حرية ـ (15/10/2024)
رفعت إيران الراية الحمراء والمكتوب عليها “يا لثارات الحسين” فوق قبة مسجد جككران في مدينة قم المقدسة لدى المذهب الشيعي في العالم، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران. وهذا العلم هو راية الثأر التي رفعت أيضاً بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني في بغداد عام 2020. وبعد رفع العلم توعّد المرشد الإيراني علي خامنئي إسرائيل بالقول “من واجب إيران الانتقام لاغتيال هنية”.
معنى اللون الأحمر في إيران
الأحمر هو أحد ألوان الهوية الوطنية الإيرانية ويرمز إلى دماء الذين قتلوا في سبيل قيام النظام ويرمز أيضاً في الثقافة الشعبية إلى الشجاعة في القتال، وهو كذلك أحد ألوان العلم الإيراني ويأتي تحت اللونين الأخضر الدال على الإسلام، والأبيض الذي يرمز إلى السلام. ويقال إنه في الثقافة الفارسية القديمة السابقة على إيران الصفوية التي اعتمدت المذهب الشيعي ديناً لها في القرن الـ 14، كانت ترفع الراية الحمراء من دون كتابات عليها فوق منازل أصحاب الدم أي أهل المقتول من دون وجه حق، ولا تنزل إلا بعد الأخذ بالثأر أو الوصول إلى تفاهم بين أهل القتيل وأهل القاتل والتعويض بفدية يتفق عليها، وما زالت هذه العادة سارية في بعض المناطق الإيرانية الريفية.
وخلال الأعوام الماضية، رفعت الراية الحمراء في مسيرات تشييع قيادات وعلماء إيرانيين اغتالهم “الموساد” الإسرائيلي، ومن بينهم قيادات كانوا يحضرون تشييع الرئيس إبراهيم رئيسي عند وقوع تفجيرات كرمان التي أودت بحياة عشرات الإيرانيين الذين قدموا لحضور التشييع. ورفعت أيضاً فوق قباب المساجد والعتبات إشارة إلى الحزن الوطني وواجب الانتقام في مناسبات مختلفة. والراية الحمراء ترفع سنوياً في شهر محرم وفق التقويم الهجري، إذ تقام مجالس العزاء بمقتل الإمام الثالث عند الشيعة الحسين بن علي بن أبي طالب في معركة تاريخية وقعت قبل ما يقارب 1400 عام في معركة كربلاء سنة 680 أو 61 هجرية أمام جيش يزيد بن معاوية.
ولكن بعد مرور كل هذا الوقت، لم تعُد العبارة تعني الثأر بالمعنى المادي للانتقام المباشر، وإنما باتت رمزاً لإقامة العدالة ونصرة المظلومين وذات أبعاد تتناول غضب الجمهور وحقن هذا الغضب بواسطة الراية ولونها وشعارها المكتوب عليها، فتعوض الشارة وحدها غضب العامة وطلبهم للانتقام وتدل عليه. وتكرس الأمر في إيران بعدما باتت الممثل السياسي والديني لعدد كبير من الشيعة في العالم.
مميزات الرايات الحمراء
يرى العلماء أن طول موجات الضوء الأحمر، هو ما يفسِّر قدرته على الوصول إلى البصر ومنه إلى الدماغ، أكثر من بقية الألوان، بخاصة خلال ضوء النهار. فاستعداد الدماغ للترحيب بالموجات الأطول من غيرها، هو ما يجعل اللون الأحمر أقدر من غيره على إثارة الانتباه. وهذه الحقيقة العلمية اكتشفها الإنسان منذ قرون طويلة بالفطرة وبالتجربة، قبل ظهور أدوات القياس والاختبار الحديثة.
وللون الأحمر تأثيرات واضحة في الإنسان، فيسرع التنفس ونبض القلب ويرفع مستوى ضغط الدم. ولهذا السبب تم استخدام اللون الأحمر للرايات التي تعلن عن أمر مهم أو يجب إثارة الانتباه إليه، فصار اللون الأحمر جزءاً من الأعلام الوطنية لمعظم دول العام وكذلك في إشارات السير على الطرق وفي الأدوات الكهربائية.
عبر التاريخ، يقال إن الراية الحمراء كانت إحدى الرايات الرئيسة الظاهرة في غزوات المسلمين في بداية ظهور الدين الجديد. وخلال الحملات الصليبية، كان يستخدم الصليب الأحمر على خلفية بيضاء كرمز للقوى الغربية التي شاركت في تلك الحروب.
ثم استخدم العلم الأحمر رمزاً للثورة ضد الملكية والإقطاعية في الثورة الفرنسية، ومن بعدها بات مرتبطاً بالثورات والحركات الثورية حول العالم. ومنها الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 بقيادة الحزب الشيوعي، واستخدم لاحقاً كعلم للاتحاد السوفياتي، وكذلك في العلم الصيني حتى اليوم بعد ثورة ماو تسي تونغ الشيوعية وهو صاحب الكتيب الأحمر الشهير الذي يحفظه كل أعضاء الحزب الشيوعي الصيني عن ظهر قلب. ثم جعلته حركات شيوعية عدة حول العالم رمزاً لها بسبب ارتباطه بالأفكار الثورية والنضال الطبقي. واستخدم اللون الأحمر في علم الجمهورية الإسبانية الثانية التي قامت في الفترة بين 1931 و1939. وهناك بعض الدول العربية التي استخدمت اللون الأحمر في أعلامها ومنها علم المملكة المغربية والعلم التونسي. وفي أوروبا يشتهر علم الدنمارك وهو أقدم علم وطني في العالم، باللون الأحمر يتوسطه صليب أبيض.
اللون الأحمر الاجتماعي
يشير اللون الأحمر غالباً إلى الدم الذي لو نزف من جسم الإنسان أدى إلى موته، وعليه يكون من يبذل دمه فداء لقضية ما كأنه يقدم تضحية ثمينة في سبيلها، ولهذا بات الأحمر مثالاً للتضحية والنضال من أجل قضية معينة سواء في الحروب أو الثورات. وهو يرمز في كثير من الثقافات الإنسانية إلى الشجاعة والقوة. واستخدمته الجيوش والقبائل كرمز للقوة العسكرية والتفاني في الدفاع عن الأرض والمبادئ. وفي بعض المناسبات التاريخية كانت الراية الحمراء تُستخدم كتحذير. وخلال الحروب البحرية، كانت تُرفع كرمز لإنذار العدو بأن الهجوم سيكون بلا رحمة، وهو ما يسمى “الراية الحمراء” عند القراصنة، للإشارة إلى أنهم لن يتركوا أحياء من بين الناجين. وفي ميادين المعارك كانت الرايات الحمراء تُستعمل للتمييز بين الجيوش أو المجموعات القتالية. على سبيل المثال، في بعض الحملات الصليبية، كانت الألوان المختلفة للرايات تُستخدم لتمييز القوات الصليبية عن بعضها بعضاً، والراية الحمراء كانت تحمل دلالات خاصة. وكانت الجيوش التقليدية تتقاسم اللونين الأحمر والأبيض في مواجهة بعضها بعضاً للتمييز بين المقاتلين في خضم القتال والمواجهات وجهاً لوجه بالسيوف.
يمكن القول إن الراية الحمراء تميزت عبر التاريخ بسبب معانيها العميقة المرتبطة بالشجاعة والتضحية والنضال وحتى الرحمة أو عدمها في بعض الأحيان.
وفي عصرنا الراهن، يُستخدم اللون الأحمر في كثير من المجالات لجذب الانتباه، نظراً إلى قوته البصرية ورمزيته العالمية المرتبطة بالخطر والتحذير والطوارئ. فاللون الأحمر أساسي في إشارات المرور منذ اختراعها، ليدل على معنى “قف” لأنها توحي بضرورة التوقف الفوري. وباتت تستخدم اللافتات الحمراء للإشارة إلى الأخطار المحتملة أو التحذيرات على الطرقات أو في المواقع الصناعية كما في أجهزة إنذار الحريق حمراء اللون لأنها ترمز إلى الخطر وتلفت الانتباه بسرعة. ويكون لون طفايات الحريق حمراء للسبب نفسه. أما في المصانع أو في الأماكن التي تتطلب الحذر، تكون أزرار الإيقاف الطارئ حمراء، أو الأزرار ذات الأهمية القصوى كما هو زر إطلاق الصواريخ النووية الذي يكون تحت سلطة رئيس الدولة النووية كما تعرضه الأفلام السينمائية الأميركية.
وتستعمل المصابيح الحمراء للإشارة إلى الطوارئ وطلب الطريق لسيارات الإسعاف والإطفاء على سبيل المثال، وفي ملابس فرق الإنقاذ أو الفرق الطبية العسكرية، وهو لون الصليب والهلال ونجمة داوود الحمراء التي تعمل على انتشال القتلى والجرحى في الحروب.
واللون الأحمر بات مهماً في أسواق الأسهم والبورصة وفي الرسوم البيانية المالية، ويُستخدم للإشارة إلى انخفاض الأسهم أو الخسائر المالية، وهو إشارة فورية لجذب انتباه المستثمرين والمضاربين. وفي التطبيقات والبرامج الحديثة، عادة ما تظهر الإشعارات المهمة أو التنبيهات بالأحمر لجذب انتباه المستخدم في الهواتف الذكية أو البريد الإلكتروني أو البرامج المضرة التي تحمل فيروسات بداخلها.
ولا يرتبط اللون الأحمر بالحرب والدم والتضحية فحسب، بل يدل كذلك على بعض العادات الفرحة والأعياد مثل عيد الميلاد السنوي أو عيد الحب في الزينة والهدايا لجذب الانتباه وإضفاء جو من الفرح والدفء. فاللون الأحمر يحمل قدرة كبيرة على جذب الانتباه نظراً إلى قوته البصرية وارتباطه النفسي بالخطر أو الحاجة للتصرف الفوري، لذلك يستخدم على نطاق واسع في حياتنا اليومية. وهو في التقاليد والفلكلور يرمز إلى القوة والشجاعة والحب، وفي الطبيعة يستخدم كإشارة للحذر والجذب، بينما في الفيزياء يرتبط بالأطوال الموجية الطويلة والطاقة المنخفضة نسبياً. وفي الكيمياء يظهر في مركبات مثل أكاسيد الحديد، وفي الطاقة هو مؤشر على الحرارة. أما في جسم الإنسان، فيبرز في لون الدم والهيموغلوبين.
فيديل سبيتي