حرية ـ (17/11/2024)
كما لو أن نساء العالم غير مدركات أساساً لمدى قلة احترام الرجال لهن ولحقوقهن الإنسانية الأساسية، اختار نيك فوينتيس المؤمن بتفوق العرق الأبيض وصديق دونالد ترمب أن يطلق ومن دون تردد تصريحه الرنان على منصة “إكس” في ليلة الانتخابات “جسدُك رهن إرادتي، إلى الأبد”.
بعد ذلك، تطورت هذه الكلمات المرعبة بما فيها الكفاية وحدها (مع أنها ليست المرة الأولى التي ينطق فيها الرجل بهذه الجملة المؤذية) إلى مستوى جديد من التهديد فيما أخذ الشباب والفتيان- سواء في الولايات المتحدة أم خارجها- يرددون هذه الرسالة الكارهة للمرأة في الفضاء الإلكتروني. وما تراه يردعهم عن فعل ذلك؟
ففي نهاية المطاف، خارج حدود منصة إيلون ماسك (ما من تضارب مصالح أبداً هنا)، واجه الرئيس المُنتخب نفسه اتهامات بالاعتداء الجنسي من 26 امرأة في الأقل منذ سبعينيات القرن الماضي. والمُحبط في الأمر أن أمة كاملة من الرجال والنساء اختارت مع ذلك أن تعيد انتخاب الرجل نفسه الذي أدانته هيئة محلفين بالاعتداء الجنسي على الكاتبة إي جين كارول داخل متجر في تسعينيات القرن الماضي. ودعونا لا ننسى أيضاً تصريحه المُسجل الذي قال فيه إنه يحب “إمساكهن من أعضائهن” (في إشارة إلى النساء).
وهذا هو ردنا على الرجال أمثال فوينتس: إن الأشخاص السذج وسريعي التأثر يسيرون على خطى زعمائهم بصورة عمياء- فإذا لم يترتب على تصرفات ترمب أي تبعات، فبالتأكيد سيفكرون: لماذا يجب أن تكون هناك تبعات لأفعالهم؟
فلنكن واضحين: إن اخترت أن تقتدي برجال مثل “دونالد” فأنت مدرك تماماً لما تفعله. لأن ولاية ترمب الأولى في البيت الأبيض بددت أي مجال للشك والتبرير في ما يتعلق بآرائه حول النساء وبدوافعه.
بدءاً بالتعيينات التي قام بها في المحكمة العليا ووصولاً إلى إلغاء حكم قضية “رو ضد وايد” الذي كرس الحق في الإجهاض وحرمان النساء والفتيات من حقوقهن الأساسية- باتت مواقفه من النساء ومن أجسادنا وتصوره لهدفنا في الحياة واضحة تماماً للجميع، فهو لا يخفيها، وهو غير آسف. والوضع متجه نحو مزيد من التدهور.
سيقول بعضهم إن المراهقين الذين يصورون فيديوهات “تيك توك” في غرف نومهم والعازبين الناقمين الذين يشنون معارك من وراء شاشات الحاسوب لا يشكلون خطراً- وإنهم ليسوا مسؤولين عن وضع السياسات، بخلاف ترمب، وإن كل هذا لا يعدو كونه طيش شباب (“هكذا هم الفتيان”… إلخ). وسيقول آخرون إن هذه “مشكلة أميركا”.
لكن مجرد تلويح بعض الصغار بتهديدات من هذا النوع أساساً يبين مدى خبث وسوء كراهية النساء- ومدى شعور المنحرفين والذين لديهم ميول نحو الاغتصاب والمعتدين في كل العالم الآن بأن كراهيتهم العميقة للنساء تلقى دعماً وتمثيلاً في أعلى المستويات الحكومية.
غالباً ما يقولون لنا إن “الجماعة أمان”- لكن في هذه الحال، أصبحت الجماعة أكبر خطر علينا.
فلتعلموا بأن المُغتصب لا يولد مغتصباً إنما يتحول إلى مُغتصب. وأي فتاة يافعة يمكن أن تخبركم بأن هذا السلوك موجود ويحظى بالتشجيع والتحفيز في عمر مبكر، إلى أن يصبح احتمال الخطر تهديداً حقيقياً على سلامتنا. لدينا معرفة وافية بـ”دعابات غرف تغيير الملابس” والكلام عن “الغزوات” الجنسية وتسريب صور العري والقوائم التي تقيمنا على مظهرنا وأدائنا في السرير- وكل هذا قبل أن نصل بالحديث إلى الرجال الذين يتصيدون الشابات الثملات في الحفلات أو يضعن مخدراً في شرابهن.
وهذه الآراء والتصرفات سائدة وشائعة ويُتعامل معها على أنها طبيعية منذ عمر مبكر لدرجة أنها تلوث نظرتنا إلى أنفسنا حتى. ونشكك من ثم في كل قرار وكل تصرف وحتى في حقنا بالوجود-كما لو كانت متلازمة ستوكهولم ضرب ألف.
وأنا أعتقد فعلاً بأن هذا ما تعانيه نساء كثيرات صوتن لمصلحة ترمب في هذه الانتخابات. أنا لا أؤيد أبداً خيارهن- ولا أريد أن أدافع عن اتخاذهن هذا الخيار، لكنني أعتقد بأن النتائج تعكس كراهية النساء المتأصلة بدرجات متفاوتة داخلنا، ونقص فرص حصول النساء على التعليم والرعاية الصحية في المقام الأول.
وهذا الأمر ينطبق بالتحديد على النساء اللواتي يسكن في بلدات أصغر ومناطق ريفية. فعندما تكون منعزلاً أساساً وبعيداً من وجهات نظر وآراء مختلفة عدة، من السهل جداً أن تتشرب الجو السام وتصبح ثمرة لهذا المحيط. والأمر أشبه بغرف معزولة تردد صدى الأفكار نفسها. وفي غياب أي تأثير خارجي وتشجيع لك على تحسين وضعك وتوسيع آفاقك كي ترى أبعد من هذه القيود المفروضة عليك، تتلقن هذه المفاهيم وتصبح متحدثاً باسم تلك القضية- بغض النظر إن كانت تفيدك.
ويمكنني أن أفهم أيضاً لماذا لجأت نساء أخريات، يشعرن بالخذلان من نتيجة الانتخابات وبالخيانة، إلى منصات التواصل الاجتماعي لكي يقاطعن خصومهن- أو في الحالات المتطرفة كي يتمنين لهن “أن يحصلن على ما صوتن لأجله”. لكن هذا الموقف خطر جداً. فالنساء يُحرض أساساً بعضهن على بعض. وكراهية المرأة المتجذرة موجودة وحقيقية- وإلا لكانت كامالا هاريس هي رئيسة الجمهورية. وليس في إعادة تأكيد هذا التوجه سوى خسارة لنا.
لا أعتقد بأن إرغام النساء المؤيدات لترمب على إنجاب أطفال مغتصبيهن أو وفاتهن بسبب تعقيدات في الحمل”سيعلمهن درساً” أو أنهن “يستحققن ذلك”. ولا أعتقد بأن الرد الوحيد على هذا الكم من الكراهية والعنف الموجه ضد النساء هو التشجيع على مزيد من هذه المشاعر. ولا يجب أن يعتقدن ذلك.
لا شك في أن مسؤولية الدفاع عن حقوقنا يجب ألا تقع على عاتق النساء وحدهن. وفي أي عالم مثالي، لن يتبوأ مجرم مُدان قليل الأخلاق أعلى منصب في أقوى دولة في العالم، ويلغي هذه الحقوق بصورة منهجية.
لكن في ما عدا تثقيف أطفالنا وتربيتهم على تقدير النساء إضافة إلى فضح السلوك المعادي للنساء حيثما نجده، يبدو لي بأن مفتاح التغيير الحقيقي هو أن نتحد ونحاول أن نجعل تلك الناخبات يرين بأم العين لماذا من المهم أن نملك قدرة التحكم بأجسادنا. فمن الأساسي أن يكون لدينا صوت ورأي في شأن حياتنا.
أجسادنا رهن إرادتنا نحن وللأبد.
إيما كلارك