حرية ـ (6/2/22025)
يطرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أفكاراً جدلية حول الحلول المقترحة في غزة، وهو ما يثير ردود فعل واسعة على الصعيدين الإقليمي والدولي. في عرض الصحف اليوم، نستعرض ثلاث مقالات تطرح رؤى مختلفة حول هذه التصريحات وتداعياتها.
نبدأ من صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية ومقال بعنوان “ترامب سينقذ العالم من الإسلام المتطرف”، إذ تشير الصحيفة إلى أن الرئيس الأمريكي “يدرك أن ما حدث في غزة لم يكن إبادة جماعية من قبل إسرائيل، بل إبادة ارتكبتها حماس ضد شعبها”.
وتقول كاتبة المقال ميمي بير، وهي مستشارة اتصالات وعلاقات عامة في شركة إسرائيلية: “يتعين علينا إعادة النظر في طريقة تفكيرنا إذا كنا نعتقد أن ترامب متسرع ومتقلب ولا يمكن توقع أفعاله”، فهي ترى أن الرئيس الأمريكي “عبقري”، وتصفه بشخص “اختار الخير والعدل والأخلاق، لأنه ممّن يعتزون بالحياة، وليس ممّن يمجدون سفك الدماء والقتل والإرهاب”، بحسب تعبيرها.
وتهاجم الكاتبة أوروبا بالإشارة إلى أن “استقبالها للمهاجرين المسلمين أعاد تشكيل مدنها، وأن سياسة التسامح التي اتبعتها في البداية، تحولت إلى استسلام، مع عدم رغبة العديد من الحكومات الأوروبية في مواجهة التطرف داخل حدودها”، وأن تلك الحكومات “استسلمت للحسابات السياسية”، على حد قولها.
وترى الكاتبة أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تمثل بالنسبة لإسرائيل وللعالم، تطوراً إيجابياً، في مقابل أوروبا التي تصوّر الفلسطينيين “الإرهابيين” كمقاتلين من أجل الحرية، بينما تصف الجيش الإسرائيلي بـ “قوة الإبادة الجماعية”.
وتقول بير إن ترامب يرى الحقيقة بوضوح، “فهو يدرك أن إسرائيل ليست المشكلة، بل هي خط الدفاع الأول ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف”، على حد قولها.
وتضيف الكاتبة: “لقد تراجعت الإدارة الأمريكية السابقة تحت ضغط الانتقادات عن دعم إسرائيل”، مشيرة إلى أن “جو بايدن قدّم مساعدات عسكرية كبيرة، إلا أنه في نفس الوقت كان يُحجم عن تقديم مساعدات حاسمة في لحظات حرجة، وهي المساعدات التي أعاد ترامب تقديمها”.
وتشير الكاتبة إلى التظاهرات التي حدثت داخل الجامعات الأمريكية، وقرارات المحكمة الجنائية الدولية، والنظرة البرازيلية لإسرائيل، وموقف الأمم المتحدة من إسرائيل، وتقول إنها كلها جاءت نتيجة لاستسلام الإدارة الأمريكية السابقة لانتقادات تعرضت لها جراء دعمها إسرائيل، حسب قولها.
وتشير الكاتبة إلى أنه لو قطعت إسرائيل المساعدات بالكامل لبضعة أيام فقط عن قطاع غزة، فإن حماس كانت ستنهار تحت الضغط الداخلي، بحسب رؤيتها، وأن ذلك كان سيسرّع إطلاق سراح الرهائن وانهيار ما وصفته بـ “نظام الإرهاب”.
أما عن خطة التهجير المقترحة، فتشير الكاتبة إلى أن محيط إسرائيل يضم 22 دولة عربية و57 دولة ذات أغلبية مسلمة، وأن مساحة سيناء تفوق مساحة إسرائيل وغزة معاً، في حين أن عدد سكان سيناء أقل بكثير من عدد سكان غزة، وهو ما تراه تبريراً “منطقياً تماماً” لاقتراح ترامب نقل الغزيين إلى سيناء، مطالبة مصر بأن “تتحمل المسؤولية بدلاً من الضغط على إسرائيل”.
وتختم الكاتبة بتنبيه العالم إلى أن هناك حقيقة واحدة يجب عدم إنكارها؛ وهي أن “المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط لا تتسع إلا لدولة واحدة، ولن يكون هناك حل قائم على دولتين”، حسب قولها.
“غزة لن تصبح أرضاً أمريكية بأي حال”
وفي مقال في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، يناقش الكاتب نيكولاس كريستوف اقتراح ترامب نقل الفلسطينيين من قطاع غزة وإشراف الولايات المتحدة على إعادة تطويره، موضحاً أن هذا الاقتراح يعد “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”.
يقول كريستوف: “إن النقل القسري للسكان محظور بموجب اتفاقيات جنيف، وقد وصفته محكمة نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية بأنه جريمة حرب”.
ويؤكد كريستوف أن هذه الخطة ستؤدي إلى “تطهير عرقي” لأكثر من مليوني فلسطيني في غزة، وهو ما يمكن أن يترتب عليه تداعيات كارثية.
ويضيف: “حتى إذا تم تنفيذ الاقتراح، فإن غزة لن تصبح أرضاً أمريكية، فكما لا يمكن لروسيا ضم أجزاء من أوكرانيا قانونياً، لا يمكن للولايات المتحدة أو إسرائيل ضم غزة أيضاً”.
وبحسب كريستوف، فإن هذا النوع من الأفكار ليس أكثر من تصريحات “غريبة وغير عملية” من ترامب، مشيراً إلى أن مثل هذه التصريحات تضر بسمعة الولايات المتحدة في العالم.
ويتساءل الكاتب عما إذا كان ترامب يخطط لإرسال قوات أمريكية لتهجير المدنيين من غزة إلى صحراء سيناء بالقوة، مشيراً إلى أنه إذا كان يرفض إنفاق 40 مليار دولار لدعم وكالة التنمية الأمريكية، فكيف سيؤمّن المليارات اللازمة لنقل وتوطين مليوني شخص؟
ويرى كريستوف أن مصر والأردن، اللتين قد يعتقد ترامب أنهما مرشحتان لاستقبال الفلسطينيين، سترفضان استضافتهم، مشيراً إلى الغضب العربي من فكرة النقل القسري، قائلاً: “العالم العربي ينظر إلى هذا من منظور ما حدث في عام 1948، عندما تم طرد أو نزوح حوالي 800 ألف عربي مع تأسيس إسرائيل”.
ويعترف كريستوف بقسوة الأوضاع في غزة، مشيراً إلى أن “القطاع يشهد أعلى معدلات بتر الأطراف بين الأطفال مقارنة بأي مكان آخر في العالم”، وفقاً للأمم المتحدة.
ويضيف أنه إذا عرض ترامب إقامة هؤلاء الأطفال في منتجع “مارا لاغو” لمدة عام طوعياً، فإن ذلك سيكون لفتة إنسانية جيدة، لكنه يعتبر أن إجبارهم على مغادرة وطنهم يشكل “جريمة ضد الإنسانية”.
ويختتم كريستوف مقاله محذراً من أن الاقتراحات “غير الواقعية” قد تشتت الانتباه عن وقف إطلاق النار في غزة، مما يهدد الطريق نحو إعادة إشعال الحرب.
في النهاية، يشير كريستوف إلى أن ترامب بحاجة إلى التركيز أكثر على تحقيق وقف إطلاق النار في غزة، بدلاً من الاستمرار في أحلامه حول التطهير العرقي.
“نكبة جديدة يجب أن تتوقف”
ونختتم الجولة الصحفية بمقال نُشر في صحيفة “ذا كوريا تايمز” يصف اقتراح ترامب بأنه “انتهاك صارخ للقانون الدولي واعتداء على كرامة الإنسان”. ويشبّه كاتب المقال هذا الاقتراح بما حدث في نكبة 1948 حينما تم تهجير الفلسطينيين قسراً عند تأسيس إسرائيل.
ويُشير الكاتب إلى أن هذا الاقتراح، الذي جاء بعد اجتماع ترامب مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في الرابع من فبراير/شباط، يبدو “محاولة قاسية” لاستغلال المنطقة لمصالح أمريكية دون مراعاة العواقب الإنسانية الوخيمة على الفلسطينيين.
ويؤكد الكاتب أن هذا الاقتراح “السخيف” يعكس خلفية ترامب كمطوّر عقاري، وأن خطته تتجاهل الإجماع الدولي على حل الدولتين.
وعن تبعات هذا الاقتراح، يحذر الكاتب من انفجار الوضع في المنطقة، ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل على الصعيد الدولي أيضاً. فقد لاقى الاقتراح انتقادات من القوى الكبرى مثل الصين وروسيا وألمانيا والمملكة المتحدة، كما أعربت دول في الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية، عن معارضتها الشديدة لهذا الاقتراح.
ويُشير الكاتب إلى أن “المعارضة السعودية قد تُحدث شرخاً في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وهو ما يهدد استقرار المنطقة بشكل أكبر”.
ويضيف: “لقد عانى الفلسطينيون لعقود من الظلم والمأساة منذ عام 1948، وأي اقتراح بإجبارهم على مغادرة أراضيهم مجدداً يعد إهانة لحقوقهم الإنسانية وارتباطهم بهذه الأرض”.
ويُختتم المقال بتحذير من أن خطة ترامب تمثل تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ تتخلى عن دعم “حل الدولتين” لصالح خطوات أحادية قد تعزل أمريكا عن حلفائها وتقوض جهود السلام.
أما عن بلاده، فيشير كاتب المقال في النهاية إلى “ضرورة أن تُعيد كوريا الجنوبية تقييم سياستها الخارجية في ظل تطورات السياسة الأمريكية، وأن تتخذ خطواتٍ توازن بين التحالفات العالمية وبين قيمها في تحقيق السلام والتعاون”.
صحيفة جيروزاليم بوست