حرية ـ (12/10/2024)
نبيل بومنصف
بلغت مستويات العنف الحربي في الأيام الأخيرة إن عبر المواجهات البرية الحدودية بين إسرائيل و”حزب الله” أو عبر القصف المتوحش الذي لا توفر عبره إسرائيل لا مدنيين ولا بشرا ولا حجرا ولا الطواقم الإسعافية والطبية وحتى المستشفيات، مدى قياسيا في أقل من عشرين يوما منذ اشتعال الحرب “الجديدة” في لبنان.
وكانت هذه الفترة “القياسية” كافية تماما لاختبار ما خشيناه دوما، من تغطية أميركية واضحة وشفافة تماما لهذه الحرب، وأكثر أيضا في جانب أشد خطورة عربية ودولية واسعة ولو ضمنية.
والحال أن “حزب الله” كان أصم أذنيه وضرب عرض الحائط بكل التحذيرات الاستباقية من هذا المناخ الدولي قبل أن ينزاح البركان الإسرائيلي عن غزة ويبدأ الحرب على الحزب ومعاقبة كل لبنان بجريرته على النمط الغزاوي من التدمير والقتل الجماعي. بل إن الحزب لم يرعو عن تخوين كل من رفع صوته تحذيرا من تبدل الأحوال والظروف بعدما أصاب “طوفان الأقصى” من إسرائيل ما عجزت عنه كل جيوش العرب منذ نشؤ الصراع العربي الإسرائيلي، فصار الشرق الأوسط برمته تحت وطأة الثأر الإسرائيلي الذي لا ينضب.
وكان ان مرت ذكرى سنة على انفجار الزلزال فيما إسرائيل تركز دعائم حربها الثانية في لبنان، واللبنانيون على ظن أن لبنان غير غزة، فإذا بليالي الضاحية والجنوب والبقاعين الأوسط والشمالي الموصولة بنهاراتها تحت وطأة الاجتياح المدمر الدامي تفصح عما لا يود اللبنانيون تصديقه من أن “الزمن الأول تحول” وأن لبنان تحت مرمى القاذفات هو صنو غزة ولا فارق وسط شرور الحروب بين منطقة وناس وشعب لا هيكلية دولة لديهم مثل غزة، أو لديهم دولة دستورية معترف بها دوليا مثل لبنان.
لن يستفيق اللبنانيون لمدة طويلة على حقيقة محو السنة الفائتة كل ما كان قبلها ما بين نهاية حرب تموز 2006 واشتعال حرب 2024 لأن أدبيات “الرسميين” اللبنانيين، ولا نقول الدولة اللبنانية التي تعاني من تغييب قسري بل من إلغاء متعمد لرأسها أشد وطأة عليها من الحرب نفسها، كما المجتمع الدولي برمته، لا يزالان يمارسان سياسات الإنكار والمخادعة في ما يتعلق بالتعامل مع الكارثة اللبنانية المتدحرجة من منطلق أدبيات خشبية تعتمد على أسطورة حماية لبنان بالقرار الأممي 1701.
تبرع “الإدارة السياسية” اللبنانية الراهنة، إذا صح وصفها بأنها تدير الأزمة، في تعداد عشرات ألوف الانتهاكات الإسرائيلية لهذا القرار منذ صدوره في آب 2006 فيما لا حاجة بـ”محور الممانعة” إلى التظاهر بالتمسك به ما دام “حزب الله” أعلن مرات ومرات افتخاره بفتح “جبهة المشاغلة والدعم” من جنوب لبنان في اليوم التالي لعملية “طوفان الأقصى” مطيحا تماما بالقرار إياه بلا رفة جفن.
الجاري الآن في طوفان الدمار والدماء والتهجير والكارثة الآخذة في التدحرج على لبنان، لم يعد يبيح التمادي في الإنكار والتكاذب والاحتماء وراء المعادلات التي ماتت وذهبت أدراج الحرب الطاحنة. وذلك يعني أن ما بقي من القرار 1701 فقط هو الإطار الشرعي الدولي لوجود قوات اليونيفيل المحتمية في ملاجئها، ولا شيء آخر وسط فظائع الحرب.
انبرت إسرائيل إلى استفزاز واختبار إرادات الدول المشاركة في اليونيفيل. الرهان على القرار “الراحل” كمن “يحيي العظام وهي رميم”، ولكن الحاصل راهنا أن ثمة لي ذراع بين إسرائيل والمجتمع الدولي بدأ مع الاعتداء على اليونيفيل. رب ضارة نافعة ولكن حذار ان تكون رصاصة الرحمة على القرار الأممي وحاميته لأن وقائع الحرب والمجزرة المتدحرجة في لبنان أقسى من أن تحمل اللبنانيين على توقع انهيار القرار 1701 ومعه الجنود حماة راية السلام.