حرية ـ (3/10/2024)
تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إقناع إسرائيل بـ”تقليص” ردها المرتقب على هجوم إيران الصاروخي، على أمل منع تفاقم صراع إقليمي تتسع رقعته في منطقة الشرق الأوسط على نحو لا يمكن السيطرة عليه، رغم مخاوف غربية من أن تأثير واشنطن ربما يكون “محدوداً”.
وأوضحت واشنطن أنها تدعم حق إسرائيل في الرد عسكرياً على الهجوم الصاروخي، الذي شنته طهران، الثلاثاء، وتجري مكالمات متكررة مع مسؤولين إسرائيليين أثناء تخطيطهم لخطوتهم التالية، وفق صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وبحث الرئيس الأميركي جو بايدن مع قادة مجموعة السبع الآخرين خلال اتصال هاتفي، الأربعاء، تنسيق عقوبات على طهران بسبب الهجوم، وتقديم المشورة لإسرائيل بشأن ردها.
وقال بايدن للصحافيين بعد الاتصال، إنه لا يؤيد شن هجوم على المواقع النووية الإيرانية، مشدداً على أهمية أن يكون رد إسرائيل “متناسباً” مع هجوم طهران.
ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان سيؤيد هجوماً إسرائيلياً على المواقع النووية الإيرانية، أجاب بايدن: “لا، وسنناقش مع الإسرائيليين ما الذي سيفعلونه، لكننا جميعاً (دول مجموعة السبع) متفقون على حقهم في الرد، لكن يجب أن يكون هذا الرد متناسباً”.
وأكد الرئيس الأميركي، أن واشنطن ستفرض المزيد من العقوبات على طهران، مشيراً إلى أنه سيتحدث “قريباً” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فيما كان آخر اتصال هاتفي بينهما في 21 أغسطس الماضي. لكن مسؤولين أميركيين يعترفون بأن تأثيرهم على إسرائيل، ربما يكون “محدوداً”.
في غضون ذلك، تدرس إسرائيل عدة خيارات للرد على إيران، بما في ذلك الهجمات على منصات إطلاق صواريخ أو البنية التحتية النفطية.
ودعا بعض المسؤولين الإسرائيليين، إلى توجيه ضربات تستهدف منشآتها النووية، رغم أن شخصاً مطلعاً على الأمر، قال إن هذا الأمر “غير مطروح”.
والخميس، شنت طائرات إسرائيلية، غارة جوية على مستودعات في مطار “حميميم” بمحافظة اللاذقية على الساحل السوري، وذلك لأول مرة منذ بدء التواجد العسكري الروسي في المطار، فيما قالت مصادر لـ”الشرق”، إن الغارة جاءت في أعقاب تفريغ حمولة طائرة إيرانية في مستودعات المطار.
وقصفت إسرائيل وسط بيروت في الساعات الأولى من صباح الخميس، ما أودى بحياة 6 أشخاص على الأقل، بعد أن تكبدت قواتها أكبر خسارة يومية على الجبهة اللبنانية خلال عام من الاشتباكات مع جماعة “حزب الله”.
مصالح واشنطن الاستراتيجية
ونقلت “فاينانشيال تايمز”، عن أشخاص وصفتهم بأنهم “مطلعون على الأمر”، قولهم إن الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين يحضون إسرائيل بدلاً من ذلك على التركيز على أهداف عسكرية.
وقال نائب وزير الخارجية الأميركي، كيرت كامبل، الأربعاء، إن واشنطن تدرك أن “رداً من نوع ما سيكون مهماً”، ويجب أن تكون هناك “رسالة رد” إلى إيران.
لكنّه أضاف خلال اجتماع عبر الإنترنت نظمته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي للأبحاث ومقرها واشنطن: “في الواقع، المنطقة تقف على شفا الهاوية، و(توجد) مخاوف حقيقية بشأن تصعيد أوسع نطاقاً، أو تصعيد مستمر.. الأمر الذي من شأنه أن يهدد ليس فقط إسرائيل، بل ومصالحنا الاستراتيجية أيضاً”.
مع ذلك، يعترف مسؤولون غربيون بأن إسرائيل أصبحت أكثر “ثقة في نفسها، واكتسبت وجرأة” بعد نجاحها الأخير في اغتيال الكثير من قادة جماعة “حزب الله” اللبنانية المدعومة من إيران، بما في ذلك الأمين العام للجماعة حسن نصر الله.
وقالوا المسؤولون، إن الحكومة الإسرائيلية ربما تكون مستعدة لـ”تحمل خسائر عسكرية وسياسية، إذا كان ذلك يعني تحقيق نصر استراتيجي على إيران”.
بدروه، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الأربعاء: “إنهم (إسرائيل) دولة ذات سيادة، ويتخذون قراراتهم بأنفسهم، ونحن نتحدث معهم على عدد من المستويات المختلفة بشأن ما نعتقد أنه في مصلحتهم، وما نعتقد أنه في مصلحة المنطقة، سنواصل القيام بذلك، ولكن الأمر متروك لهم في نهاية المطاف”.
كما حذّر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، من أن إيران ستواجه “عواقب وخيمة” رداً على الضربات، التي وصفها بأنها “مهزومة وغير فعالة”، مضيفاً أن الولايات المتحدة “ستعمل مع إسرائيل لجعل الحال هكذا”.
مخاوف أميركية
لكن محللين قالوا إن إعطاء (واشنطن) الضوء الأخضر للمضي قدماً في الرد، لا يعني “تفويضاً مفتوحاً”، والهدف بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها هو ألا يؤدي رد إسرائيل بدوره إلى المزيد من التصعيد من جانب إيران.
وقال دانا سترول، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون” لشؤون الشرق الأوسط في عهد إدارة بايدن، والذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “تواصل الإدارة التمسك بالنهج الذي تريد من خلاله أن ترى خفض التصعيد، وتفادي أي نوع من الحرب الإقليمية الشاملة، التي قد تؤدي إلى أضرار جانبية هائلة وخسائر في صفوف المدنيين في أنحاء أكبر بكثير من المنطقة؛ مما رأيناه حتى الآن”.
بدوره، قال جوناثان بانيكوف، وهو مسؤول استخباراتي كبير سابق يعمل الآن في “المجلس الأطلسي”، إنه في حين ينادي البعض في إسرائيل باستهداف حقول النفط الإيرانية، “ربما يساور مسؤولون أميركيون قلق من أن القرار الإسرائيلي باستهداف حقول النفط ربما يؤدي إلى رد إيراني باستهداف حقول نفط تابعة لشركات أميركية وحلفائها في منطقة الخليج”.
ووفقاً لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، ربما يؤثر مثل هذا الهجوم أيضاً على أسعار الوقود قبل الانتخابات الأميركية المقررة الشهر المقبل.
وحذّر بانيكوف من أن الاستهداف المباشر لمواقع نووية إيرانية، سيُنظر إليه في طهران على أنه “تهديد كبير”، يتطلّب الرد.
وأضاف أن “طهران من المرجح أن تنظر إلى أي ضربة لبرنامجها النووي باعتبارها هجوماً أساسياً ومباشراً على استقرار النظام نفسه، ومن المرجح أن يتضمن رد فعل يدفع جميع الأطراف إلى أعلى سلم التصعيد”.
والضربات الإيرانية التي استهدفت إسرائيل، الثلاثاء الماضي، أكبر بكثير من الهجوم الإيراني السابق في أبريل، إذ تضمنت ضعف عدد الصواريخ الباليستية، على الرغم من أن القليل منها فقط نجح في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
وقالت إيران، إن إطلاق الصواريخ جاء رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الفلسطينية، إسماعيل هنية، في طهران نهاية يوليو الماضي، والأمين العام لجماعة “حزب الله” اللبنانية، حسن نصر الله، وعباس نيلفوروشان، قائد العمليات في “الحرس الثوري” الإيراني، في غارات جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت، الجمعة، وحذرت من أن هذا الهجوم يمثل “موجة أولى” فقط، دون الخوض في التفاصيل.