حرية ـ (8/10/2024)
جيمس زغبي
في السابع من أكتوبر، من المرجح أن يتجاهل المسؤولون الأميركيون ووسائل الإعلام الأميركية الانتهاكات المستمرة في غزة والقصف الهائل في لبنان، حيث سيقومون بإحياء ذكرى الهجوم الذي شنته «حماس» على إسرائيل. ولكن ما سيتجاهلونه هو أن تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يبدأ في السابع من أكتوبر، ولم تنته المعاناة في ذلك اليوم. لقد كان السابع من أكتوبر يوماً مروعاً، بلا شك، حيث ارتكبت «حماس» أفعالاً تستحق الإدانة ضد الأبرياء. ومن الأهمية بمكان أن تُروى قصص أولئك الذين قُتلوا وأولئك الذين أُخذوا كرهائن، وأن نسمع صرخاتهم ونحزن على خسارتهم. ومن الصواب أن تتم إدانة «حماس» على الجرائم التي ارتكبتها.
ولكن التاريخ لم يبدأ في ذلك اليوم المروع، ولم ينتهِ هناك أيضاً. ومنذ ذلك الحين، وفقاً لما نعرفه على وجه اليقين، قُتل أكثر من 41 ألف فلسطيني، وأصيب 97 ألفاً وما يصل إلى 20 ألفاً في عداد المفقودين. كما قُتلت عائلات فلسطينية بأكملها، وسُوِّيت أحياء بالأرض، ودُمرت معظم المساكن في غزة إلى جانب مدارسها ومستشفياتها وبنيتها التحتية. تم تقييد المساعدات، مما أدى إلى وفيات بسبب الأمراض والجوع وسوء التغذية. وتسببت الصدمات النفسية الناتجة عن هذا الوضع المستمر في انتشار الاضطرابات النفسية. ما فعلته إسرائيل، كما أخبرتنا وكالات دولية محترمة، هو إبادة جماعية – تدمير مجتمع وثقافته ورفاهه.
والآن يمتد هذا الدمار والصدمات إلى لبنان. عندما يحيي القادة السياسيون الأميركيون ووسائل الإعلام ذكرى فظائع السابع من أكتوبر، فلن يؤخذ ما حدث بعد ذلك اليوم في الحسبان. وسيتم تجاهل ما بدأ في الثامن من أكتوبر وما زال مستمراً حتى الآن. والأسوأ من ذلك، أنه سيتم إدانة أولئك الذين يجرؤون على الحديث عن المأساة التي تلت باعتبارهم غير حساسين لمعاناة الإسرائيليين. سيكون الأمر كما لو أن صرخات الضحايا الإسرائيليين ستطغى على صرخات الفلسطينيين. سيتم إعطاء الأولوية لألم شعب على ألم شعب آخر. وهذا شيء أصبح العرب يتوقعونه: فهم لا ينظر إليهم باعتبارهم بشراً متساوين.
لكي أكون واضحاً، هذا ليس محاولة لجعل الفلسطينيين «يفوزون» في لعبة الضحية. بل هو تذكير بأن حياة الفلسطينيين مهمة بقدر ما تهم حياة الإسرائيليين، وأن التاريخ لم يبدأ أو ينتهِ في السابع من أكتوبر. لكن هذه ليست القصة التي سيتم سردها في ذلك اليوم، لا في وسائل الإعلام الأميركية ولا في الكونجرس ولا من قبل البيت الأبيض. ولن تكون هذه هي الطريقة التي ستدخل بها هذه القصة كتب التاريخ. غالباً ما يُلاحظ أن التاريخ، كما يُدرَّس في المجتمع، يُكتب من قبل المجموعة المهيمنة. القصة التي تُروى هي نتاج منظور الشخص الذي يرويها.
إنها تعتمد على كيفية رؤيته للأمور من حيث يقف، ومعناها يعتمد على المكان الذي يختار أن يبدأ منه سردها. عندما كنت في المدرسة، بدأ التاريخ الأميركي الذي تعلمناه مع «اكتشاف» كولومبوس لما أُطلق عليه العالم الجديد. كان «الهنود» متوحشين، وتم تقديم «تسوية الثلاثة أخماس» كحل منطقي لكيفية إحصاء العبيد في التعداد السكاني. لقد كان التاريخ العالمي الذي درسناه يتمحور حول أوروبا. وكان البريطانيون والفرنسيون، كما قيل لنا، هم الذين جلبوا الحضارة إلى الشعوب البدائية في الجنوب والشرق.
في الواقع، بالطبع، كان «العالم الجديد» مأهولاً بالحضارات القديمة التي بنت ثقافات رائعة، وكانت العبودية مؤسسة همجية، وعلّمت الحضارةُ الإسلامية الغربَ الكثير، وكان جنكيز خان واحداً من أعظم ناقلي الثقافة من الشرق إلى الغرب، وكان الاستعمار شراً استعبد واستغل وشوه التنمية الاقتصادية والسياسية للشعوب المستعمَرة.
لكن هذه ليست القصة التي تم تدريسها، لأن الذين كتبوا التاريخ الذي تعلمناه في المدرسة بدأوا قصتهم في عام 1492 وسردوها من منظور الأميركيين أو الأوروبيين الذين ينظرون إلى العالم. بالعودة إلى السابع من أكتوبر. لدى الفلسطينيين قصة مأساوية يروونها عن الحرمان وعن النزوح الذي بدأ قبل قرن من الزمان.
لكن هنا في الولايات المتحدة، يبدو الكابوس الذي عاشوه غير مفهوم أو مرفوض بشكل قاطع. في منتصف أكتوبر 2023، التقيت بمسؤول بارز في إدارة بايدن. وبعد حديثه بـحماس عن السابع من أكتوبر والصدمة التي أثارها داخل إسرائيل في كل مكان، أخبرته أنني أفهم ما قاله. ذكرت له كيف أن عمي، وهو جندي أميركي في الحرب العالمية الثانية، روى لي ما شاهده عند دخوله معسكرات الاعتقال في ألمانيا النازية. ساعدتني قصصه ومذكرات «آن فرانك» التي قرأتها في المدرسة الثانوية على فهم الصدمات التي تعرض لها الإسرائيليون والتعاطف مع مخاوفهم. لكنني حذرته من أن هناك شعباً آخر لديه أيضاً تاريخ من الصدمات، وأن ما يراه الفلسطينيون يلعب دوراً يعيد إليهم كابوس النكبة. يجب علينا، أكدت له، أن نكون حساسين لهول وصدمات كلا الشعبين. لكنه رد بغضب، رافضاً ملاحظتي قائلاً إنها «تنطوي على توجيه اتهام مضاد». كنت مذهولاً وغاضباً.
يشعر الإسرائيليون أن معاناتهم فقط هي التي تهم، وأن أي شخص يحاول صرف الانتباه عن هذا الرأي الأحادي هو إما أنه يقلل من شأن ألمهم، أو يدافع عن من يلحقون بهم الضرر. لكن أن يشترك المسؤولون الأميركيون والشخصيات الإعلامية الكبرى في هذا الرأي، فهذا أمر مختلف تماماً. إن الرأي العام في الولايات المتحدة يتغير، حيث أصبح المزيد من الأميركيين يفهمون القصة الفلسطينية ويتعاطفون مع آلامهم.
لكن هذا المنظور الأوسع لم يترسخ بعد في الدوائر السياسية والإعلامية الرسمية. فهم ما زالوا يرون التاريخ من خلال عيون جانب واحد فقط. بالنسبة لهم، فإن حياة ومعاناة الإسرائيليين هي فقط التي تهم، وقد بدأت القصة المأساة الحالية وانتهت في السابع من أكتوبر.