حرية ـ (11/1/2025)
احمد الحمداني
منذ أن تولى محمد شياع السوداني منصب رئيس وزراء العراق في أكتوبر 2022، كان على عاتقه العديد من الملفات الشائكة التي تطلبت حلولاً عاجلة وحكماً رشيداً، وسط واقع سياسي وأمني معقد.
اليوم، تزداد التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه حكومته.
لا شك أن العراق بحاجة إلى رؤية جديدة بعيدة عن الأساليب القديمة التي أرهقت البلاد لعقود وفي هذا السياق، يتعين على السوداني أن يتخذ خطوات حاسمة لبدء مرحلة جديدة من الإصلاحات الجذرية، بعيدًا عن التأثيرات السلبية لبعض المستشارين الذين قد يقودون الحكومة نحو مسارات غير موفقة.
يواجه العراق العديد من التحديات الداخلية التي تتطلب إصلاحات عاجلة و في مقدمة هذه التحديات، يأتي ملف الفساد الذي لا يزال مستشريًا في أغلب مؤسسات الدولة. فمع تراجع ثقة الشعب في الحكومة نتيجة للفساد المتفشي، يبقى العراق في دائرة مغلقة من العجز التنموي. ويعاني العديد من القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والكهرباء من التدهور، الأمر الذي يجعل المواطنين يشعرون بأن الحكومة غير قادرة على تحسين حياتهم اليومية.
إضافة إلى ذلك، هناك ضعف في بعض الشخصيات الحكومية التي تم تعيينها في المناصب التنفيذية، والذين قد لا يمتلكون الكفاءة أو الحافز الكافي للإصلاح.
لهذا، أصبح من الضروري أن يبدأ السوداني بمراجعة هذه الشخصيات وتغيير بعض القيادات المتقاعسة التي قد تكون أحد عوائق التغيير الجاد لا يمكن لأي حكومة أن تحقق التقدم ما لم تكن تعتمد على كوادر كفؤة ومستعدة للعمل بشفافية من أجل المصلحة العامة.
طبعاً لا يمكن إغفال تأثير المستشارين الحكوميين الذين يقدمون نصائح قد تكون بعيدة عن مصلحة البلاد الحقيقية.
بعض هؤلاء المستشارين قد يقودون الحكومة في اتجاهات غير موفقة، إما بسبب انحيازاتهم السياسية أو لأنهم يقدمون حلولًا استنادًا إلى مصالح ضيقة من هنا، يجب على السوداني أن يبتعد عن التأثيرات الجانبية التي قد تضعف من قدرة حكومته على مواجهة التحديات، وأن يعتمد على مستشارين ذوي كفاءة عالية في مختلف المجالات.
إن اتخاذ قرارات شجاعة وتعيين شخصيات قادرة على القيام بإصلاحات حقيقية، بعيدًا عن الضغوط السياسية والتأثيرات غير الموضوعية، سيكون خطوة أساسية نحو بناء عراق جديد، يعتمد على العمل المؤسسي المحترف.
كما يجب أن تكون الحكومة على استعداد للتخلي عن الوجوه التقليدية التي عفا عليها الزمن، وفتح المجال أمام جيل جديد من القادة القادرين على قيادة البلاد إلى المستقبل.
و إن التحديات التي يواجهها محمد شياع السوداني على الصعيد الداخلي تتقاطع مع نظرة المجتمع الدولي إلى العراق. فالعراق بحاجة إلى استعادة ثقة المجتمع الدولي، وخاصة الأطراف المؤثرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، اللتين لهما تأثير كبير على المسار السياسي والأمني في البلاد.
على الرغم من علاقات العراق المعقدة مع هذه الأطراف، إلا أن التغيير الجاد في العراق يمكن أن يكون نقطة تحول تفتح أمامه آفاقًا جديدة من التعاون الدولي.
من المهم أن يُدرك المجتمع الدولي أن العراق اليوم يعاني من أزمات كثيرة، لكن الشعب والحكومة العراقية في طريقهما إلى تغيير جذري.
على أمريكا وإيران وبقية الدول الكبرى أن يقتنعوا بأن العراق قد تغير، وأن هناك عزيمة حقيقية لدى القيادة العراقية للنهوض بالبلاد.
الانفتاح على الاستثمار الخارجي وتعزيز علاقات العراق مع القوى العالمية، سيكون ممكنًا فقط إذا تمكنت الحكومة من تنفيذ إصلاحات فعالة وملموسة.
وعليه، ينبغي أن تعمل حكومة السوداني على تقوية العلاقات مع حلفائها التقليديين والجدد، وبناء شبكة من الشراكات الاقتصادية والسياسية التي تضمن للعراق مكانة متقدمة في النظام الدولي.
ما يحتاجه العراق اليوم هو خطة إصلاحية جادة تضع مصلحة المواطن في المقام الأول، وتساهم في استقرار البلاد على المدى الطويل. يحتاج العراقيون إلى رؤية حقيقية وإلى إشارات واضحة من الحكومة بأنها قادرة على مواجهة تحديات الفساد والبطالة والفقر، وأنها ملتزمة بتوفير الخدمات الأساسية وتحقيق تنمية مستدامة.
من خلال تغيير بعض الشخصيات الحكومية وتعيين قادة جدد، والتحرر من التأثيرات السلبية لبعض المستشارين، سيكون لدى الحكومة العراقية الفرصة لتطبيق إصلاحات قوية تقودها رؤية جديدة للمستقبل. كما أن التزام العراق بإصلاحات حقيقية سيعزز الثقة بين الشعب والحكومة، ويعيد للعراق مكانته في الساحة الدولية كداعم للاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط.
في النهاية، تتوقف الفرصة الحقيقية للعراق على مدى قدرة رئيس الوزراء على تجاوز تحديات الماضي، واتخاذ خطوات جريئة نحو الإصلاح والتغيير.
إذا تمكن من قيادة الحكومة نحو مسار جديد من العمل الجاد والمستدام، بعيدًا عن تأثيرات المستشارين غير الموضوعيين، وإذا نجح في تحريك العراق نحو بيئة سياسية واقتصادية أكثر شفافية وكفاءة، فإن العراق سيكون قادرًا على استعادة مكانته الإقليمية والدولية، وسيكون على الطريق الصحيح نحو بناء عراق قوي ومستقر.