حرية – 5/1/2025
أحمد الحمداني
لطالما كان العراق مهدًا للتقلبات السياسية والاجتماعية، حيث لا يزال يعاني من تأثيرات متراكمة لتاريخ طويل من الحروب والصراعات الداخلية والتدخلات الأجنبية.
وفي هذا السياق، تشكل العلاقة التاريخية للعراقيين مع التغيرات السياسية وإنتاج الزعماء جزءًا أساسيًا من الهوية السياسية والاجتماعية في البلد.
التقلبات السياسية
العراق بلد ذو تاريخ طويل ومعقد، فقد مرّ بمرحلة من الاستقرار النسبي تأريخياً، ولكنه عانى بعد ذلك من تقلبات عديدة نتيجة الغزوات والصراعات الإقليمية والدولية.
فبينما كانت تلك الفترات تحمل معها تطورًا ثقافيًا وفكريًا، فإنها كانت أيضًا مليئة بالاضطرابات السياسية والصراعات على السلطة.
منذ سقوط الخلافة العباسية، مر العراق بمراحل من الاستعمار العثماني ثم البريطاني، ليشهد في القرن العشرين ثورات متعددة وتغييرات في الأنظمة السياسية.
وبسبب هذه التغييرات المستمرة، أصبح العراقيون يميلون إلى التكيف مع الأزمات بدلاً من أن يواجهوها بعمق وتخطيط طويل الأمد.
صناعة الزعماء
من ضمن الخصائص السياسية في العراق هي ميل الشعب إلى تكوين علاقة خاصة مع الزعماء السياسيين.
تاريخ العراق مليء بالأمثلة على ظهور شخصيات قوية مثل الملك فيصل الأول، عبد الكريم قاسم، صدام حسين، وغيرهم ممن شكلوا هوية سياسية واضحة لدى العراقيين.
كان بعض هؤلاء الزعماء يتمتعون بشعبية كبيرة نتيجة لوعود غير صادقة بتحقيق العدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي.
ومع ذلك، نجد أن العراقيين في كثير من الأحيان يتعاملون مع الزعماء على أنهم “منقذون” قادرون على حل مشكلات البلاد، مما يولد حالة من التعلق العاطفي بهم. هذه العلاقة القائمة على الولاء والاحترام الشخصي قد تعكس تطورًا ثقافيًا يجسد التوق إلى الاستقرار، ولكنها قد تقود أيضًا إلى نقص التفكير النقدي أو المؤسسي في كيفية معالجة الأزمات.
في كثير من الأحيان، ينظر إلى الزعيم على أنه الشخص الذي يمكنه “حل” الأزمة بسرعة، دون النظر إلى أبعاد الحلول بعيدة المدى.
التعامل مع الأزمات
إن التعامل مع الأزمات في العراق يميل في كثير من الأحيان إلى أن يكون عاطفيًا ويعتمد على الفعل ورد الفعل بدلاً من منهجًا مدروسًا.
وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد يكون ناتجًا عن ثقافة الانتماء العميقة للأفراد والشعور بالتضامن الوطني، إلا أن غياب التفكير العميق يمكن أن يؤدي إلى تكرار الأزمات بدلاً من تجاوزها.
فعندما تكون الأزمات مفتوحة على مصراعيها، يتجه كثيرون إلى الحلول العاطفية التي يروج لها الزعماء السياسيون، مثل الوعود بتحقيق الاستقرار الفوري أو زيادة الدعم الشعبي.
ولكن بعد انتهاء هذه الوعود، يجد الشعب نفسه مجددًا في دوامة من التحديات والمشاكل التي تتطلب حلولًا أكثر تعقيدًا.
وفي غياب تبني أفكار مؤسساتية طويلة الأجل، يتكرر سيناريو الإخفاقات.
فقد كانت العراق تمر بفترات من الاستقرار النسبي في ظل بعض الحكومات، لكنها لم تكن في أغلب الأحيان تستفيد من هذه الفترات لبناء بنية تحتية سياسية أو اقتصادية قادرة على إحداث تغيير جذري.
مستقبل العراق
إن التحدي الذي يواجه العراق في المستقبل يتطلب فكرًا جماعيًا وشاملًا يأخذ بعين الاعتبار الأخطاء التاريخية، مع القدرة على التجديد والتحليل العميق لمستقبل البلاد. لابد من العمل على توعية الشعب العراقي على ضرورة الانفتاح على التفكير المؤسساتي بعيد المدى، بعيدًا عن العاطفة مع الزعماء.
فقط من خلال التفكير المدروس، القائم على رؤية مستقبلية واضحة، يمكن للعراق أن يتجاوز التقلبات السياسية وأن يبني دولة قادرة على التصدي للأزمات والتحديات التي قد تظهر في المستقبل.
رأي
أهل العراق عُرفوا عبر تاريخهم بالقدرة على التكيف مع التغيرات الكبيرة والمتقلبة ولكن يبقى التحدي الأكبر أمامهم هو تجاوز حالة الاعتماد على الحلول السريعة والعاطفية، وتحويل الأزمات إلى فرص للإصلاح والبناء.
ومن هذا كله علينا ان نكون مخططين صانعين.