حرية ـ (28/9/2024)
أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن إطلاق “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين” وذلك خلال الاجتماع الوزاري بشأن القضية الفلسطينية على هامش أعمال الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية.
الوزير السعودي شدد على أن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة حق أصيل وأساس لعملية لسلام، معلنا تقدير بلاده للدول التي اعترفت بفلسطين أخيراً وداعيا في هذا السياق الدول كافة للتحلي بالشجاعة واتخاذ القرار ذاته، والانضمام إلى الإجماع الدولي المتمثّل بـ (149) دولة مُعترفة بفلسطين. وأضاف بن فرحان خلال الجلسة: “إنّ تنفيذ حلّ الدولتين هو الحل الأمثل لكسر حلقة الصراع والمعاناة، وإنفاذ واقع جديد تنعم فيه المنطقة، بها فيها إسرائيل، بالأمن والتعايش”.
بن فرحان أعلن عن ذلك باسم الدول العربية والإسلامية والشركاء الأوروبيين من دون أن يذكر الولايات المتحدة الأمريكية. وقد جاء هذا الإعلان بالتزامن مع تطوّرات ميدانية أخيرة شهدتها الساحة اللبنانية من تكثيف للغارات الإسرائيلية على مناطق في جنوبه وشرقه، ومن عمليات اغتيال محدّدة الأهداف في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت.
وزير الخارجية السعودي دعا الدول للانضمام إلى هذه المبادرة، قائلا: ” ندعوكم للانضمام إلى هذه المبادرة، مؤكدين على أننا سنبذل قصارى جهودنا لتحقيق مسار موثوق لا رجعة فيه لسلام عادلٍ وشامل. ونتطلع إلى سماع ما لديكم للإسهام في إنهاء هذا الصراع، حفاظا على الأمن والسلم الدوليين”.
الدول المشاركة في التحالف وأهميته
من المتوقع أن يضم هذا التحالف بعض الدول الأوروبية التي أعربت عن دعمها لإقامة الدولة الفلسطينية ورفضها لما تمارسه إسرائيل في قطاع غزة، إضافة إلى جميع الدول العربية والإسلامية، حتى تلك المتحالفة أو المطبّعة مع إسرائيل، وذلك وفق أستاذة العلاقات الدّوليّة في الجامعة اللّبنانيّة د. ليلى نقولا.
وتوقعت نقولا في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي: ” أن يضم التحالف دولا اعترفت بالدولة الفلسطينية لأسباب عدة: أولاً، لأن التحالف ليس موجّها ضد اسرائيل، بل هو لإحقاق الحقوق الفلسطينية، وثانيا، لأنه من ضمن أطر القانون الدولي ومتطابق مع التوجّه العالمي والأممي وحتى الغربي الداعي لحلّ الدولتين، وثالثا، لأن الدول الإسلامية حتى تلك المتحالفة بشكل وثيق مع اسرائيل (ومنها أذربيجان على سبيل المثال لا الحصر) عادةً ما تقوم بالتصويت لصالح الحقوق الفلسطينية في الأمم المتحدة”.
واستبعدت نقولا أن تنضم الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذا التحالف، لأنه بحسب رأيها، فإن أولوية الإدارة الأمريكية ليست في حلّ الدولتين، بل في دعم إسرائيل، خاصة بعد أن صوّت الكنيست الاسرائيلي على رفض إقامة دولة فلسطينية على الرغم من الموقف الأمريكي الداعم لحلّ الدولتين منذ اتفاق أوسلو عام 1993. وأضافت: ” إن سلوك الإدارات الأمريكية المتعاقبة يؤكد أنه لم يكن هناك جدية حقيقية للسير بحلّ الدولتين ولا لتفعيل الضغوط على إسرائيل للقبول بذلك، ولا لتفعيل الآليات الدولية التي تسمح بالتقدّم في هذا المسار”، وفق نقولا.
وانطلاقا من الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، والتنافس داخل الولايات المتحدة الأمريكية سواء في الكونغرس أو بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على دعم لإسرائيل، اعتبرت أستاذة العلاقات الدوليّة في الجامعة اللبنانيّة د. ليلى نقولا أن التحالف الذي دعا إليه وزير الخارجية السعودي ستكون له قيمة معنوية عالمية أكثر من القدرة على تحقيق اختراق في مسار إنشاء دولة فلسطينية على الأرض. وقد يؤدي هذا التحالف برأيها إلى دفع المزيد من الدول للاعتراف بدولة فلسطينية وفتح سفارات فلسطينية في العالم، وهو أمر جيد بحسب تقديرها.
في الإطار عينه، اعتبر د. أوهانس كوكجيان الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت أنه من المؤكد أن التحالف الدولي المقترح لا يفرض على إسرائيل أي التزام قانوني بقبول حلّ الدولتين، لكنه على الأقل موقف سياسي لممارسة الضغط على إسرائيل وإظهار أن المملكة العربية السعودية لا تزال تدعم القضية الفلسطينية.
بدوره، استبعد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن د. فوّاز جرجس أن يتمكن هذا التحالف من استقطاب الدول التي ما زالت تعارض تنفيذ حل الدولتين من دون مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين.
ووصف هذا التحالف في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي بأنه “دعوة تنفيذية وليس دعوة خطابية وهو إطار عملي لتشكيل نواة تقوم بالضغط في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإنشاء دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية”.
واعتبر جرجس أن استثناء الولايات المتحدة الأمريكية من هذا التحالف سببه أن واشنطن تعارض أي قرار دولي بقيام دولة فلسطينية لأنها ما زالت تصر على تحقيق ذلك من خلال مفاوضات مباشرة، ما يعني عمليا برأيه أنها تعطي لإسرائيل حق الفيتو على إنشاء دولة فلسطينية.
واعتبر جرجس أن هناك فجوة كبيرة بين مواقف واشنطن الداعمة لقيام دولة فلسطينية وبين الفعل السياسي على أرض الواقع. وأضاف: “ترى واشنطن أن الفلسطينيين ليسوا مهيأين بعد لإنشاء دولتهم المستقلة ذات السيادة لأنه ليست لديهم المؤسسات أو القدرة على تفعيل هذه الدولة”.
وفيما استبعد أن يتمكن هذا التحالف من تغيير معادلة الرفض الأمريكي، إلا أنه أمل في أن ينجح في مهمته من خلال دول كإسبانيا وإيرلندا والنروج وبلجيكا وأستراليا التي تطالب بتحديد خطة زمنية لإنشاء دولة فلسطينية وليس فقط الدعوة إلى إنشائها.
أما الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي أحمد الركبان، فوصف في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي “استثناء” الولايات المتحدة الأمريكية من التحالف بمثابة “الاستقلال” عن الموقف الأمريكي و”التحفظ الضمني” على المواقف الأمريكية الداعمة لإسرائيل. ولا يتوقع الركبان تفاؤلا كبيرا من نتائج هذا التحالف إنما يأمل في أن يتمكّن من توحيد مواقف الدول العربية والإسلامية في وجه الدعم اللوجستي الذي تلقاه إسرائيل من واشنطن وعواصم أوروبية أخرى. ويضيف: ” حان الوقت لأن تقف هذه الدول العربية والإسلامية في وجه إسرائيل وأن تضع حدا لها لأنها تستسهل قصف مناطق عربية عدة كغزة واليمن ولبنان، مستغلة الدعم الأمريكي لها”.
الرياض بين إطلاق المبادرة العربية للسلام والدعوة إلى تحالف دولي لحلّ الدولتين
القمة العربية التي عُقدت في بيروت عام 2002، خرجت بما سمي ” المبادرة العربية للسلام” وهي مبادرة أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز حين كان وليا للعهد، وتهدف المبادرة إلى:
الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران/يونيو ١٩٦٧
إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو ١٩٦٧ في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية
إيجاد حل عادل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ١٩٤
في المقابل، تقوم الدول العربية باعتبار الصراع العربي الإسرائيلي منتهيا وتقيم سلاما معها من خلال “إنشاء علاقات طبيعية” معها.
د. فوّاز جرجس اعتبر أن هذا التحالف الذي دعا إليه وزير الخارجية السعودي أكثر شمولية من المبادرة العربية للسلام كونه يضم دولا عربية وإسلامية وأوروبية.
ويرى الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت د. أوهانس كوكجيان أن القمة العربية التي عُقدت في بيروت كانت لدعم مبادرة الأرض مقابل السلام والتي لم يتم تنفيذها، لكنه اعتبر أن هذا التحالف الدولي أكبر بكثير ويمكنه ممارسة المزيد من الضغوط السياسية على إسرائيل وتحميلها المسؤولية عن العنف المستمر وانتهاك القانون الإنساني الدولي في الأراضي الفلسطينية، بحسب رأيه.
في السياق عينه، اعتبرت د. ليلى نقولا أن المبادرة العربية للسلام في بيروت لم تتضمن أي خطة تنفيذية للسير نحو تحقيق الحقوق العربية أو إقامة دولة فلسطينية، بل كانت دعوة لإسرائيل للسير بمسار “الأرض مقابل السلام”، وهو ما رفضه رؤساء الوزراء الاسرائيليون المتعاقبون كأرييل شارون ومن بعده بنيامين نتنياهو.
وأضافت نقولا: “المختلف اليوم هو أن التحالف ليس دعوة لإسرائيل للقبول بالحقوق الفلسطينية، بل هو حشد الدول الأوروبية والإسلامية الراغبة في الانضمام إلى هذا التحالف، لتأمين توافق دولي يشكّل ضغطا عالميا لتأسيس دولة فلسطينية”، معتبرة أن معيار نجاحه سيكون في قدرته على تحقيق ضغوط على الدول للاعتراف بفلسطين كدولة.
وبقيت المبادرة العربية حبرا على ورق ولم يتحقق منها أي بند بسبب رفض إسرائيل الدائم لقيام دولة فلسطينية، وهي النقطة الأبرز في المبادرة، والأساس أيضا لأي عملية تطبيع مع إسرائيلي، لاسيما بعدما أوضحت الرياض مرات عدة أنها لا تمانع تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في حال أقدمت الأخيرة على قبول حل الدولتين.
أحدث هذه المواقف السعودية أعلنها رئيس مجلس الوزراء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته خلال افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجس الشورى السعودي، حيث جدّد موقف بلاده لجهة عدم قيامها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية.
في هذا الإطار، اعتبر الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي أحمد الركبان أن بلاده لا يمكن أن تمدّ يدها لكيان محتل في ظل الأوضاع الراهنة، إنما تحاول تقديم مبادرات تساهم في تنفيذ حل الدولتين.
ماذا تستفيد الرياض من إطلاق هذه المبادرة؟
بدأ الدور السعودي بالتعاظم في السنوات الأخيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، فبعد أن كانت قوة اقتصادية ونفطية في المنطقة العربية أصبحت اليوم قوة سياسية تعدّت حدود المنطقة العربية وذلك من خلال دبلوماسية جديدة اعتمدتها في السنوات القليلة الماضية، إذ برزت قوتها في ملفات عدة لاسيما تلك المتعلقة بالإنتاج النفطي في إطار مجموعة أوبك بلس أو في الصراع الروسي الأوكراني أو في سياق تحسين علاقاتها مع كل من تركيا وسوريا وإيران.
وتصف نقولا هذا التحوّل في السياسة الخارجية للسعودية بأنه تحوّل من “استراتيجية هجومية في المنطقة” إلى “استراتيجية تصفير المشاكل”، بهدف تبوّء مركز “الدولة المتوسطة” عالميا.
وأضافت في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي: ” من سمات الدولة المتوسطة أن تكون دولة قائدة في محيطها، وتضطلع بدور دبلوماسي إيجابي في القضايا العالمية حيث تستضيف مفاوضات سلام وتلعب دور الوساطة بين المتحاربين”.
أما عن أهدافها من إطلاق هذه المبادرة، فتشرح نقولا أن للرياض 3 أهداف رئيسية:
أولاً، أن تضطلع الرياض بدور دولة قائدة في العالم العربي ودولة “متوسطة” عالمياً، لذا عليها أن لا تنأى بنفسها عن قضايا الإقليم، خاصة القضايا التي تشكّل اجماعا شعبيا في العالم العربي، كالقضية الفلسطينية.
ثانياً، التنافس الإقليمي في المنطقة الذي يفرض على السعودية أن توازن الدور الإيراني في المنطقة وخاصة في دعم القضية الفلسطينية. لذا عليها أن تقدّم مساراً عربياً لدعم الحقوق الفلسطينية وألا تترك الأمر للقيادة الإيرانية التي تبدو وكأنها وحيدة اليوم في دعم الفلسطينيين، بحسب نقولا.
ثالثاً، ومن ضمن التنافس الإقليمي أيضاً، تدعم إيران نضال الفلسطينيين عبر المقاومة المسلحة. لكن، بعد حرب غزة المكلفة جدا على الشعب الفلسطيني والفصائل الفلسطينية، التوقّع المنطقي بحسب نقولا، أن تحتاج المقاومة المسلحة فلسطينياً إلى سنوات للنهوض مجددا، لذا تقوم السعودية بتأمين خيار بديل لتحقيق السلام وتأمين الحقوق الفلسطينية وهو خيار الدبلوماسية والقانون الدولي.
وبحسب د. جرجس تريد الرياض من خلال هذه المبادرة أن تلعب دورا قياديا في المطالبة بتنفيذ حل الدولتين لأنها إذا نجحت في ذلك، فستقوم لاحقا بالتطبيع مع إسرائيل إن قبلت الأخيرة بحلّ الدولتين. وهو وضع سيمكّن الرياض برأيه من عقد تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقال جرحس: ” الرياض ومن بعد أحداث السابع من أكتوبر في موقع حرج، فهي لا تستطيع التطبيع ما لم تحصل على وعد جدي من إسرائيل بقيام دولة فلسطينية”.