حرية ـ (19/10/2024)
قبل بضعة أسابيع أظهرت صورة للنائبة الأميركية عن كولورادو، لورن بويبرت، وشماً فوق خصرها لقي تعليقات مختلفة من قبل الأميركيين، بين من فاجأه الوشم على افتراض أن السياسيين لا ينقشون الوشوم على أجسادهم، ومن وجده طبيعياً يتماشى مع الموضة السائدة بين الأجيال الجديدة، ويتعلق بالحرية الفردية التي تتيح لكل شخص التصرف بجسده كما يحلو له، فيما أبدى فريق ثالث دعمه لبويبرت خصوصاً من النساء الذين اعتبروا وشمها تحدياً للتقاليد المتفق عليها عامة في مظاهر الشخصيات السياسية التي تبدو في العادة جادة وتقليدية.
هناك أيضاً من قال إن هذه المرأة العاملة في المجال العام تتشبه بأبناء العصر الرقمي الذين باتوا يجدون الوشم وسيلة شخصية للتعبير عن آرائهم وأفكارهم، من دون التوقف عند التصنيف الاجتماعي الذي كان سائداً حول أصحاب الوشوم والذين كثيراً ما صنفوا كخارجين على المألوف في معظم المجتمعات الحديثة.
وشوم السياسيين ومعانيها
ما أثاره وشم سيدة تعمل في المجال السياسي من ردود فعل في الولايات المتحدة الأميركية يلقي الضوء على السياسيين الذين رسموا الوشوم على أجسادهم، وبعضهم يبديها ظاهرة لإيصال رسالة ما إلى الجمهور، وآخرون يتركونها مخفية وخاصة بهم، لكن البحث أفضى إلى أن ساسة كثراً في الولايات المتحدة وفي العالم يمتلكون وشوماً على أجسادهم، إذ يواكبون موضة الوشوم المنتشرة عالمياً بين المراهقين والمشاهير والمغنين ولاعبي كرة القدم وغيرها من الرياضات، ومنهم سياسيون قدماء كانت وشومهم خاصة بهم مثل جورج شولتز وزير الخارجية في عهد رونالد ريغان الذي رسم وشم نمر برينستون على ظهره.
وقبله كان الرئيس جون كينيدي رسم وشمين على ذراعيه العلويين أثناء خدمته في الأسطول البحري خلال الحرب العالمية الثانية، ويقال إنه كان فخوراً جداً بهما، إلا أن السيدة كينيدي لم تحبهما كثيراً، ويقال إنه أزالهما خلال مرحلة لاحقة قبل أن يغتال.
على ساق لاعب كرة القدم الإسباني إيكر مونياين، بوينس آيرس، 9 سبتمبر 2024
وقبل مدة قصيرة كشف عضو الكونغرس الأميركي غريغ لاندسمان عن وشم هو عبارة عن آية من الكتاب المقدس مكتوبة بالعبرية على أحد كتفيه، وترجمته “اعمل بالعدل، أحب الرحمة، وسر بتواضع مع إلهك”.
أما عضو الكونغرس الديمقراطية روزا ديلاورو فقد رسمت في سن الـ 80 وشم وردة أعلى ذراعها، وكذلك فعل السيناتور الأميركي جون فتيرمان المعروف بوشومه التي تمثل جزءاً من شخصيته غير التقليدية والتي تجذب انتباه الجمهور إلى مظهره الخارجي، أما وشومه الواضحة على ذراعيه فتحمل تواريخ لحوادث قتل عنيفة وقعت في مدينة برادوك عندما كان يشغل منصب رئيس البلدية، وقال فيترمان في مناسبات مختلفة إن وشومه تحمل رسائل اجتماعية واضحة وليست مجرد زينة.
ومن السياسيين الشباب تبين أن لدى رئيس وزراء كندا جاستن ترودو وشماً يمثل أحد الطيور الكندية الوطنية محاطاً برسم للكرة الأرضية، وكان الطائر المرسوم محل احتفاء الشعوب الكندية القديمة، وكأن ترودو يعبر عن احترامه وتقديره لثقافة السكان الأصليين، ويعكس طابعه العالمي وتقديره للتراث الكندي، ولهذا اعتبر أحد محللي وشوم السياسيين الجدد أن الوشم يمكنه أن يكون وسيلة دعائية سياسية تظهر مواقف السياسي أو مبادئه العامة وتتوجه إلى جمهور معين من مواطنية أو إلى الجمهور العام.
العاملة في الشأن العام والحقل السياسي الأميركي برادلي مانيغ، وهي متحولة جنسياً ومحللة استخبارات سابقة في الجيش الأميركي، نقشت بدورها وشوماً عدة على ذراعيها وظهرها لتؤكد هويتها كامرأة متحولة جنسياً، ونضالها من أجل العدالة بعد القضية الشهيرة التي تناولتها خلال الأعوام الماضية حول تسريب معلومات.
ومن السياسيين القدماء عرف عن الرئيس الأميركي تيودور روزفلت أنه رسم وشوماً عدة على جسده، ولكنه كان يبقيها غير ظاهرة للجمهور على العكس السياسيين الجدد الذين يقدم بعضهم على رسم الوشم من أجل إظهاره على مرأى الجميع.
وقام الباحث الأميركي مات لودر من “جامعة إسيكس”، وهو متخصص في تاريخ الوشوم، بتقديم لمحة عن السياسيين الموشومين، وكان مما اكتشفه هذا الباحث أن عدداً من أعضاء مجلسي اللوردات والعموم في بريطانيا نقشوا وشوماً على أجسادهم بعد فتح اليابان أمام الغرب عام 1858.
وأضاف أنه أصبح من الشائع الحصول على وشوم التنين والعناكب والأحرف الأولى من الأسماء في تلك الفترة، وتناولت الصحف حينها هذه الأوشام على صفحاتها إما نقداً أو قبولاً.
ومما جاء في بحثه أن أول شخصية ملكية معروفة بحصولها على وشم كان الملك إدوارد السابع الذي أُرسل عام 1860 إلى القدس حيث حصل على وشم صليب القدس.
أما أولاده جورج وألبرت فقد حصلوا على وشوم في اليابان، أحدهما لرسم النمر الآسيوي والآخر لطائر الكركي الراقص، وكتب الأمير جورج في مذكراته أن الوشم استخدم “بإبر دقيقة جداً، ولم نجد الوخز مؤلماً على الإطلاق”.
ويقول الباحث لودر إن أول مكان متخصص برسم الوشوم في العالم الغربي كان في نيويورك عام 1859 حين بدأ سكان المدينة الطامحون في الصعود الاجتماعي بالحصول على وشوم.
تبدل النظرة إلى أصحابها
باتت الوشوم السياسية طريقة للفت الانتباه والتعبير عن شخصية السياسي ووسيلة لجذب المؤيدين الذين قد يلجأون إلى اعتماد الوشم نفسه تأكيداً على تأييدهم وحملهم لقضية زعيمهم أو قائد جماعتهم أو مدرب فريقهم الرياضي، ففي بعض الأحيان يكون الوشم إشارة إلى الانتماء لجماعة معينة، سياسية أو اجتماعية أو فنية أو رياضية، أو جماعة خاصة كسائقي الدراجات النارية المتنقلين على الطرق، وهذا يعكس تبدلاً في المعايير الاجتماعية حول مظهر الشخصيات العامة وقبول أصحاب الوشوم عموماً، وكسر الصور النمطية عن السياسيين كخريجين لأهم الجامعات، والذين يتميزون بالتهذيب والالتزام بالقواعد الاجتماعية التقليدية، وتحديداً في العصر الرقمي الحالي الذي يعتبر علماء اجتماع وعلماء نفس كثيرون أن المراهقين هم من يسيطرون عليه.
على إحدى يدي لاعب التنس البرازيلي السابق غوستافو كويرتن، 5 سبتمبر 2024
أما الاختلاف الذي نتحدث عنه فسببه أن النظرة إلى الوشم لدى عموم الناس في أغلب المجتمعات خلال القرن الـ 20 كانت بشكل عام تعتبر مرتبطة بالطبقات الاجتماعية الدنيا والعصابات والأشخاص المتمردين على عائلاتهم أو مجتمعاتهم، ولذلك كان يُنظر إلى الوشوم بارتياب أو سلبية، بخاصة عندما يتعلق الأمر بالشخصيات العامة والسياسيين المطلوب منهم أن يظهروا بمظهر تقليدي محافظ يعكس الالتزام بالقيم السائدة، لذلك فإن السياسيين أصحاب الوشوم كانوا يميلون إلى إخفائها أو عدم الحديث عنها علناً كي لا تتعارض مع التوقعات الاجتماعية بأن يكونوا نماذج للسلوك المهني والمحترم. ولا بد من الإشارة إلى أن المجتمعات الغربية ومعظم المجتمعات الإنسانية في القرن الـ 20 وقبل نهاياته كانت أكثر محافظة اجتماعياً ودينياً، وكانت التقاليد تلعب دوراً كبيراً في تشكيل مظهر وسلوك الشخصيات العامة.
ويمكن للوشوم أن تكون تعبيراً عن انتماء لجماعات معينة مثل جماعات موسيقى “الروك” و”البانك” و”الميتاليك” و”الهيفي ميتال”، أو جماعات “البايكر” الذين يعيشون فوق دراجاتهم النارية متنقلين من مكان إلى آخر، وهناك وشوم لبعض الحركات الاجتماعية مثل المثليين والمثليات أو المدافعين عن البيئة في منظمات مثل “غرينبيس” أو في أحزاب سياسية أو جماعات عسكرية.
وأسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في العصر الرقمي الحالي بتعزيز قبول الوشوم فباتت الشخصيات العامة بما في ذلك السياسيين يظهرون وشومهم بصورة علنية كجزء من هويتهم الشخصية، ومن جهة ثانية صارت وسائل الإعلام أكثر تقدماً ووعياً وتنوعاً وتقبلاً للأشكال المختلفة من التعبير عن الذات.
العلامة التجارية الشخصية
لكن الوشم الطارئ على عوالم السياسيين والذي كان يبدو في البداية ككسر لقواعد متعارف عليها عن صور السياسي الجاذبة، وأصبح أيضاً مرتبطاً بالعلامة التجارية للمشاهير من مختلف الأنواع، وارتبط بالتسويق والاستهلاك، فهناك عدد من المشاهير أصحاب الوشوم يربطونها بالعلامة التجارية الخاصة بهم، مثل مغنين كريهانا وليدي غاغا، ولاعبي كرة قدم مثل ديفيد بيكهام وليونيل ميسي، وغيرهم كثير من المشاهير الذين يشعرون بأن الوشم يعزز هويتهم الفردية، ويخلق ارتباطاً بينهم وبين جمهورهم مما يسهم في تعزيز ورفع قيمة علامتهم التجارية الخاصة.
وبما أن الجمهور يتأثر كثيراً بالمشاهير فيسعى إلى تقليدهم أو تبني أسلوب حياتهم مما يجعل الوشم جزءاً من إستراتيجية الماركات التي تعتمد على الهوية الفردية والتمرد والإبداع عبر استخدام المشاهير وأجسادهم لعرض هذه العلامات التجارية.
وشمت المغنية الأميركية ريهانا وشوماً عدة على جسدها المطلوب بشدة في عالم الاستعراض الموجه إلى المراهقين، ومن أشهر وشومها “الإلهة إيزيس” الذي رسمته على صدرها وقالت إنه تكريم لجدتها.
الممثلة أنجلينا جولي معروفة بوشومها، ومنها وشوم المعلومات عن الأماكن التي وُلد فيها أطفالها
والإلهة “إيزيس” هي رمز للأمومة والخصوبة في الأساطير المصرية القديمة، والأمر نفسه ينطبق على نجم كرة القدم الإنجليزي الشهير ديفيد بيكهام الذي ملأ جسده بعدد كبير من الوشوم أشهرها أسماء أبنائه وبناته، وورسوم لأيقونات دينية مثل صورة يسوع المسيح.
الليدي غاغا المختلفة بشخصيتها وأدائها ومواضيع أغانيها تمتلك بدورها عدداً من الوشوم الفنية المعبرة، ومن بينها وشم عن قصيدة للكاتب الألماني ريلكه على ذراعها الأيمن، أما المغني الذي انطلق في بدايات عصر المراهقين الحديث جاستن بيبر فقد وشم الصليب على صدره وكلمة “إيمان” باللغة الإنجليزية على ذراعه.
الممثلة أنجلينا جولي معروفة بوشومها أيضاً، ومنها وشوم المعلومات عن الأماكن التي وُلد فيها أطفالها والتي وشمتها على ذراعها، أما الممثل الأميركي الشهير جون ديب فقد وشم اسم ابنته “ليلي روز” على صدره، و”تاتو” للغراب على ذراع، وكذلك الممثلة سكارليت جوهانسون حيث يظهر وشم على ظهرها يمثل رسماً لشروق الشمس، ووشم ورود على معصمها.
أما الأسطورة الكروية الأرجنتيني ليونيل ميسي فقد رسم صورة والدته على كتفه، ورسم وشماً لاسم ابنه “تياغو” على ساقه، وكذلك رفيقه البرازيلي نيمار الذي رسم كلمة “الإيمان” على رقبته وصورة ابنه “دافي لوكا” على ذراعه.
زلاتان إبراهيموفيتش رسم بدوره أسماء عائلته على جسده، إضافة إلى وشم أسد يعبر عن قوته فوق ظهره.
ماركات الملابس مثل “ديزل” و”إد هاردي” استلهمت الوشوم في تصاميمها، وقدمت مجموعات من الملابس المستوحاة من أنماط وشوم تقليدية وحديثة، وكذلك فعلت بعض الشركات في صناعة التجميل والعناية بالبشرة، إذ بدأت تقدم خدمات متعلقة بالوشوم مثل شركات “إزالة الوشوم بالليزر” أو وشوم “الماكياج الدائم” مثل الحواجب ووشوم الشفاه التي باتت موضة عالمية، وقليلات هن النسوة اللواتي لم يستفدن منها.
فيديل سبيتي