حرية – 19/1/2025
احمد الحمداني
لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط ساحة صراعات معقدة، تجذب الانتباه العالمي بسبب حجم المعاناة البشرية والعواقب السياسية التي تترتب على استمرارها. تتعدد الأسباب التي تجعل السلام بعيد المنال في هذه المنطقة، ويظهر جلياً أن الديناميكيات المحلية، الإقليمية والدولية تساهم بشكل رئيسي في استمرار هذه النزاعات.
لكن ما الذي يجعل الدول العربية الإسلامية، خاصة العراق، تغرق في هذا المستنقع الدموي والسياسي؟
أحد الأسباب الرئيسة وراء عدم تحقيق السلام في المنطقة هو التدخلات المستمرة من القوى الكبرى والإقليمية.
تدخلات الولايات المتحدة، إيران، تركيا، والدول العربية الكبرى في الشؤون الداخلية للدول العربية الإسلامية جعلت من الشرق الأوسط ساحة لتصفية الحسابات بين هذه القوى، مما يزيد من تعقيد الأوضاع المحلية.
العراق هو أبرز مثال على هذه الديناميكيات. منذعام 2003، أصبح العراق ساحة معركة بين قوى إقليمية ودولية تسعى لتحقيق مصالحها على حساب استقرار الدولة العراقية نفسها.
العراق الذي كان في يوم من الأيام مثالاً للرخاء والتقدم في المنطقة، أصبح الآن رمزاً للفوضى والدمار نتيجة لسياسات داخلية وخارجية فاشلة.
التدخلات العسكرية، والحروب الأهلية الطائفية، والسياسات غير المدروسة التي تركز على تقاسم السلطة بين الأحزاب السياسية بدلاً من العمل من أجل مصلحة الشعب، أدت إلى تدمير بنية الدولة.
العراق لم يعد ساحة صراع محلية فقط، بل أصبح ساحة للمصالح الأجنبية المتصارعة، في وقت تزداد فيه الضغوط على الشعب العراقي الذي يعاني من البطالة والفقر والخدمات الأساسية المتدنية.
على الصعيد الداخلي، هناك مشكلة كبيرة في طبيعة النظام السياسي القائم في العراق والدول العربية الإسلامية بشكل عام الانقسامات السياسية العميقة بين الطوائف والعرقيات المختلفة، والفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة، يجعل من المستحيل تقريباً إقرار أي مشاريع إصلاح حقيقية.
الأحزاب السياسية تتحكم في مفاصل الدولة وتحاول تعزيز نفوذها على حساب الوطن والمواطن، مما يعوق أي فرصة للبناء والتطور.
العراق، الذي يحتاج إلى بناء مؤسسات قوية قادرة على تقديم الخدمات الأساسية لشعبه، يغرق في خلافات سياسية مستمرة، مما يمنعه من اتخاذ خطوات جادة نحو التقدم.
وفي ظل هذه الأوضاع، تتساءل الشعوب العربية والإسلامية…
لماذا لا توافق الطبقة السياسية على بناء دولهم وتطورها؟
الجواب يكمن في أن العديد من السياسيين في هذه الدول يفضلون مصلحة الأحزاب والمجموعات الطائفية أو القبلية التي ينتمون إليها، بدلًا من التفكير في مصلحة الدولة ككل. الرغبة في تعزيز النفوذ الخاص على حساب المصلحة العامة، والاعتماد على أجندات خارجية، جعل من عملية بناء الدولة مسألة معقدة للغاية.
العراق، على سبيل المثال، يعيش حالة من الجمود السياسي، حيث تتعدد الأيدي التي تسعى للسيطرة على القرار السياسي بعيدًا عن ما يخدم المصلحة العامة للشعب.
إن السلام في الشرق الأوسط، وخاصة في العراق لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تمت معالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمات.
من الضروري أن تبدأ الدول العربية الإسلامية، وعلى رأسها العراق، في بناء دولة مؤسساتية قادرة على توفير العدالة والمساواة للجميع، دون تمييز طائفي أو عرقي.
ويجب أن تكون السياسات الداخلية أكثر شجاعة في مواجهة الفساد والتراكمات السلبية التي أضرت بالمواطنين كما أن هناك حاجة ماسة إلى تعزيز العلاقات بين الدول العربية بشكل يعكس وحدة المصلحة العامة بعيدًا عن الأجندات الشخصية أو الطائفية.
في النهاية، يبقى السلام في الشرق الأوسط حلماً بعيد المنال ما دام السياسيون في العراق والدول العربية الأخرى غير قادرين على تجاوز خلافاتهم الشخصية والطائفية لصالح بناء دولهم وتحقيق تطلعات شعوبهم. التحديات كبيرة، لكن الإرادة الحقيقية للإصلاح قد تكون هي السبيل الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم.