حرية ـ (10/2/22025)
يضم المركز الثقافي البغدادي، في شارع المتنبي بالعاصمة العراقية، متاحف شخصية عدة، تم انشاؤها بجهود فردية لحفظ جزء من تاريخ البلاد.
ولهذه المتاحف قصص عديدة، ولعل أبرزها الصعوبات التي واجهت أصحابها، إذ ليس من اليسير أن يتم جمع كم كبير من المعالم التراثية بجهود فردية، ومن هذه المتاحف هو “أرض الرافدين” لصاحبه المؤرشف صباح السعدي.
ويفتح هذا المتحف أبوابه أمام الزائرين في كل يوم جمعة، وتتنوع معروضات المتحف بين اللوحات والأدوات التراثية والصحف والمخطوطات والوثائق النادرة، ومقتنيات لشخصيات علمية وسياسية وفكرية، ما يجعله متحفاً متكاملاً ويشكل ركيزة مهمة من ركائز التاريخ العراقي.
وتأسس متحف أرض الرافدين عام 2019، أي بعد 8 سنوات من تأسيس المركز الثقافي البغدادي، ويضم حالياً مختلف أنواع القطع التراثية العراقية، وهو مفتوح مجانا أمام الزوار المحليين والعرب والأجانب، كما أنه يسمح بالتقاط الصور لجميع ما معروض فيه.
في هذا الصدد، يقول صباح السعدي،إن “بناية المركز الثقافي البغدادي مبنى حكومي، ولكننا تمكنا ومن خلال التفاهم مع المسؤولين في الجهات المعنية من الحصول على مكان داخل المبنى لعرض الصور الأصلية والمقتنيات والقطع التراثية”.
ويضيف “يضم متحف الرافدين مقتنيات تعود إلى الملك فيصل الأول وأبنه الملك غازي، وصورة للمس بيل التي يعتبرها كثيرون بأنها صانعة الملوك ومهندسة خارطة العراق الحديث”.
وتنتشر في أروقة المتحف بنادق حملها ثوار خلال معارك ثورة العشرين، إضافة إلى سيوف وخناجر.
وثمة صحف قديمة تحمل تفاصيل المتغيرات السياسية والتحولات الاجتماعية التي طرأت على العراق خلال العقود الماضية، ووثيقة صادرة من دير الزور عام 1919 أي خلال الفترة التي سبقت تأسيس المملكة العراقية، وسجادة من الحرير كان قد صنعها سجناء في العهد الملكي لإعالة أسرهم.
ويواصل السعدي حديثه بالقول: “توجد في المتحف آلة نقل تسمى (الكفة)، وهي أول واسطة نقل في التاريخ مصنوعة من القير، إضافة إلى (جرجر)، وهي آلة حراثة لفصل السنابل عن الحبوب يجرها حيوان”.
كما يضم قطعة برونزية يتراوح وزنها بين 30 إلى 40 كغم، ترمز لثورة 14 تموز من عام 1958، وتعرضت هذه القطعة وفق السعدي إلى الفقدان بعد عام 2003، وتم العثور عليها لاحقاً في معمل لصهر الخردة بأطراف العاصمة بغداد.
ويتابع: “ثمة أعداد من صحيفة الأهرام المصرية، ومنها العدد الأول من هذه الصحيفة الشهيرة التي تؤرشف وقائع سياسية، وصحيفة الزوراء العراقية التي كانت تصدر خلال العهد العثماني”.
ولدى السعدي أيضاً سيارة (شوفرليه) تعود لعام 1928 كانت تخص التاجر العراقي بدري دباش سمير، حيث اشتراها في حينها بالشراكة مع عبد الهادي الجلبي، والد السياسي الراحل أحمد الجلبي، بعد أن عرضت في مزاد السفارة الأمريكية بسعر 300 دينار عراقي، مؤكدا “احتفظ بهذه السيارة في منزلي”.
ويقدر السعدي عدد القطع الموجودة في المتحف بأكثر من 500 قطعة نادرة، مستدركاً: “عشقي للتراث وجمع المقتنيات والأنتيكات القديمة، ينبثق من كوني أحد أبناء مدينة الكاظمية التي عرفت بتاريخها وعراقتها”.
ويلفت إلى أنه “خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، وحين اضطر كثيرون لبيع الأشياء النادرة، جمع العديد من النوادر والتحف والأنتيكات”.
وعلى طوال مسيرته في جمع المقتنيات الثمينة، حصل السعدي على العديد من الهدايا التراثية والمخطوطات والصور الشخصية، قُدمت له كهدايا من قبل بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية ومن قبل أحفاد شخصيات عامة كانت تمثل حضوراً في الأوساط الفكرية والسياسية والاجتماعية.
وكان للسعدي دور بتقديم هدايا لا تقدر بثمن إلى بعض الجهات الرسمية وأثرى ببعض الهدايا المتاحف العراقية، ومن ضمن الهدايا النفيسة التي قدمها للعتبة الكاظمية، نسختان من القرآن الكريم طليتا بماء الذهب، كما تم تكريمه من قبل رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني.
ويختتم السعدي، حديثه بالإشارة إلى وجود أعداد كبيرة من القطع النادرة والثمينة ما تزال موجودة في بيته، قائلاً: “لا أغامر بعرضها في المتحف خشية تعرضها للفقدان”.