حرية ـ (2/10/2024)
جاء فوز حزب الحرية في الانتخابات العامة النمساوية في الوقت الذي كثفت فيه إسرائيل غاراتها الجوية على لبنان. ويقول رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إن أكثر من مليون شخص نزحوا من منازلهم نتيجة للضربات العسكرية.
يشمل هذا الرقم عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين الذين يقدر عددهم بنحو مليوني لاجئ فروا إلى لبنان قبل عقد من الزمان هرباً من الحرب في بلادهم. وقد واجه عديد منهم صعوبات في لبنان.
الآن يعود آلاف السوريين إلى وطنهم إلى جانب عدد متزايد من اللبنانيين. وسوف يجدون بلداً لا يزال مزقته الحرب. وفي وقت سابق من هذا الشهر حذرت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا من أن سوريا تواجه “موجات جديدة من الأعمال العدائية”، بحسب تقرير لمجلة ذا سبيكتاتور البريطانية.
وأضاف التقرير أن تداعيات الاضطرابات في الشرق الأوسط سوف تثير الرعب في أوروبا. ففي نهاية الأسبوع الماضي دعا وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى وقف إطلاق النار. وقال ديفيد لامي: “إن الحل الدبلوماسي هو السبيل الوحيد لاستعادة الأمن والاستقرار للشعبين اللبناني والإسرائيلي”.
قبل عشر سنوات، بلغت الحرب في سوريا أوجها. وفي تقريرها لنهاية العام آنذاك، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن “عام 2014 كان العام الذي وصلت فيه المساعدات الإنسانية إلى نقطة الانهيار، وإذا لم تتحسن الأمور فسوف نواجه وضعا حرجاً”.
وقد تفاقم هذا الوضع في العام 2015، وكان رد أوروبا ــ أو بالأحرى رد ألمانيا ــ هو فتح أبواب القارة في أغسطس من ذلك العام. فتدفق نحو 1.3 مليون لاجئ ومهاجر إلى أوروبا، الأمر الذي خلق حالة من عدم الاستقرار لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، على حد وصف التقرير.
الاتحاد الأوروبي يحسم قرار رسوم السيارات الصينية بهذا الموعد
وشدد التقرير على أنه لهذا السبب انتصر حزب الحرية في الانتخابات النمساوية. فقد أيد الناخبون هدف هربرت كيكل (زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا) بتحويل البلاد إلى “قلعة النمسا” بعد عقد من الهجرة الجماعية.
في العام 2015، احتلت النمسا المرتبة الثالثة بعد المجر والسويد من حيث نصيب الفرد من طلبات اللجوء، ومنذ ذلك الحين، كان الاستياء ينمو باطراد. وكانت الهجرة وانعدام الأمن في قلب الانتخابات. وزعم حزب الحرية أن حزب الشعب الحاكم من يمين الوسط “لم يؤمن حدودنا، بل حط من شأن قوات الشرطة لدينا إلى نوع من “لجنة الترحيب” بالمهاجرين غير الشرعيين”، وفق التقرير.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 240 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا إلى النمسا منذ فوز حزب الشعب في انتخابات 2020. وذلك على الرغم من الحملة الدعائية المكثفة التي أطلقتها الحكومة في عام 2022 لردع المهاجرين.
وأشار التقرير إلى أن هذه القضية أصبحت تهيمن على السياسة الأوروبية بشكل لم يسبق له مثيل، وتتجاهل الأحزاب غضب الناخبين على مسؤوليتها الخاصة، مضيفاً: “لقد دفع ريشي سوناك ثمن عجزه عن الحد من الهجرة الجماعية وشهد إيمانويل ماكرون وأولاف شولتز تراجع سلطتهما في العامين الماضيين لأنهما جلسا مكتوفي الأيدي بينما كانت حدودهما تُخترق”.
وأضاف: الآن تواجه أوروبا أزمة جديدة للاجئين والمهاجرين في الشرق الأوسط. وهذه المرة لن ينسخ أي زعيم أوروبي أنجيلا ميركل، ولكن من المؤكد أن هناك زيادة ملحوظة في عدد الأشخاص الذين يصلون بشكل غير قانوني إما عبر البلقان أو عبر البحر الأبيض المتوسط.
واختتم التقرير: عندما فتحت ميركل أوروبا في أغسطس 2015، فعلت ذلك بصرخة “نحن قادرون على فعل هذا”. وقد أثبت التاريخ خطأها الذريع، وفق التقرير، الذي أفاد بأنه “سوف يتعين على أوروبا أن تحذو حذو النمسا وتحول نفسها إلى حصن منيع”.
بدوره، يقول خبير العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن المرحلة الحالية، وما تشهده من تزايد حدة التوترات، هي وراء التحركات الحالية لعدد من المهاجرين والنازحين، الذين يتحركون من جنوب لبنان إلى وسطه أو يتجهون إلى سوريا فقط.
وأضاف أن الاتجاه نحو الهجرة إلى أوروبا، وبالتحديد إلى فرنسا، لا يزال محدودًا في الوقت الحالي، وذلك في ضوء ارتباط لبنان بفرنسا ووجود عائلات لبنانية هناك. لذلك، يتجه هؤلاء نحو طلب الهجرة النظامية كنوع من إعادة الدمج ولم الشمل، بعيدًا عن صور الهجرة غير الشرعية.
وأشار سمير إلى أن الصورة الحالية لا تنتمي إلى فئة الهجرة غير الشرعية، وهو ما تعكسه أوضاع الدول المحيطة مثل سوريا والعراق، التي لم تشهد موجات كبيرة من الهجرة.
وأوضح أنه في حال تحول الحرب إلى حرب شاملة وطويلة واستنزاف قوي، قد يؤدي ذلك إلى تراجع الظروف الاقتصادية في المنطقة العربية والشرق الأوسط ككل. وقد تدفع هذه التحولات إلى موجات من الهجرة في نهاية المطاف، مرتبطة بالطابع الأمني نتيجة التخوفات من تداعيات الحروب.
ومع ذلك، أكد سمير أن الوضع الحالي، على الأقل في المدى القريب والمتوسط، لن يشهد موجات من الهجرة إلى أوروبا، حيث يقتصر الأمر فقط على تحركات بعض اللبنانيين إلى أوروبا، خصوصًا إلى فرنسا.
مسارات الهجرة
وفي سياق متصل، ذكر تقرير لمنصة unherd، أنه بخلاف إمكانية وصول النازحين اللبنانين إلى أوروبا عبر تركيا وسوريا (..) فإن هناك أيضًا احتمال أن يسلك اللاجئون مسارًا أكثر تعقيدًا للوصول إلى أوروبا، فقد يسافرون إلى دول شمال إفريقيا مثل مصر أو ليبيا أو حتى المغرب ويحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا من هناك.
بينما لا تزال أوروبا تحاول استيعاب العدد الكبير من اللاجئين الناتجين عن الحرب الروسية الأوكرانية. وبحسب منظمة الأمم المتحدة، يوجد حاليًا أكثر من ستة ملايين لاجئ أوكراني منتشرين في أوروبا. في ألمانيا وحدها، هناك أكثر من 1.2 مليون لاجئ أوكراني. من غير الواضح ما إذا كانت أوروبا ستتمكن من تحمل ضغط أزمة هجرة أخرى على غرار عام 2015.
موجات هجرة غير شرعية
وأفاد خبير العلاقات الدولية من القاهرة، محمد ربيع الديهي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن الحرب على لبنان قد تؤدي إلى موجات هجرة غير شرعية ولجوء إلى عدة دول، بما في ذلك هجرة أو لجوء بعض اللبنانيين إلى سوريا كما يحدث الآن.
وأضاف أن تطورات الأوضاع ستسفر عن بدء موجات الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، خاصةً أن الحرب ستؤدي إلى عدم استقرار إقليمي.
وأشار إلى أن الدور الذي تقوم به إسرائيل في المرحلة الحالية يعد تهديدًا للاستقرار الإقليمي والدولي، ومن المتوقع أن يخلق تداعيات خطيرة على صعيد الأمن الإقليمي والسياسات العامة.
وأوضح الديهي أن الاجتياح البري الحالي يحمل تداعيات قد يتسع معها نطاق الحرب وتزيد من رقعة الصراع، مما قد يحولها إلى حرب إقليمية تهدد الاستقرار الدولي. وأكد أن هذا السيناريو سيكون له تأثيرات سلبية على الاقتصاد الدولي، الذي لم يستطع بعد استعادة عافيته من أزمة كورونا وما تبعها من تداعيات الحرب في أوكرانيا والحرب التجارية بين أميركا والصين. وبذلك، نحن أمام مشهد ينذر بتداعيات خطيرة وحالة من عدم الاستقرار الدولي.