حرية ـ (30/12/2024)
اللواء الدكتور سعد معن الموسوي
في خطوة تعكس إصرار العراق على تطوير مؤسساته القضائية بما يتماشى مع التحديات المحلية والدولية، جاء افتتاح المركز الوطني للتعاون القضائي الوطني برعاية رئيس مجلس القضاء الأعلى، الدكتور فائق زيدان. وبمشاركة القاضي المتميز علي حسين جفات رئيس المركز الوطني للتعاون مع القضاء الدولي يُعد هذا المركز خطوة غير مسبوقة لتعزيز سيادة القانون، وتحقيق العدالة، ومواجهة الجريمة المنظمة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهو ما يمثل نقلة نوعية في مسار تعزيز العدالة على المستويين المحلي والدولي.
يسعى المركز الوطني للتعاون القضائي إلى أن يكون ركيزة أساسية لدعم المصلحة العامة في العراق من خلال حماية الحقوق والحريات الأساسية، ومكافحة الجرائم الإرهابية والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. إذ يطمح ليصبح نموذجًا قضائيًا رائدًا يُحتذى به، قادرًا على توثيق الجرائم وتقديم مرتكبيها للعدالة، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب. هذا الطموح يتجلى في العمل على توفير أدلة دقيقة ومحكمة لمحاكمة الجناة، سواء أمام المحاكم المحلية أو الدولية، في إطار الالتزام بالمعايير العالمية في تحقيق العدالة.
يمثل المركز نقطة تحول جوهرية في مسيرة التعاون القضائي بين العراق والمجتمع الدولي. فهو يتيح للعراق فرصة لبناء شراكات فعّالة مع المنظمات الإقليمية والدولية، ويعزز من جهود مكافحة الإرهاب عبر توسيع نطاق العمل المشترك بين مختلف الأطراف. من خلال ذلك، يسهم المركز في إنشاء شبكة تعاون عابرة للحدود لملاحقة الشبكات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية، مما يضمن تعزيز الأمن والسلام في العراق والمنطقة.
المركز لا يقتصر على العمل في إطار مكافحة الجرائم فحسب، بل يلتزم بإنشاء نظام أرشيفي شامل يحفظ الأدلة والوثائق المتعلقة بالجرائم الإرهابية والانتهاكات الكبرى. هذا النظام يضمن توثيقًا محكمًا لجميع الجرائم ويوفر قاعدة بيانات دقيقة للمساهمة في جمع المعلومات وتحليلها بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية. ومن خلال تطوير تقنيات متقدمة لجمع الأدلة، يعمل المركز على تحسين قدرات الكوادر القضائية، وتوفير التدريب اللازم للتعامل مع الجرائم المعقدة بفعالية وكفاءة.
إن رؤية المركز تتجاوز الملاحقة القانونية إلى العمل الاستباقي لمكافحة الإرهاب. فهو يركز على تطوير آليات لجمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية التي تتيح تعقب التنظيمات الإرهابية وقياداتها داخل العراق وخارجه. هذا التعاون الوثيق مع الأجهزة الأمنية والشركاء الدوليين يُمكّن العراق من بناء استراتيجيات فعالة لمواجهة الفكر المتطرف وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب.
وفي إطار تعزيز ثقة المجتمع المحلي والدولي بالقضاء العراقي، يلتزم المركز بالعمل بشفافية مطلقة في جمع الأدلة وإجراء التحقيقات ونشر التقارير الدورية. كما يسعى إلى ضمان حماية الشهود والمشاركين في التحقيقات، مما يعزز من كفاءة المحاكمات ويضمن تقديم الجناة للعدالة. هذا النهج يرسخ مكانة العراق كدولة تحترم الحقوق وتلتزم بمبادئ العدالة الدولية.
يسهم المركز أيضًا في تصميم وتنفيذ برامج توعية ومبادرات تهدف إلى معالجة جذور التطرف وأسبابه. من خلال إصدار أوراق بحثية وسياسات مدروسة، يسعى المركز إلى تقديم حلول مستدامة للحد من الفكر المتطرف وضمان استقرار المجتمع.
افتتاح المركز الوطني للتعاون القضائي الوطني يمثل إعلانًا لمرحلة جديدة في مسيرة القضاء العراقي. فهو ليس فقط أداة لمكافحة الجريمة والإرهاب، بل ركيزة أساسية لدعم سيادة القانون وتحقيق العدالة على جميع المستويات. ومع هذا الإنجاز، يقترب العراق من استعادة مكانته كداعم للسلم والاستقرار في المنطقة والعالم.