حرية ـ (2/1/2025)
ربى عياش
ربما في العام القادم نحاول بناء مجتمعات بشرية أفضل حيث العدالة الاجتماعية والحريات وحيث الاحترام والحوار والتعاضد والتعاطف الحقيقي وحيث المنطق والعقلانية بعيدا عن تشرذم الشعارات.
تكمل الأرض دورتها بنجاح، أما نحن البشر، ندور في حلقات مفرغة من الفشل. فشلنا في الحب، في السلام، وفي بناء حياة آمنة متوازنة، ليكون 2024 شاهدًا على أعظم الإخفاقات البشرية رغم كل التقدم التكنولوجي والتقني والمادي، بين تعزيز للحروب وتوسيع نطاق المآسي ليشمل الملايين.
تقول اليونيسف في آخر بيان أصدرته مع نهاية العام، إن عام 2024 قد يكون الأسوأ على الأطفال في الصراعات! تقول إن واحدًا من كل ستة أطفال يعيشون الآن في مناطق الصراع ويتعرضون لانتهاك حقوقهم، بما في ذلك القتل والإصابة والخروج من المدرسة وفقدان اللقاحات المنقذة للحياة.
أما وفقًا لتقرير البنك الدولي، يعيش نحو 700 مليون شخص، أي 8.5 في المئة من سكان العالم، في فقر مدقع، حيث يقل دخلهم اليومي عن 2.15 دولار. فيما يعيش 44 في المئة من سكان العالم، أي حوالي نصف سكان العالم، على أقل من 6.85 دولار في اليوم، وهو خط الفقر في البلدان ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع. فالتقدم في الحد من الفقر العالمي تباطأ بشكل كبير. وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، أكثر من 735 مليون شخص يعانون من الجوع المزمن في عام 2024، نتيجة الصراعات والتغير المناخي.
كان عامًا مثيرًا للاهتمام بزيادة الإنفاق العسكري العالمي ليصل إلى أكثر من 2.4 تريليون دولار، بينما تتضاءل المساعدات الإنسانية في المقابل. الحروب، التي أصبحت من أنجع المشاريع التي تدر أرباحًا للنخب السياسية وشركات الأسلحة، تركت خلفها كوارث يعجز العالم عن احتوائها.
ومن ازدياد نسبة النزوح، فوفقًا لمفوضية اللاجئين، تجاوز عدد النازحين قسريًا حول العالم 110 ملايين شخص في عام 2024، وهو أعلى رقم مسجل على الإطلاق. كما تفاقمت الأمراض المعدية في مناطق الصراع مثل اليمن والسودان وقطاع غزة، مع عجز الأنظمة الصحية المنهارة عن التعامل مع الأزمات. أما وفيات الحروب، فتقديرات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية تشير إلى أن عدد القتلى المدنيين في النزاعات المسلحة زاد بنسبة 15 في المئة مقارنة بالعام السابق.
أهذه إنجازاتنا البشرية التي نفتخر بها؟ مجاعات، ازدياد النازحين، وارتفاع معدلات الفقر المدقع. لا مياه نظيفة، صعوبة في تأمين الخبز، وانهيار الخدمات الأساسية في الكثير من بقاع العالم.
أهذه إنجازاتنا البشرية التي نفتخر بها؟ محو غزة عن الخريطة، الضفة التي أصبحت رهينة بين فكي إسرائيل من جهة والسلطة الفلسطينية وحماس من جهة أخرى، اللتين تتصارعان على فتات الكعكة، وتبدوان بمظهر الغريق الذي يتعلق بقشة! انهيار سيادة دول المنطقة من لبنان إلى سوريا إلى العراق، حيث تتصارع القوى الإقليمية والدولية على حساب الإنسان ومعيشته، ليبقى الفرد ضحية مصالح وأطماع كبرى.
أهذه كانت إنجازاتنا البشرية.. أن نشهد على سايكس بيكو وسان ريمو جديدتين في المنطقة، بإعادة تقسيمها بما يعود بالنفع على “الاحتلالات”. أهذه كانت إنجازاتنا البشرية، بين قتلى وأشلاء، جرحى وعطب فكري، تدمير للنظام التعليمي والصحي والبنية التحتية في البلدان.. ازدياد الخيم وتفجير القرى والمدن. أهذه كانت إنجازاتنا البشرية، قوانين تقيد المرأة وتحط من شأنها في العراق وليبيا وأفغانستان، ثم لتمتد التصريحات والأفكار المرعبة إلى سوريا.. وقد تفتح شهية دعاة الرعب لاحقًا في بقية البلاد.
نقف عاجزين أمام أنفسنا، وإنجازاتنا الإنسانية المبهرة. ربما نحن، كلٌّ في محيطه الصغير، كان جزءًا من هذا الفشل الكبير. لذا، بينما نهنئ الأرض على نجاحها في إكمال دورتها، علينا أن نهمس لأنفسنا: عام سعيد للأرض، حظً أوفر للبشر. فلعلنا في العام القادم نقترب قليلًا من جوهر إنسانيتنا، ونصنع دورة جديدة للحب، للسلام، للوعي، للاحترام وللحياة. أن نحاول إصلاح ما أفسدناه، أن نجد السلام وسط الفوضى التي خلقناها، وأن نستعيد ما فقدناه من إنسانيتنا، حين نتوقف عن تقديس العفن الفكري، والتحجر العقلي.
ربما في العام القادم، نحاول بناء مجتمعات بشرية أفضل، حيث العدالة الاجتماعية والحريات، حيث الاحترام والحوار والتعاضد والتعاطف الحقيقي. حيث المنطق والعقلانية بعيدًا عن تشرذم الشعارات السياسية التي لا تبني منزلًا ولا تعيد ميتًا.
عام سعيد للأرض التي ما زالت تمنحنا الفرصة في تعديل مسارنا، وحظ أوفر للبشر الذين ما زالوا يبحثون عن إنسانيتهم الضائعة.