حرية ـ (8/12/2024)
جون سوبيل
هي مرحلة اختبرناها جميعاً. لحظة الافتتان. تلك الفترة في بداية العلاقة حين تصبح عاجزاً عن التفكير في أي شخص آخر، ولا ترغب أن تكون برفقة أي شخص آخر. فكل دقيقة تقضيها من دون الشريك تراها وقتاً مهدوراً، وتجد أنك منتظم في هواياته، فإذا كان هو يحبها، عليك أن تحبها أيضاً.
بصورة عامة هذه هي المرحلة الحالية التي تمر بها أغرب علاقات الصداقة بين رجلين: إيلون ودون.
منذ فوز ترمب بالانتخابات الشهر الماضي، أصبح ماسك شبه مقيم دائم في مارالاغو. حتى إن ترمب نفسه ألقى دعابة حول الموضوع في خطاب له حين قال، “إيلون، يا للأعمال الذي يقوم بها، يا له من عمل. إنه عظيم، ورجل جيد جداً. أتعلمون، إنه يحب هذا المكان. ولا أستطيع أن أجعله يغادر”.
بعد فوز ترمب في الانتخابات أجرى الرئيس المنتخب اتصالاً هاتفياً بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومن شارك أيضاً في الاتصال يا ترى؟ إيلون بالطبع. ومن يشارك في كل الاجتماعات التي يجريها ترمب أثناء عمله على تشكيل حكومته؟ صحيح، صديق ترمب الجديد من وادي السيليكون.
ما عليكم سوى النظر إلى المواعيد المسائية التي يقضيانها معاً. سافر ماسك برفقة ترمب في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لحضور نزال الفنون القتالية المختلطة UFC في حديقة ماديسون سكوير في نيويورك. وسيذكر الزمن الصورة التي نشرت لهما على متن الطائرة وهما يتناولان شطائر بيغ ماك وبطاطا مقلية (ربما أكثر من صور ترمب وهو “يعمل” في ماكدونالدز خلال حملته الانتخابية…). وكان ثالثهما روبرت أف. كينيدي الابن الذي حمل شطيرة برغر بيده، على رغم حربه الشهيرة ضد المأكولات المصنعة.
ثم جاء دور ماسك ليستضيف دون، إذ سافر ترمب برفقته إلى تكساس كي يشهد على إطلاق تجريبي ناجح لصاروخ ستارشيب التابع لشركة “سبايس إكس”. صحيح أن الصاروخ المعزز فشل في العودة إلى منصة الإطلاق، ولم تتمكن تلك الأذرع الميكانيكية القوية والمذهلة تقنياً من إعادة احتوائه – وربما هذا ما سيحل بعلاقتهما، لا حضن دافئاً في المستقبل.
هذا مآل الأمور برأي البعض. وقال أحد أفضل وألمع المعلقين السياسيين في أميركا مايك ميرفي إنهما بمثابة قطتين تتشاركان غطاء وسادة. وإن كان الماضي مقدمة للمستقبل، فانظروا إلى ولاية ترمب الأولى. كم شخص من المقربين منه الذين تولوا مناصب رفيعة في البداية ظلوا حتى النهاية؟ كان في البيت الأبيض باب دوار يدخل منه الناس بابتسامات مشرقة ويكال لهم المديح والثناء وسرعان ما يخرجون منه مطعونين في ظهورهم بعد خلاف مع الرئيس. لكن هذه المرة تختلف. وهذه العلاقة مختلفة. لا شك في أن إيلون لن يظل طويلاً راغباً في مشاهدة مباريات فنون قتالية مختلطة، وفي أن ترمب لن يتمكن طويلاً من التظاهر بالاهتمام بالفيزياء الفلكية. توقعوا دائماً عودة الأشخاص إلى نمطهم الطبيعي.
لكنني أقول إنها مختلفة لأن دونالد ترمب يحب ويريد كثيراً من الأمور التي يمكن لماسك أن يقدمها له وإيلون ماسك يحب الأمور التي سيكون دونالد ترمب قادراً على تأمينها له. يمتلك الاثنان مصلحة ذاتية متبادلة. إنها الأعمال.
أرى ردكم على ما قلته: ليست المرة الأولى في التاريخ التي يستقطب فيها شخص فاحش الثراء اهتمام شخصية في موقع سلطة، ولا هي المرة الأولى التي يسعى فيها شخص يملك أموال قارون لمصادقة شخص في مركز السلطة.
وكثيراً ما حاول أقطاب الإعلام (وعلينا اعتبار ماسك أحدهم) أن يستخدموا صحفهم بغية تحقيق طموحاتهم التجارية والسياسية. فهل يختلف ماسك اليوم مثلاً عن بارون المطبوعات ويليام راندولف هيرست منذ 100 عام، الذي كان يسيطر بصورة مريضة على التغطية السياسية في صحفه؟ أو عن روبرت مردوخ في العصر الحديث؟
يروي جون ميجور أن روبرت مردوخ جاء لرؤيته في داونينغ ستريت وطلب منه أن يغير سياسته المتعلقة بأوروبا وإلا يمكنه أن ينسى دعم صحيفة “ذا صن” له.
ما نراه اليوم مختلفاً كماً ونوعاً. حسب معرفتي، لم يشارك أقطاب الإعلام السابقون في مكالمات مع زعماء أجانب – ولم يتسن لهم أن يقرروا تأليف الحكومة. ولا أذكر أن أحدهم تولى مهمة تغيير شكل الحكومة مثل ماسك، الذي عين على رأس وزارة الكفاءة الحكومية.
وهل كان أي رائد في مجال الأعمال قادراً على الاستفادة إلى هذه الدرجة من قربه من الرئيس؟ يمنح ماسك أساساً عقوداً حكومية تساوي مليارات الدولارات لشركته “سبايس إكس”. كم من المال قد يجني بعد؟ إن قام ترمب بفرض تعريفات جمركية هائلة على السيارات الكهربائية الصينية، فأي مصنع أميركي للسيارات الكهربائية قد يجني أرباحاً طائلة جراء ذلك؟ آسف، عليَّ أن أستبق جوابكم.
وهناك أيضاً مسألة “إكس”. تغيرت المنصة بعد استحواذ ماسك عليها. ما عاد كثر يعدونها مساحة عامة للتحاور وتبادل الأفكار، بل يرون فيها حجرة صدى لمشجعي ترمب – وعاملاً مهماً في انتصار ترمب هذه المرة. إذ يبدو أن الخوارزمية تروج للمحتوى الذي يخدم مصالح الرئيس. والمعلومات الكاذبة منتشرة – ويروج إيلون ماسك نفسه لمعظمها أمام متابعيه الذين يصل عددهم إلى 200 مليون شخص. لا تملك منصة تروث سوشيال التي أسسها دونالد ترمب أي انتشار أو نفوذ مشابه.
وخلافاً لتلك الأيام قبل الإنترنت، حين كان مالك صحيفة ربما قادراً على المساعدة بنشر مقال ودي في بريطانيا أو الولايات المتحدة، يمكن لمنصة “إكس” أن تصل إلى العالم كله. ومن مصلحة ماسك أن يفوز ترمب – والعكس صحيح.
هل هي علاقة بين توأم روح؟ كلا، أبداً. هل هما معجبان ببعضهما بعضاً؟ لا أحد يعلم أو يهتم، لكن طالما تتقاطع مصالحهما، ستستمر العلاقة بينهما. سمى ماسك نفسه “الصديق الأول” (يا للقرف)، لكن هذا المسمى ليس منصباً يكرسه الدستور الأميركي بعد – ولا يمكن لفظه بسلاسة.
في الوقت الحالي تبدو العلاقة حقيقية. وهذا ما يثير سؤالاً أخيراً: هل علينا القلق من رئيس لم يبد أبداً مهتماً بالحدود الأخلاقية بين المصالح السياسية والشخصية، يجعل إيلون ماسك أقوى رجل غير منتخب في أميركا؟ طبعاً علينا أن نقلق.