حرية ـ (10/2/22025)
جيمس زغبي
كان رد فعلي الأولي على مقترحات الرئيس دونالد ترامب بشأن غزة هو رفضها باعتبارها غريبة – منفصلة عن الواقع، ومستفزة بشكل خطير، وغير قانونية، وغير مبالية بإنسانية الفلسطينيين.
في الواقع، فإن مقترحاته تحمل كل هذه الصفات. ولكن بما أننا نعلم أن هذا الرئيس ليس رجلاً عادياً، فمن الحكمة أن نفترض أن هناك «طريقة خاصة به»، تماماً كما فعل ترامب في موجة الأوامر التنفيذية الصادمة التي جعلت خصومه والإعلام يتخبطون لفهم نواياه، أعتقد أن المنطق ذاته قد يكون وراء تصريحاته حول غزة. ويتألف هذا المنطق من عنصرين أساسيين: الأول هو إرباك خصومه وإضعاف معنوياتهم. والثاني هو تشتيت انتباههم – مثل ألعاب الخداع في الكرنفالات – حتى نحول أنظارنا عن القضايا الحقيقية وننشغل بالوهم الذي يتم خلقه.
انطلاقاً من هذا، لا أعتقد ولو للحظة أن ترامب ينوي إرسال قوات أميركية للسيطرة على غزة وطرد 1.5 مليون فلسطيني بالقوة. كما أنه لن يتمكن من إجبار الأردن ومصر على استقبال هؤلاء الفلسطينيين، وإعادة توطينهم بشكل دائم.
جميع هذه الأفكار بعيدة كل البعد عن الواقع وخطيرة لدرجة أنه من غير المعقول أن يحاول هذا الرئيس – الذي يقول إنه يريد إبقاء أميركا خارج الحروب وجلب السلام إلى الشرق الأوسط – تنفيذ أي منها.
قد يهاجمني البعض باعتباري أحاول منح الرئيس ترامب فرصة الاستفادة من الشك. ولكي أكون واضحاً، هذا هو بالضبط ما لا أفعله. قد يرغب في صرف الأنظار عن القضايا الحقيقية عبر خطة غريبة بشأن غزة، ولكن بدلاً من الوقوع في الفخ، يجب أن نركز على ما هو واقعي وملح. ما أقوله هو أنه بدلاً من قضاء ساعات لا حصر لها في تحليل كلماته أو انتقاد خطته أو الاستعداد لتنفيذها (وهذا بالضبط ما يريده)، يجب علينا تجاهل هذه التصريحات، والتركيز على القضايا العاجلة التي تواجهنا. يجب الحفاظ على الهدنة الهشة في غزة، ويجب أن تنتقل الأطراف إلى المرحلتين الثانية والثالثة منها. وهذا يعني الاستمرار في الضغط من أجل انسحاب إسرائيل من غزة، ووضع خطط لإعادة الإعمار. كما يعني توجيه انتباهنا إلى وقف تصعيد العنف الإسرائيلي القمعي في الضفة الغربية. ويعني أيضاً الحفاظ على التركيز على ضرورة محاسبة إسرائيل والولايات المتحدة على جرائم الحرب التي ارتُكبت خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية.
لا يريد الرئيس ترامب ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن نتحرك في أي من هذه القضايا العاجلة. بل يريدان المزيد من إحباط الفلسطينيين، وإثارة الفوضى في الدول العربية. كما يريدان أن ينفد الوقت في المرحلة الأولى من خطة وقف إطلاق النار. وهذا من شأنه أن يسمح لنتنياهو باستئناف حربه لتحقيق ما يسميه «النصر الكامل» في غزة، مما يضمن بقاء ائتلافه الحاكم واستمراره في السلطة.
بعبارة أخرى، بدلاً من التعامل مع المشكلات الحقيقية التي تحتاج إلى اهتمامنا، يريد ترامب أن نقع في فخه عبر مناقشة إلهاء، بينما تمضي إسرائيل قدماً في لعبتها المميتة أمام أعيننا.