حرية ـ (11/1/2025)
أحمد الصراف
تعودت أذناي وذاكرتي الفنية على أغاني صالح الكويتي وأنا في بدايات سنوات مراهقتي، ولا تزال تطربني ألحانه، وكتبت عنه عشر مقالات، حيث كنت أجد، ولأسباب شتى، ضرورة العودة والتذكير بسيرته وأخيه داود وفضلهما الفني.
حمل «عزرا» عياله، وما تبقى لديه من مال، وهاجر، مع أسر أخرى، مع نهاية القرن الـ19إلى الكويت، ليكونوا نواة أول مجتمع يهودي فيها، وعملوا وبرعوا في المهن التي كان غيرهم يستنكف مزاولتها، كالدباغة وصناعة الخمور، وإحياء الحفلات وبيع الأقمشة في الأزقة، وربما كانوا أول من زاول الصرافة، وهذا ما لمح له جدي يوماً، عندما دافع عن سمعتهم وسيرتهم، وكيف أنهم أوفوا بكل ديونهم، قبل مغادرتهم إلى إسرائيل.
تغيرت حياة الطفلين، صالح وأخيه داود، مع عودة أحد أعمامهما من رحلة تجارية الى الهند، جالباً آلتَي عود وكمان هدية لهما، فكانت تلك نقطة تحول ليست فقط في حياتهما، بل وفي تاريخ التراث الموسيقي في الكويت والعراق.
تتلمذ صالح على عزف العود على يد الفنان الكويتي خالد البكر، ومع انتشار صيته ضاقت به الكويت، فقرر وشقيقه الانتقال للعراق خاصة لتقدمهما فنياً، ورغبتهما في تسجيل أغانيهما على اسطوانات، وهكذا عادت عائلة عزرا للعراق حاملة معها اسم «الكويتي»، الذي لا يزال الأبناء والأحفاد، في إسرائيل وخارجها، يحملونه.
زادت شهرة صالح الكويتي، مع تمكنه من فهم أسرار المقام العراقي العريق، على يد الفنان عزور، وتخصصه في التلحين والعزف على الكمان، وكانت أشهر ألحان أغاني «سليمة مراد»، أم كلثوم عصرها، من وضعه. ويقول شلومو بن صالح، إنه ووالده وعمه استمروا، بعد هجرتهم الى اسرائيل، يفضلون التخاطب بالعربية، وأن والده توفي في 1986 عن 78 عاماً، أما عمه داود فقد توفي قبلها. وقال إن أحد احلامه زيارة الكويت، التي يحمل اسمها، على هويته، وفي قلبه.
قد تفرقنا الحدود الجغرافية والعداوة السياسية والاحقاد الدينية عن الكثيرين ممن نحب او نحترم، ولكن يبقى الفن عالمياً وليس ملكاً لأي طرف كان. ففي مقابلة إذاعية، قال صالح: «أنا ولدت في الكويت، ونشأت فيها لأن والدي كان شغله فيها، ومنذ نشأتي كانت تعجبني الموسيقى، وكنت أتحسس بها كلياً، كما يعجبني الشعر العربي وأتحسس به كثيراً. في العاشرة دخلت المدرسة وتعلمت شوية إنكليزي وعربي، وطبعاً دين، وبعدها حبيت أدرس الموسيقى، وكان هناك عواد يسمونه خالد البكر، كنت اذهب عنده لأتعلم، وبعدين تركت العود وتعلمت الكمنجة، وصرت ماهراً في أداء أغاني الكويت والجزيرة. وبعدين صرنا نجيب اسطوانات من العراق وتعلمت منها غناء المقامات والمغنى المصري والعراقي، وكنت أعزف وأغني، وكانت أول أغنية «والله عجبني جمالك»، والثانية «يا بديع الجمال»، وهذه غنيتها في حفل به شيوخ وشجعوني كثيراً، وكنت وأخي داود نطلع لحفلات التجار والشيوخ أمثال أحمد الجابر وعبدالله المبارك. والكويت احسن بلد شفته في حياتي، ماكو به تعديات وبه مساواة وأمان، يعني افتح باب بيتك ونم! في البداية كنا نعزف، ويرافقنا في العزف طبالون يعزفون على المرواس. مع زيادة شهرتنا، كنا بحاجة لتسجيل أغانينا على اسطوانات، فكان لازم الانتقال للمكان الذي به من يسجل، بعد أن توقفت شركات التسجيل عن القدوم للكويت».
في الذكرى المئوية لميلاد الفنان صالح الكويتي، التي مرت قبل سنوات قليلة، أقيم احتفال كبير في قاعة ألبرت هول في لندن، بهذه المناسبة. كما أُطلق اسماهما على شارع في تل أبيب The kuwaiti brothers.
يقول شلومو صالح الكويتي، إن والده أسس الموسيقى الحديثة في العراق. وإن خيبة الأمل التي حملها والده وعمه معهما الى إسرائيل استمرت مع رفض الإسرائيليين لموسيقاهما، لأنها كانت تمثل «موسيقى الأعداء»، وأنهما عاشا وهما يشعران بأنهما كويتيان، مولداً وانتماء، وبالتالي نتمنى على الإذاعة الكويتية ألا تنقطع عن إذاعة أغانيهما الجميلة والتذكير بها.