حرية ـ (24/10/2024)
في وقت مضى كان المستهلكون يبحثون عن ردود الفعل على منتج ما من خلال طلب التوصيات من العائلة والأصدقاء، وعلى رغم أنه لا يزال بعضهم يعتبر الكلام المنقول شفهياً أمراً قيماً، فإن المستهلكين المعاصرين يسعون في كثير من الأحيان إلى الحصول على هذا النوع من ردود الفعل على نطاق واسع من خلال قراءة المراجعات.
إن التقييمات التي تكتشف في هذه المراجعات لها تأثير كبير في سلوك الشراء، وتخبرنا الأبحاث أن المراجعات أصبحت العامل الأكثر أهمية الذي يؤثر في قرارات الشراء.
ذكاء المستهلك الفطري
فهذه المراجعات التي يمكن أن ترفع من قيمة المنتج أو الخدمة إن كانت إيجابية، يمكنها أن تصبح أيضاً مصدر تحد للشركات، إذ تجد التعليقات السلبية طريقها إلىGoogle Review وTripAdvisor وTrustpilot وYelp، إذ ينفس بعض العملاء عن غضبهم واستيائهم من المنتج أو الخدمة، في وقت تحاول شركات كثيرة تجميع وشراء المراجعات الإيجابية بغرض بيع منتجها أو خدمتها وتجنب التقييم السلبي.
ويقول الأستاذ المشارك في كلية لازاريديس للأعمال والاقتصاد بجامعة ويلفريد لورييه المتخصص في سلوك المستهلك والاتجاهات براد ديفيس “إن آراء العملاء هي بوضوح أداة تسويقية جيدة”، ويحذر من أن “الشركات التي تحاول تكديس مراجعاتها بمراجعات إيجابية يمكن أن تدفع ثمناً باهظاً بسرعة”، مشيراً إلى أن الأبحاث تظهر أن المستهلكين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة يتمتعون بذكاء كبير عندما يتعلق الأمر بتحليل المراجعات.
ويتابع ديفيس “إنهم قادرون بسهولة على تصفية المراجعات التي يكون فيها الأشخاص كثيري الشكوى أو المراجعات المتوهجة التي تشير بوضوح إلى أنها من تأليف شخص متخصص في العلاقات العامة، لقد طوروا هذا الفلتر الفطري الذي يمكن أن يقلل من تأثير كثير منها”.
حقيقة أم تكتيك ترويجي؟
وعلى رغم وجهة النظر هذه المتفائلة بذكاء المستهلك، إلا أن صدقية التقييمات على الإنترنت أصبحت مصدر قلق متزايد، إذ طمس الخط الفاصل بين التوصيات الحقيقية والتكتيكات الترويجية، مما أدى إلى فقدان الثقة في التقييمات بصورة عامة. ولذلك أصبحت الأداة المصممة لتوفير الشفافية أرضاً خصبة للخداع، مما يسبب الشكوك بين المستهلكين، فيكفي أن تقوم بإجراء بحث إخباري على “غوغل” عن المراجعات المزيفة لترى أن صدقية المراجعات وموثوقيتها أصبحت موضع تساؤل.
فالسوق أصبحت مليئة بالشركات التي تحاول خداع المستهلكين من خلال نشر أو شراء تقييمات مزيفة، وتبيع آلاف المنظمات الاحتيالية تقييمات مزيفة، ويستخدم عدد من الشركات تكتيكات لقمع التقييمات السيئة حتى لا يعرف المستهلكون القصة الكاملة عن المنتجات أو الخدمات التي أضافوها للتو إلى عربة التسوق عبر الإنترنت.
وفي حين لا تتسبب التقييمات المزيفة في تكبد المستهلكين للمال والوقت فحسب، بل إنها تضر أيضاً بسمعة الشركة وتقوض ثقة المستهلكين في العلامات التجارية، ولهذا السبب تستثمر منصات التقييمات وتجار التجزئة بصورة كبيرة في التكنولوجيا والموظفين لإزالة ملايين التقييمات المزيفة كل عام.
سماسرة المراجعات المزيفة
وبينما تعمل بعض الشركات على شراء المراجعات المزيفة لغايات ربحية قصيرة المدى ومضرة لها على المدى البعيد، يقوم عدد من الشركات الأخرى على وقف المراجعات المزيفة، بما في ذلك استخدام تكنولوجيا التعلم الآلي المتقدمة لتحليل المراجعات للتأكد من صحتها.
لكن المشكلة لا تزال قائمة عبر الإنترنت وتزداد بسبب صناعة “سماسرة المراجعات المزيفة”، إذ يمكن أن يكون سماسرة المراجعات المزيفة، أو أولئك الذين يحصلون على المراجعات المزيفة ويوزعونها، أفراداً يعملون بمفردهم أو بائعي منتجات أو شركات تنتحل صفة خدمات تسويقية مشروعة تشرك المستهلكين في كتابة المراجعات وإرسالها.
وتستخدم مواقع المراجعات المزيفة الأخرى تكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي لكتابة المراجعات المزيفة وتعبئتها بسرعة، وغالباً ما يعتمد السماسرة الذين يستخدمون أشخاصاً حقيقيين على مجموعات دردشة عامة كبيرة، مثل تلك الموجودة على “فيسبوك” للعثور على “هو مستعد لكتابة المراجعات” في مقابل منتجات مجانية أو تعويض، وفقاً لبحث من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.
واتخذت الشركات التي استهدفتها التقييمات المزيفة إجراءات لمعالجة المشكلة بنفسها، على سبيل المثال منعت وحدة مكافحة جرائم التزوير التابعة لشركة “أمازون” 200 مليون تقييم مزيف من الوصول إلى المستهلكين واتخذت إجراءات قانونية ضد 94 جهة سيئة، وشمل ذلك مقاضاة المسؤولين عن المجموعات التي تحصل على تقييمات مزيفة، بما في ذلك تلك التي تعمل خارج الولايات المتحدة.
القاعدة النهائية
ومع ذلك فإن وقف التقييمات المزيفة ووسطاء التقييمات المزيفة سيتطلب إجراءات متزايدة من صناع السياسات العالميين ومجموعات الصناعة والمدافعين عن المستهلكين.
لذلك أعلنت لجنة التجارة الفيدرالية (FTC)، هي وكالة مستقلة تابعة لحكومة الولايات المتحدة الأميركية، وتتمثل مهمتها الرئيسة في إنفاذ قانون مكافحة الاحتكار المدني الأميركي وتعزيز حماية المستهلك، القاعدة النهائية التي ستحارب التقييمات والشهادات المزيفة من خلال حظر بيعها أو شرائها والسماح للوكالة بالسعي إلى فرض عقوبات مدنية ضد المخالفين المدركين.
وقالت رئيسة اللجنة لينا خان، “إن المراجعات المزيفة لا تضيع وقت الناس وأموالهم فحسب، بل إنها تلوث السوق وتصرف الأعمال بعيداً من المنافسين الصادقين. فمن خلال تعزيز مجموعة أدوات لجنة التجارة الفيدرالية لمكافحة الإعلانات الخادعة، فإن القاعدة النهائية ستحمي الأميركيين من التعرض للخداع، وتنبه الشركات التي تتلاعب بالنظام بصورة غير قانونية، وتروج للأسواق العادلة والصادقة والتنافسية”.
خطوة ضرورية
وتحظر القاعدة على وجه التحديد التقييمات والشهادات المنسوبة لأشخاص غير موجودين أو تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، أو أشخاص ليست لديهم خبرة في العمل أو المنتج أو الخدمات أو يحرفون تجربتهم، كما تحظر على الشركات إنشاء أو بيع التقييمات أو الشهادات، إذ ستعاقب الشركات التي تشتري عن علم تقييمات مزيفة أو تحصل عليها من أشخاص من داخل الشركة أو تنشر تقييمات مزيفة.
وتحظر القاعدة أيضاً على أي شخص بيع أو شراء مؤشرات وهمية للتأثير في وسائل التواصل الاجتماعي، مثل المتابعين أو المشاهدات التي يتم إنشاؤها بواسطة روبوت أو حساب مخترق.
وفي هذا السياق قالت تانيا لامونت الرئيسة التنفيذية لشركة Conversational، وهي خدمة استقبال افتراضية في دالاس بولاية تكساس تضم 20 موظفاً، إن أعمالها تضررت بسبب المراجعات المزيفة التي تقول إن موظفيها غير محترفين ويتعاملون بصورة سيئة مع معلومات العملاء الحساسة، وأدى ذلك إلى انخفاض في استفسارات العملاء الجدد وبعض المخاوف بين العملاء الحاليين.
وفي محاولة للتخفيف من الأضرار، استجابت الشركة لكل مراجعة، وطلبت التحقق من ادعاءات المراجعين وأبلغت المنصات التي نشرت فيها المراجعات. وعلى رغم ذلك أعلنت لامونت أنه “على رغم هذه الجهود، فإن الضرر كان وقع بالفعل، مما أدى إلى انخفاض موقت ولكنه كبير في إيراداتنا”. وأضافت أن حملة لجنة التجارة الفيدرالية خطوة ضرورية للغاية للشركات مثل شركتها التي تعتمد على سمعتها عبر الإنترنت لجذب العملاء والاحتفاظ بهم، وتابعت “إننا نأمل في أن يساعد تطبيق القانون بصورة أقوى في حماية الشركات من الأضرار الناجمة عن هذه الأعمال الخبيثة”.