حرية ـ (11/12/2024)
أعلنت إدارة العمليات العسكرية في المعارضة السورية سيطرة قواتها على “كامل مدينة دير الزور” شرقي سوريا، إضافة إلى مطارها العسكري، بحسب ما جاء على لسان الناطق باسمها حسن عبد الغني.
وأضاف عبد الغني أن السيطرة على المدينة تأتي عقب “تحرير ريف دير الزور الشرقي والغربي، وهروب قوات النظام والميليشيات الإيرانية منها” على حد تعبيره.
وأشار إلى أن مقاتلي المعارضة يواصلون التقدم في مناطق وبلدات أخرى في ريف دير الزور.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أعلنت يوم الجمعة الماضي، سيطرتها على المدينة، بعد ساعات قليلة من قيام قوات حكومية سورية وميليشيات إيرانية متحالفة معها بانسحاب “مفاجئ” من دير الزور.
وأكد مجلس دير الزور العسكري، المنضوي تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، انتشار قواته في مناطق غربي نهر الفرات بمحافظة دير الزور.
إلا أن “قسد” انسحبت من المدينة في وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء، ودخلت إليها إدارة العمليات العسكرية في المعارضة.
ماذا حدث في دير الزور في الأيام الأخيرة؟
شهدت المدينة وأبنائها أحداثاً متسارعة منذ يوم الجمعة الماضي، غلبها التوتر.
ووصلت الأمور إلى أوجها مع انتشار أخبار “انقطاع تام للإنترنت والاتصالات منذ صباح الثلاثاء في جميع أنحاء محافظة دير الزور التي تسيطر عليها “قسد” بعد أيام من التوتر الأمني والسياسي، إثر تصاعد حوادث القتل والاعتداءات ونهب المنشآت الحكومية.
وكانت شهدت المدينة انتشاراً أمنياً واسعاً، مع فرض حظر تجوال وتكثيف الدوريات، عقب تظاهرات طالبت بضبط الأوضاع الأمنية وإنهاء سيطرة قوات “قسد” عليها وضمها إلى مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”.
وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 4 أشخاص على الأقل وإصابة نحو 20 آخرين. وتتهم “قسد” خلايا داعش بالوقوف وراء الأحداث.
وعبّر شابان من دير الزور ويعيشان حالياً خارج سوريا، بعد أن هربا من المدينة قبل سنوات بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” عليها عام 2014 وتحدثت إليهما بي بي سي هاتفياً مساء أمس، عن قلقهما على حياة عائلاتهما في ظل سيطرة “قسد”.
وقال أحدهما، الذي طلب منا عدم ذكر اسمه خوفاً على عائلته، إن “قسد” ترتكب “انتهاكات بحق المدنيين في مدينة دير الزور وإنها سمحت للصوص بسرقة مخازن الأغذية وبعض الدوائر العامة مع أنها كان بإمكانها منع ذلك”. وأضاف أن انتهاكات “قسد” في المدينة تشمل “السلب والنهب وعمليات القتل” على حد تعبيره.
وقال لنا شاب آخر، يدعى محمد علي الناصر، إن قوات “قسد” “استغلت الفراغ الأمني في مدينة دير الزور واستولت بعد دخولها إليها على مستودعات الأسلحة في المدينة والأجهزة المتطورة في مركز اتصالات المدينة، مما عزل المدينة عن العالم”.
وأضاف: “وجود قسد في دير الزور غير شرعي وليس لديهم حاضنة شعبية في المدينة”.
ومن جهته، قال جلال الحمد، وهو محامٍ سوري عاش في دير الزور وهو مدير منظمة “العدالة من أجل الحياة” الحقوقية، في اتصال مع بي بي سي عربي، إنه لا يريد اتهام قسد بـ”سرقة” معدات أجهزة الاتصالات، وذلك ليكون “موضوعياً”، إذ “قالت قسد قبل ذلك إنها تحاول حماية ممتلكات وأجهزة المؤسسات العامة خوفاً من دخول ميليشيات. إذ قد تكون نيتها هي حماية تلك الممتلكات”.
ويضيف: “لكن النتيجة طبعاً واحدة وهي أنه تم قطع الانترنت بشكل كامل عن المحافظة، كان هناك إمكانية صغيرة باستخدام الرسائل النصية، وعادت الشبكة لمدة ربع ساعة صباحاً ثم اختفت، كانت ضعيفة جداً”.
ما تفاصيل الاتفاق السياسي؟
أشار الحمد الذي كان يتابع المفاوضات عن قرب، إلى أنه “تم التوصل إلى اتفاق بين إدارة العمليات وقسد، يقضي بعودة قوات قسد إلى مناطق شرق الفرات في دير الزور، ودخول إدارة العمليات إلى مناطق غرب الفرات أي كل من مدينة دير الزور، مدينة الميادين ومدينة البوكمال”.
وقال لنا إن “الجيش الوطني السوري الذي تديره تركيا، كان يحاول في الأيام الأخيرة التدخل في دير الزور بعد سقوط النظام، ولكنه لم يستطع ذلك”.
مضيفاً أنه حاول الدخول بوساطة بين قسد والجيش الوطني السوري كي لا يتقاتلان على المنطقة.
ويتابع: “إلا أن إدارة العمليات وصلت فجأة بقوافل كبيرة من العناصر الذين ينتمون إلى دير الزور، ووصلوا إلى مناطق غرب الفرات”.
مشيراً إلى أن “المفاوضات الطويلة التي انتهت في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، خلصت إلى أن يعود كل فريق إلى حدوده القديمة، بما معناه: قسد تعود إلى مناطق دير الزور شرق الفرات، فيما تسيطر إدارة العمليات على مناطق دير الزور غرب الفرات والتي كانت تخضع سابقاً لسيطرة النظام السوري”.
لمحة تاريخية عن “الدير”
تقع محافظة دير الزور أو “الدير” في اللهجة العامية السورية، شرق البلاد، ويمر بها نهر الفرات وتضم أهم حقول النفط والغاز في البلاد. وهي بمساحة 33,060 كيلومتر مربع، وعاصمتها مدينة تحمل نفس اسمها.
يضم الريف الشرقي لمحافظة دير الزور، حقل العمر النفطي وهو من أكبر حقول النفط في سوريا، ووصل إنتاجه قبل اندلاع الحرب في سوريا إلى 30 ألف برميل يومياً، وكان من أبرز مصادر تمويل تنظيم الدولة الذي سيطر عليه عام 2014، قبل أن تطرده منه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في أكتوبر/ تشرين أول 2017.
وفي ما يتعلق ببنية المجتمع في المحافظة، يؤكد لنا الحمد، إنه ليس هناك تواجد كردي كثيف وواضح في المنطقة، بل يوجد عائلات كردية قليلة أصلها من الجزيرة السورية، أي من القامشلي وعامودا والدرباسية وغيرها.
ويضيف الحمد: “بسبب عدد السكان القليل جداً، لم يكن هناك علاقات سيئة في دير الزور على الإطلاق بين العرب والأكراد وعلى العكس كانت العلاقات ممتازة جداً”.
ويشير إلى أن الحادثة السلبية الوحيدة المتعلقة في المنطقة، كانت عام 2004، وهو ما سمي بـ”أحداث القامشلي”، التي بدأت في مباراة لكرة القدم بين فريق “الفتوة” وهو فريق من مدينة دير الزور وفريق “الجهاد” الكردي في مدينة القامشلي، بعد أن رفع بعض مشجعي “الفتوة” شعارات مسيئة للأكراد، وحدثت على إثرها أعمال شغب ومواجهات واضطرابات امتدت إلى مناطق أخرى واستمرت لأيام.
ويعتبر الحمد أن التشنج الموجود بين العرب والأكراد في سوريا “يعود إلى خطوات النظام السوري (السابق)، في فرض اللغة العربية ومنع اللغة الكردية، وفي نقل عرب من مناطق سورية مختلفة إلى مناطق الجزيرة السورية من أجل التغيير الديموغرافي، وبسبب عدم منح الهويات والجنسية السورية لجزء من الأكراد”.
وعن المستقبل السياسي للمناطق التي تحتوي على كثافة سكانية كردية كبيرة رغم التداخل العربي-الكردي فيها، كمناطق الجزيرة السورية وهي محافظة الحسكة وما يتبع لها كالقامشلي وعامودا والدرباسية، يقول الحمد: ” أعتقد أن أي شكل سيطرة يجب أن يكون فيه تشاركية بين مكونات المنطقة، أي قوة عسكرية وسياسية تجمع بين الأرمن والسريان والآشوريين والعرب والأكراد، ما بين المسيحيين الإيزيديون والمسلمين وإلى آخره”.
ويضيف: ” ليس من السهل أن يكون هناك قوة من عرق واحد، من دين واحد، تتفرد بالنفوذ في الجزيرة السورية”.
أما في دير الزور، فيقول إن غالبية السكان هم من العرب وبالتالي “لا يجب أن تكون سلطة النفوذ فيها من لون واحد، إذ على الرغم من أن قسد متنوعة، إلا أن قيادتها كردية”.
من هي “قسد”؟
تم الإعلان عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مدينة القامشلي، شمالي سوريا في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 .
وأصدرت هذه القوات بياناً للتعريف بنفسها جاء فيه “إنها قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين تجمع العرب والكرد والسريان وكافة المكونات الأخرى”.
وجاء هذا الإعلان عن تشكيل هذه القوات حينها، في أعقاب إعلان الولايات المتحدة نيتها تقديم أسلحة لمجموعة مختارة من قوى مسلحة بغرض محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
وجاء في البيان أن هذه القوات تضم القوى العسكرية التالية: “التحالف العربي السوري وجيش الثوار وغرفة عمليات بركان الفرات وقوات الصناديد وتجمع ألوية الجزيرة والمجلس العسكري السرياني ووحدات حماية الشعب الكردية ووحدات حماية المرأة الكردية”.
وتشكل “وحدات حماية الشعب” و “وحدات حماية المرأة” وهي قوى مسلحة تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وكانت قوات سوريا الديمقراطية تبسط سيطرتها على مساحات شاسعة من سوريا تتجاوز 35 ألف كيلو متر مربع من مساحة سوريا التي تبلغ 185 ألف كم مربع عام 2017.
وكان يبلغ تعداد هذه القوات نحو 45 ألف مقاتل على أقل تقدير، أكثر من نصفهم من العرب، بحسب بيان لوزارة الدفاع الأمريكية نشر في ذلك الوقت.
كانت “قسد” إذاً، حليفاً للأمريكيين في الحرب السورية وتلقت تمويلها من التحالف الدولي بقيادة واشنطن وأمنت لنفسها بذلك موطئ قدم في شمال شرقي سوريا .