها وهي الدليل القاطع، فمهما كان الطفل صغيراً المهم أنه قادر على الحديث، ست أو سبع سنوات مثلاً، فهو الشاهد الرئيس في هكذا دعاوى، وغالباً وبنسبة 99 في المئة حين يحكم على المتحرش فلأن ذلك يكون نتيجة شهادة الطفل وهي نسبة كبيرة حكماً، وذلك حين يقنع الطفل القاضي بشهادته.
التحرش في القانون السوري
ميز القانون السوري في متن نصوص العقوبات بين التحرش والاعتداء، إذ جاء في المادة 505 من قانون العقوبات السوري، “من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصراً لم يتم الـ15 من عمره، ذكراً كان أو أنثى، أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من 15 سنة من دون رضاهما، عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز السنة ونصف السنة”.
وجاء في المادة 506 من ذات القانون عقوبة تتعلق بالتحرش اللفظي، مفادها أن “من عرض على قاصر لم يتم الـ15 من عمره عملاً منافياً للحياء، أو وجه إلى أحدهم كلاماً مخلاً بالحشمة، عوقب بالحبس التكديري ثلاثة أيام”.
في حين أن جرائم الاعتداء الجنسي تتخطى كونها جنحاً لتصير جنايات يصل السجن فيها إلى ثلاث سنوات، وهو ما يراه حقوقيون ومنظمات إنسانية عقوبة غير رادعة.
يتفق المحاميان وفيق شيبان ورائد شباط خلال حديثهما لـ”اندبندنت عربية” على أن الجرائم الواقعة على العرض (الشرف) هي من أخطر الجرائم التي تهدد أمن وسلم المجتمعات وتؤدي إلى التفكك الأسري، كما أنها تلحق آفات نفسية جسيمة بالضحية يصعب التعامل معها أو تداركها حتى بعد بلوغ سن البلوغ أو الكبر، تحديداً في ظل غياب ثقافة الدعم المجتمعي واللجوء إلى الطبيب النفسي.
يضيف المحامي وفيق أنه خلال عمله في المهنة على مدار نحو 20 عاماً واجهه كثير من القضايا المشابهة، وكان في أحيان كثيرة يلمس انخفاض رغبة المسؤول أو الوصي عن الجاني في الادعاء في اللحظة الأخيرة لتتم (لفلفة) القضية داخل العائلة الواحدة درءاً للفضيحة وفق صيغ متعددة لا حصر لها. أهمها الاتفاق على الرؤية الشرعية في الأماكن المخصصة قانوناً من دون السماح بالاختلاط من جديد بين الضحية والجاني.
أعراف عائلية وعشائرية
بدوره أكد المحامي رائد ما ذهب إليه زميله مبيناً أن الأعراف والتقاليد العائلية والعشائرية كثيراً ما تحول دون وصول تلك القصص المأسوية إلى أروقة المحاكم، شارحاً تراجع والدة عن توكيله في قضية الاعتداء على ابنتها من قبل الخال (أخ الوالدة) تحت ضغوط عائلية شديدة، والعمل مع الصغيرة المجني عليها وفق سبل متعددة لتنسى في النهاية ما حصل. موضحاً أن ذلك لن ينفع فما تختزنه ذاكرة الأطفال من أحداث مؤلمة لا يمكن أن تفارقهم مهما بلغت بهم السن.
ويتابع “حل تلك المعضلات الأخلاقية خارج المحاكم وضمن الأسر الواحدة يجعل الجاني يفلت من العقاب الرادع الذي يجب أن يتلقاه نظير أعماله التي ترقى للوحشية، وهو ما لا يمكن أن تتدخل به السلطات الجنائية والقضائية حال عدم وجود محضر وادعاء شخصي يشرح ويفسر الحالة رفقة عرض القضية على الطبابة الشرعية، وكل ذلك يقود لحرمان الطفل من الإدلاء بشهادته النهائية والحاسمة أمام القضاء المختص”.
“كانوا سيعدونه سفاح قربى بعقوبة مخففة فأسبب لابنتي عاراً يلحقها مدى الحياة، فضلت الصمت والطلاق ومغادرة المحافظة كلها”. هذا ما تقوله نهى وهو اسم مستعار لسيدة اكتشفت استغلال زوجها الجنسي لابنتها البالغة من العمر 10 سنوات.
كان ذلك للسبب ذاته المتعلق بدرء الفضيحة التي منعتها من التوجه إلى المحاكم بعد أن استشارت محامين عديدين، وعلى رغم أن خيوط الأمر كانت اجتمعت بين أيديها وكانت قادرة على إثبات أقوالها وتعرض طفلتها للاعتداء، فإن الشك الذي ساورها بتمييع القضية حال دون أن تلجأ إلى التصعيد، قابلة بفضيحة أطرافها هي وزوجها وابنتها التي لا تعي ما يحصل، بدلاً من أن يصبح ما صار قضية رأي عام.
مجانبة العدالة
حديث نهى عن “سفاح القربى” كان يستدعي البحث في الموضوع قانونياً للتمييز بينه وبين الاغتصاب. ويوضح القاضي المتقاعد منصور علان لـ”اندبندنت عربية” أن هناك فروقاً شاسعة وهائلة بين النظر في القضية على أنها اغتصاب أم سفاح قربى.
ويشير إلى أن “سفاح القربى” هو علاقة تتم بين الأصول والفروع ولكن برضا الطرفين ويشترط فيها التكرار وقد تكون بين الوصي والموصى عليه، أما الاغتصاب فيتم باستخدام القوة لتحقيق الغاية، وبالطبع ثمة فرق كبير بين التوصيفين ففي حال سفاح القربى يعاقب الطرفان، أما في حال الاغتصاب يعاقب المغتصب في حين يعد الطرف الآخر ضحية.
وتشير المادة 476 من قانون العقوبات السوري إلى أن السفاح بين الأصول والفروع شرعيين كانوا أم غير شرعيين، أو بين الأشقاء والشقيقات والإخوة والأخوات لأب أو لأم أو من هم بمنزلة هؤلاء جميعاً من الأصهرة، يعاقب عليه بالحبس من عام إلى ثلاثة أعوام، كما يمنع المجرم المدان من حق الوصاية.
من يتحمل مسؤولية التحرش الأسري: الأوصياء أم الحرب
وفي المادة 476 عقوبات فإنه يلاحق السفاح الموصوف في المادة السابقة بناء على شكوى قريب أو صهر أحد المجرمين حتى الدرجة الرابعة، وتباشر الملاحقة بلا شكوى إذا أدى الأمر إلى الفضيحة.
أما بخصوص الاغتصاب فقد نص قانون العقوبات وفق المادة 492 منه على أنه “إذا جامع المغتصب قاصراً متماً الـ15 وغير متم الـ18 من عمره، أحد أصوله شرعياً كان أو كان غير شرعي أو أحد أصهاره لجهة الأصول، وكل شخص مارس عليه سلطة شرعية أو فعلية أو أحد خدم أولئك الأشخاص، عوقب بالأشغال الشاقة تسعة أعوام”.
وينوه المستشار إلى أن قانون العقوبات سلك منهجية خاطئة في التفريق بين الحالتين وعقوباتهما، متسائلاً كيف يمكن عد الشريك الطفل مجرماً في حال سفاح القربى وهو المأخوذ بدواع تتعلق بافتقاده الأهلية القانونية والفكرية والذهنية والجهل بما يحصل.
ما بعد الصدمة
استمعت “اندبندنت عربية” إلى أكثر من قصة تتعلق بالتحرش أو الاعتداء أو الاغتصاب أو سفاح القربى التي حصلت وما زالت مستعينة بأشخاص عاشوا تلك التجربة المريرة، إضافة إلى شهادات محامين وقضاة واجهوا قضايا مشابهة على قلة ما يصل إلى المحاكم منها لأسباب جرى شرحها، ومن بين أولئك الناس المعالج النفسي أحمد سفير الذي ظل طوال أربعة أعوام كاملة يتعامل مع طفلة عمرها سبع سنوات إثر تعرضها لاعتداء أبوي.
ويقول “كنت دائماً أقول لها إن أباك كان يمازحك وقام بإيذائك عن غير عمد وهو لا شك يحبك كثيراً، فتسألني لماذا ممنوع أن أراه إذاً؟ فكنت أجيبها أنه منهمك في العمل ليشتري لك ألعاباً كثيرة حين تكبرين. كان لا بد من عدم مواجهة الطفلة بالحقيقة بصورة كاملة، إذ يجب تمرير المعلومات بصورة جزئية ومبسطة على فترات متباعدة. لا أعتقد اليوم وقد فهمت الجزء اليسير أنها ستسامح والدها، لكني أظنها تحاول إيجاد مبررات له بين وقت وآخر، فمرة سألتني إن كان والدها يتعاطى الخمور”.
ويضيف “أصعب ما يواجه المعالج النفسي هو علاج حالات ما بعد الصدمة وذلك لأن لكل حالة حيثياتها المعقدة والمربكة والمرعبة أحياناً، إذ ليست مهمتي أن أشيطن والدها ومهمتي أن أعيد عقلها لسويته الأهلية الواعية لتتجاوز الصدع الحاصل في لا وعيها”.
المتخصص النفسي وفق طبيعة عمله يرى أن أحداثاً متواترة كتلك وفي ظل ضعف الإيمان بثقافة العلوم النفسية فإن الأمر يقتضي دق ناقوس الإنذار في بلد منتهك بكرامة ساكنيه، ومغتصب بعواطف أهله ومتفوق في تسيد الجريمة فيه أياً كان نوعها وصورتها.
اتفاقية دولية معلقة
صادقت سوريا قبل أعوام طوال على اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن أحد مكاتب الأمم المتحدة المتخصصة في هذا الشأن، والتي تشرح مسؤوليات الحكومات باستفاضة تجاه الأطفال وتطالبها بحماية حقوقهم بكل السبل الممكنة والمتاحة مع بذل المجهود الأوسع من خلال سن التشريعات اللازمة واتخاذ جميع التدابير الخاصة بذلك الشأن، إلا أن سوريا ولعل الحرب سبب مباشر لم تلتزم بمعظم بنود هذه الاتفاقية.
ما صادقت عليه سوريا وقتذاك يسمى البروتوكول الاختياري لحماية الطفل، والذي أشرفت عليه منظمة الـ”يونيسيف” تحت مسمى “تعزيز اتفاقية حقوق الطفل، البروتوكولات الاختيارية، حماية الأطفال في النزاعات المسلحة من البيع والاستغلال الجنسي، وتمكين الأطفال من تقديم شكاوى”.
وجاء في نص الاتفاقية “يجب أن توفر الحكومات خدمات دعم قانوني وغيره من صور الدعم للأطفال الضحايا المتعددين في مختلف القضايا، ويجب تقديم الدعم الطبي والنفسي واللوجيستي والمالي الضروري للأطفال للمساعدة بإعادة تأهيلهم وإدماجهم وبخاصة بعد تعرضهم لآفات ومشكلات من شأنها تدمير صورة حياتهم”.
ويؤكد البروتوكول موضوع الاتفاق أنه “بوسع الأطفال من البلدان التي صادقت على البروتوكول (ضمناً سوريا) السعي إلى الحصول على العدالة إذا لم تتمكن المنظومة القانونية الوطنية من توفير الإنصاف عن الانتهاك الواقع بشتى صوره”.