حرية ـ (29/1/22025)
عبد المنعم سعيد
ما أن جرى وقف إطلاق النار فى غزة حتى انفجر الحديث عن النصر والهزيمة. قبل مجيء الصمت التام أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو النصر الساحق لجميع الخصوم الذين حاربهم على سبع جبهات، وفوقهم جاء الاقتحام إلى الأراضى السورية، وتدمير جيشها بعد أن انفجرت من داخلها ودخلت مرحلة جديدة من مصيرها السياسي. بلغ الزهو عاليه عندما أعلن الرجل أن «النصر الإسرائيلي» يعطيه الحق فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال القوة العسكرية. على الجانب الآخر كان هناك الكثير من الزهو أيضا وفق معادلة تقول إنه إذا تحمل طرف وطأة الحرب، وتوقف القتال وهو لا يزال يطلق الرصاص فهو منتصر. المعادلة قديمة عربيا وأذكر أنه فى منظمة الشباب العربى الاشتراكى بعد حرب يونيو 1967 قيل لنا إن هدف إسرائيل من الحرب كان الإطاحة بالرئيس جمال عبد الناصر، وطالما أنه لم يطح به، وعلى العكس فإن الملايين خرجت مطالبة إياه بالبقاء، فمعنى ذلك أننا انتصرنا. الواقع مختلف عن هذا وذاك، وإسرائيل بحكم موقعها وقدرها الجغرافى والديمغرافى لا تستطيع أن تعيد تشكيل الشرق الأوسط ؛ وحماس التى تجعل الحرب سباقا للتحمل، والخروج من الأنفاق ساعة وقف القتال بملابس منشاة وبنادق لامعة لا تستطيع أن تخفى أنها طالبت بوقف القتال منذ اليوم التالى بعد 7 أكتوبر، وفى نفس الوقت كانت تشهد غزة وهى معرضة للإبادة الجماعية!
الحقيقة أنه فى الحروب الحديثة لا يوجد منتصر ومهزوم وإنما يقع هذا وذاك فى فخ فقدان الذات الإنسانية عندما لا تجد طريقة للخروج من صراعاتها إلا القتل والثأر والانتقام، وتعجز تماما عن تحقيق سلام يبقى الأطفال والنساء والجنود. الإحصائيات على الجانبين موجودة ومتاحة وفيها القتلى والجرحى والتدمير والفرار والخروج والخسائر الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. إسرائيل فقدت فوق ذلك مصادر الإعجاب بها فى العالم بما تنتجه من أعمال رائدة وتكنولوجيات متقدمة؛ «حماس» طعنت فى الصميم قيام دولة فلسطينية مستقلة.