حرية – (29/5/2101)
أكد رئيس الجمهورية، برهم صالح، السبت، ضرورة الاحتكام إلى الشعب في إصلاح أوضاع البلد عبر انتخابات نزيهة، مشددا على أهمية التكاتف لمكافحة الفساد وتوحيد الصف الوطني.
وشدد رئيس الجمهورية برهم صالح، خلال كلمة في المؤتمر السنوي الرابع لمنظمات المجتمع المدني، (29 أيار 2021)، على “الدور المهم الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في ترسيخ وتثبيت مشروع الدولة الوطنية المقتدرة وسيادة القانون والحكم الرشيد”، داعياً جميع المؤسسات الحكومية والسياسية إلى “دعم بيئة المجتمع المدني”.
وأضاف أن “البلد يمر بمرحلة حساسة وخطيرة من عمر التجربة السياسية في العراق، وأمامه استحقاقات وطنية كبيرة تتطلب من الخيرين والحريصين على أمن وسيادة البلد تلبية هذه الاستحقاقات، وأبرزها إجراء الانتخابات المبكرة في موعدها المقرر في تشرين الأول القادم، وهو استحقاق وطني لا يمكن التسويف به، ومطلب شعبي، وضرورة سياسية للانتقال إلى مرحلة صياغة عقد سياسي جديد يمكّن العراقيين من انتخاب حكومة وطنية مقتدرة”.
وأشار الرئيس إلى أن “التحديات الأمنية والاقتصادية التي يشهدها البلد تتطلب الاحتكام إلى الشعب من خلال انتخابات نزيهة وشفافة، فلا يمكن المراهنة على صبر شعبنا وشبابنا العاطل عن العمل الذي يتطلع إلى وضع يؤمّنُ له احتياجاته في الحياة الحرة الكريمة وهذا متوقف على الأقدام نحو إصلاحات بنيوية حقيقية تردم الفجوة العميقة بينه وبين الشعب نتيجة وجود عوائق سياسية تحتاج إلى مراجعة سياسية وتعديلات دستورية وقانونية جريئة وحازمة”.
وأكّد رئيس الجمهورية أن “المهمة الأساسية والجوهرية التي على أساسها تشكلت الحكومة الحالية هي إجراء الانتخابات، وهي مسؤولية وطنية كبيرة لا تتوقف عند الحكومة فقط، بل تتحمل المسؤولية أيضا القوى السياسية التي أسهمت في تشكيل الحكومة في ظروف حساسة بالغة التعقيد، وأيضا يتطلب تكاتفاً مجتمعياً عبر منظمات المجتمع المدني في التعبئة المجتمعية وتشكيل شبكات المراقبة لضمان نزاهة الانتخابات وتمكين المواطنين من ممارسة حقهم الديموقراطي في انتخاب من يرونه مناسباً لإدارة البلد بدون وصاية أو قيمومة”.
وشدد صالح على “ضرورة محاربة الفساد الإداري، والمالي السياسي الذي سيدخل كما في المرات السابقة في الوضع السياسي والانتخابات، وهذا يتطلب إجراءات قانونية جادة ومواقف سياسية ساندة”، حيث نوّه إلى “إرسال رئاسة الجمهوريةلمجلس النواب مؤخراً مشروع قانون لاسترداد عائدات الفساد وملاحقة المطلوبين والمحكومين بالفساد داخل وخارج العراق”.
ودعا جميع القوى السياسية والمؤسسات المعنية، إلى “توحيد الصف الوطني، وتحكيم لغة العقل والمنطق الوطني، وتقديم مصالح البلد العليا على أية اعتبارات أخرى، والتأكيد على الاستناد إلى القانون والإجراءات القانونية في هذه المرحلة الخطيرة”.
وفي ما يلي نص كلمة رئيس الجمهورية برهم صالح في المؤتمر السنوي الرابع لمنظمات المجتمع المدني:
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة والسيدات الحضور..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنه لمن دواعي السرور أن نشهد تنظيم مؤتمرات نوعية كهذه تُسهم في تعضيد وإبراز دور أهم المؤسسات المدنية في المجتمع.. وإننا نفتخر بتنظيم محافل حيوية كهذه، وشكرنا لسماحة السيد عمار الحكيم لاستضافته هذا المؤتمر وللقائمين والمنظمين لأعماله.
ونتمنى أيضاً أن يُؤخذ بتوصيات المؤتمر بشكل فاعل وجاد، ليحقق الغرض النبيل من إقامة هذا المحفل الكريم.
فالمدنية أيها الإخوة والأخوات فكر ومنهج ومسؤولية، قبل أن تكون شكلاً أو سلوكاً معيناً، وهي مترسخة في أعماق المجتمع العراقي منذُ أمدٍ بعيد لما يملكه العراقيون من عمق إنساني، وتاريخ حضاري يمتد لآلاف السنين.. وهذا ما يؤكده تمسك العراقيين بسلوك الدولة المدنية ومفهوم المواطنة على مر العصور، رغم تعرضهم لشتى أنواع الاضطهاد والتعسف والتضليل.
والمجتمع المدني يعني مجتمع المواطنة.. ومجتمع المواطنة يعني مجتمع الدولة الذي تتساوى فيه الحقوق والواجبات.. وتتساوى فيه القوميات والأديان والمذاهب تحت غطاء الدولة والجامع للتعددية المجتمعية والمتحكمة الى دستور يعبر عن عقد اجتماعي وسياسي مستند الى شرعية الشعب.
لذا على جميع المؤسسات الحكومية والسياسية أن تدعم بيئة المجتمع المدني وأن تُمكّن مؤسساته ومنظماته في تفعيل أدوارها وأهدافها النبيلة، فلا دولة قوية من دون مجتمع مدني.. ولا حكم رشيد من دون مواطنة حقيقية.
اسمحوا لي أيها السادة والسيدات في أن انتهز الفرصة وبحضور هذه الطليعة النخبوية في مجتمعنا والتي نعقد عليها الآمال في ترسيخ وتثبيت مشروع الدولة الوطنية المقتدرة.. وسيادة القانون.. ومفهوم الحكم الرشيد في بلدنا الحبيب.
لا سيما وأن المسؤولية الوطنية هي مسؤولية تضامنية لا تختص بجهة دون غيرها، أو قطاع سياسي أو مجتمعي محدد، بل الجميع معني بتلك المسؤولية حسب الدور والمركز الذي يمثله.
ولمنظمات المجتمع المدني مسؤولية كبيرة في نشر وتوعية مفاهيم السلوك المدني التي تتمثل بشكل صريح في روح المواطنة وترسيخها بين قطاعات المجتمع، فضلا عن دورها الرقابي الفاعل في تقييم وتقويم أداء مؤسسات الدولة وجهاتها الحكومية بل وحتى السياسية.
فالخلل الذي ينتابنا اليوم لا يقتصر على السلوك السياسي فقط، لدينا خلل أيضا في السلوك والممارسة الإعلامية وأيضا متوسعا إلى المنظمات غير الحكومية، فالإصلاح المنشود يشمل الجميع.. وهو مسؤولية الجميع في الوقت ذاته.
إننا نمر بمرحلة حساسة وخطيرة من عمر التجربة السياسية في العراق، وأن أمامنا استحقاقات وطنية كبيرة تتطلب من الخيرين والحريصين على أمن وسيادة البلد في تلبية هذه الاستحقاقات وتهيئة المناخ الآمن والمناسب لتحقيقها.
أبرز هذه الاستحقاقات هي إجراء الانتخابات المبكرة في موعدها المقرر في تشرين الأول من هذا العام، هذا استحقاق وطني لا يمكن التسويف به.. فهو مطلب شعبي.. واستحقاق وطني.. وضرورة سياسية للانتقال إلى مرحلة صياغة عقد سياسي جديد الذي يمكّن العراقيين من انتخاب حكومة وطنية مقتدرة قادرة على تلبية ما يليق بالعراق وشعبه.
إن إيقاف حدة النزيف السياسي الذي نمرّ به اليوم.. وما نشهده من مظاهر تمس أمن وسيادة الدولة.. وما نتعرض له من تحديات اقتصادية وأمنية خطيرة.. وما يهدد شرعية النظام السياسي وثقة الشعب به.. كل هذا يتطلب منا الاحتكام إلى الشعب والرجوع إلى المواطنين والاحتكام اليهم من خلال انتخابات نزيهة وشفافة، اذ لا يمكن المراهنة على صبر شعبنا وشبابنا العاطل عن العمل.. الذي يتطلع الى وضع يؤمّن له احتياجاته في الحياة الحرة الكريمة في المصانع المنتجة والأراضي المزروعة والاستثمارات المربحة والقطاعات الفاعلة وتستثمر طاقات البلد المعطلة وكفاءات شبابه المبدعة.
وهذا كله متوقف على الإقدام على إصلاحات بنيوية حقيقية تردم الفجوة العميقة بينه وبين الشعب نتيجة وجود عوائق سياسية تحتاج إلى مراجعة سياسية وتعديلات دستورية وقانونية جريئة وحازمة.
إن المهمة الأساسية والجوهرية التي على أساسها تشكلت الحكومة الحالية هي إجراء الانتخابات، وهو مسؤولية وطنية كبيرة لا تتوقف عند الحكومة فقط، بل تتحمل المسؤولية أيضا القوى السياسية الوطنية والتي أسهمت بتشكيل الحكومة في ظروف حساسة بالغة التعقيد، وأيضاً تتطلب تكاتفاً مجتمعياً وفي طليعة ذلك عمل الجمعيات المدنية وغير الحكومية والتي يمكن أن يكون لها دورٌ فاعلٌ وأساسيّ في هذه المرحلة ونحن نمهد لإجراء الانتخابات القادمة، دوركم في التعبئة المجتمعية ودوركم في تشكيل شبكات المراقبة لضمان نزاهة الانتخابات وتمكين المواطنين من ممارسة حقهم الديموقراطي في انتخاب من يرونه مناسباً لإدارة بلدهم دون وصاية أو قيمومة، هذا دور مهم، ودور وطني ولمنظمات المجتمع المدني في هذه المرحلة الحساسة أن تلعب دوراً حاسماً في ترجيح خيار التطور الديموقراطي والمدني في بلادنا نحو ما يتطلع إليه العراقيون من بلد آمن ومستقر ومزدهر.
يجب في هذا السياق أن نكون جادين في محاربة المال السياسي الذي سيدخل كما في المرات السابقة في الوضع السياسي والانتخابات، حيث يتطلب منا وقفة جادة في محاربة الفساد وكبح هذه الآفة الخطيرة التي تهدد مجتمعنا وبلدنا ويهدد مستقبل أجيالنا.
هذا يتطلب إجراءاتٍ قانونية جادة ومواقف سياسية ساندة، وقد أرسلنا مؤخراً إلى مجلس النواب مشروع قانون لاسترداد عائدات الفساد وملاحقة المطلوبين والمحكومين بالفساد داخل وخارج العراق، ونتطلع كثيراً الى التعاون مع مجلس النواب الموقر في إقرار هذا القانون وتوفير الآليات المناسبة لتنفيذه على أرض الواقع.
سيداتي سادتي..
لا أشك بأن المخلصين في هذا البلد مجمعون على أولوية دعم الدولة وتقويتها وعدم السماح باستهداف سياستها
أو النيل منها، لذا أدعو جميع القوى السياسية والمؤسسات المعنية، إلى توحيد الصف الوطني، وتحكيم لغة العقل والمنطق الوطني، وتقديم مصالح البلد العليا على أية اعتبارات أخرى، والتأكيد على الاستناد إلى القانون والإجراءات القانونية في هذه المرحلة الخطيرة والأساس لمستقبل بلدنا.
العراق يستحق منا الكثير.. وشعبنا منا ينتظر الفرصة الأخيرة في الإصلاح المنشود وتقويم مسار بناء دولة المواطنة والحكم الرشيد.
حما الله العراق وشعبه من كل سوء
والرحمة والخلود لشهداء العراق
وأتمنى مجدداً للحاضرين والقائمين على هذا المؤتمر التوفيق في إنجاز ما عليهم من مسؤولية جسيمة وتحقيق الأهداف المنشودة.