حرية ـ (13/1/22025)
حسن جابر
بانعقاد قمة وزراء الخارجية بخصوص سوريا، وحضور عدد مهم من وزراء الخارجية العرب والغربيين، خاصة وزراء خارجية مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن، إلى جانب وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي وعدد من المسؤولين الأوروبيين ووكيل وزارة الخارجية الأميركية، والمبعوث الأممي غير بيدرسن، بمشاركة وفد الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا، برئاسة وزير خارجيتها، يتسارع الحراك الدبلوماسي الدولي شيئًا فشيئًا؛ وهو مؤشر مهم على حجم التفاهم والتوافق الكبير منذ الثامن من كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
يمكن قراءة الاجتماع بدءًا من موقع عقده في المملكة العربية السعودية، مما يسلّط الضوء على الدور السعودي المهم الذي بدا مبادرًا منذ البداية في بناء وتأهيل سوريا الجديدة، وإعادتها إلى الحضن العربي بصورة حقيقية وفاعلة مقارنة بعودة نظام الأسد الشكلية في أيار (مايو )2023، كما يُبرز القدرة القيادية للسعودية في كسر الحواجز في الخلافات العربية الفرعية مع الإدارة السورية الجديدة، التي قد تبطئ أو تحدّ من وتيرة الانفتاح الدبلوماسي، ناهيك بالأثر في الدول الغربية التي لها ما يقلقها أمام الوضع القائم الجديد في سوريا، وتاريخ الإدارة الانتقالية السابق.
أما من حيث التوقيت، فيبدو أن الأطراف العربية الرئيسية تُجري سباقًا مع الزمن للعب دور أكبر في سوريا من بوابة إعادة التأهيل، خصوصاً على مستوى استباق الإدارة الأميركية الجديدة لدونالد ترامب، التي يُعهد عنها أنها غير متوقّعة التصرف في الشرق الأوسط بشكل خاص، بحيث يمكن فهم هذا الزخم الدولي مع الإدارة الجديدة على أنه يهدف لتنميط حالة جديدة أمام إدارة ترامب، وقطع أشواط لا يمكن العودة عنها، لا سيما أن بوادر التحوّل الإيجابي تتطوّر منذ شهر تقريبًا.
وبدأت أبرز المصالح بين الأطراف تظهر. الدول العربية، ومن منطلق مصالحها الذاتية، تعتبر زوال نظام الأسد بحدّ ذاته انفراجة جيوستراتيجية وأمنية وسياسية؛ وعلى صعيد الاقتصاد كذلك، لا سيما مع انتهاء النفوذ الإيراني المباشر في سوريا، والذي سرعان ما انعكس بسير العملية السياسية في لبنان بانتخاب رئيس جديد بعد سنتين من الجمود. وتتجلّى الثوابت العربية إزاء سوريا بالتصدي لسيناريوهات التقسيم، ومنع الاقتتال الداخلي، وضمان عملية انتقال سياسيّ سلسة وشاملة وفق ما طمأنت الإدارة الانتقالية.
كذلك تظهر الملفات الأمنية كأولويات مباشرة لدول جوار سوريا، وخصوصاً تلك المرتبطة بأمن الحدود والتصدّي لشبكات الجريمة المنظمة، والخلايا الإرهابية، وتحديداً للأردن ولبنان والعراق.
أمام ذلك تتجلى ضرورات الإدارة السورية من الحراك الدبلوماسي العربي والدولي بقضية محورية، وهي ترسيخ الاعتراف بحكمها لسوريا خلال هذه الفترة الانتقالية -على أقل تقدير- واستمرار الانخراط العربي المتواصل، وبحث ما وراء الحراك الدبلوماسي كرفع العقوبات الغربية عن سوريا، وبحث مسائل وفرص إعادة الإعمار، وإعادة بناء مؤسسات الدولة السورية، وطمأنة الأطراف جميعًا حول مخاوفهم في سوريا.
ختامًا، يُظهر الحراك الدبلوماسي آفاقًا طموحة لسوريا الجديدة، ولكن يُحتمّ التفكير الواقعي النظر بموضوعية إلى المشهد الحالي؛ فعملية الانتقال من الثورة إلى منطق الدولة لن تتم بسهولة ويُسر وبوقت سريع، بل على العكس؛ فعلى الدول المشتبكة بالشأن السوري أن تدرك أنها أمام واقع إيجابي، ومن الضرورة بمكان الاستمرار بالتحرك الفعلي، وبالتعاطي الجادّ مع الملفات الشائكة في سوريا، ومن أبرزها؛ العلاقة مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، وتمكين التحول السياسي في سوريا، الأمر الذي سيمنع حدوث فراغ يعيد تكرار الأزمة الإقليمية التي أنتجتها الأوضاع في سوريا منذ عام 2011 على مختلف الأصعدة.
باحث أردني في معهد السياسة والمجتمع