حرية – (10/7/2021)
تُظهِر المجاميع الإعلامية المرتبطة بالقوى المناوئة للدولة، تطوراً في أسلوب “الغزوات” كما يبدو جلياً في الحملة الأخيرة التي شنتها تلك المجاميع، استناداً إلى سلسلة بيانات مزيّفة، تم دسُّها في موقع الكتروني غربي، لتنطلق بعدها حملة إعلامية ملأت الأجواء العراقية بالضجيج، غير أنها لم تُسفر عن شيء، إثر افتضاح أمرها بعد ساعات من انطلاق الهجمة، بينما يتحدث مسؤول مختص عن تحديد منطلقات تلك الهجمات ومراقبتها.
القصة
استندت الحملة الأخيرة، إلى عريضة منشورة على موقع (CHANGE) المخصص لجمع التواقيع على العرائض والمطالبات.
العريضة المزيفة موقعة باسم حساب وهمي يستخدم صفة السفير الأميركي السابق في العراق دوغلاس سيليمان، وتزعم الوثيقة أن الأخير يطلب من الولايات المتحدة عدم انتظار وفاة المرجع الأعلى علي السيستاني.
وإلى جانب العريضة المزيّفة، قامت الجهة التي ألّفت القصة، بتزييف تعليقات مساندة أسفل العريضة تعود لشخصيات حكومية وباحثين.
التخبط
مساء الأحد (27 حزيران 2021) نشر مشرق عباس، المستشار السياسي لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تحذيراً قال فيه إن التعليق المتداول باسمه على العريضة المنسوبة للسفير سيليمان مزيّف.
بعد ظهر الإثنين (28 حزيران 2021) نشر مركز “التقنية من أجل السلام” المختص بالتحقق من الأخبار المزيّفة، توضيحاً مفصلاً أكد فيه أن العريضة الموقعة باسم السفير سيليمان مزيّفة، وأن الحساب الذي نشر العريضة مزيّف هو الآخر، وفضلاً عن هذا، قام المركز بنشر بيان مزيّف ليثبت للجمهور، مدى سهولة تزييف البيانات على موقع (تشينج) وغيره من المواقع المشابهة.
للمزيد: تحقيق مركز “التقنية من أجل السلام” عن الحملة المزيّفة
لكن ورغم سلسلة التوضيحات، استمرت تلك المجاميع، في مهمّتها الإعلامية، وبثت قناة العهد التابعة لفصيل عصائب أهل الحق، مساء الثلاثاء، تقريراً كررت فيه المعلومات التي ثبت زيفها، وواصلت الحديث عن “قتل السيد السيستاني”، وهي القصة ذاتها التي رددتها آلاف الحسابات الوهمية على “تويتر” فضلاً عن قناة الاتجاه التابعة لكتائب حزب الله، وقناة “آي نيوز” وبقية المصادر المشابهة.
ورغم أن السياسي العراقي عزت الشابندر، قدم اعتذاراً بسبب تداوله أخباراً تتعلق بتلك العريضة المزيفة، إلا أن بقية وسائل الإعلام والشخصيات المرتبطة بأجواء تلك المجاميع، واصلت عملها، ولم تقدم أي اعتذار.
’سياق دبلوماسي لكن بإنكليزية ركيكة’
بعد عرض النص على مختصين، بدا أن سياق الوثيقة كان قريباً بالفعل من سياقات الخطابات الدبلوماسية.
إلا أن مختصين في اللغة، قالوا إنهم لم يجدوا صعوبة في اكتشاف أن كاتب العريضة لا يتحدث الإنكليزية كلغة أم، وذلك بسبب ورود الكثير من المصطلحات الخاطئة.
أما من حيث المضمون، فقد احتوت العريضة على جميع الأفكار التي يكررها اتجاه سياسي واحد معروف، في نشاطاته الدعائية، وبمقارنة تلك الأفكار، بدا أنها تخرج من مصدر واحد، حيث ركزت على فكرة “الشيعة العلمانيين والسنة والكرد عملاء للولايات المتحدة” و “وجود المخابرات الاسرائيلية في العراق” و “التمويل السعودي والاماراتي” وغيرها من المضامين التي دأب فريق سياسي معروف على ترديدها منذ ما قبل اندلاع تظاهرات تشرين.
’وكر العرصات’
يقول مسؤول في الأمن السيبراني العراقي في حديث له , إن “الأجهزة المختصة أولت اهتماماً بالغاً، في مراقبة هذه الحملة، لأنها تجاوزت الحدود المألوفة، واقحمت مرجعاً أعلى ينال احترام جميع العراقيين، في قضية تراشق سياسي ومصالحي”، يضيف المسؤول “نراقب معظم الحملات المشابهة، والتي تتسم عادةً بالبساطة والسذاجة، والتي تستخدم (بوتات) تويتر لتمجيد أو تسقيط أطراف محددة حسب طلب الجهة السياسية الراعية في الداخل أو الخارج، لكن الحملة الأخيرة التي تم فيها اقحام اسم المرجع الأعلى علي السيستاني، والتلميح إلى إمكانية استهداف سلامته الشخصية، كانت خطأ كبيراً تورطت به الجهات التي أطلقت الحملة وروّجتها. من جانبنا، أولينا أهمية بالغة للقضية، ولم نتعامل معها كحملة عابرة في سياق الحملات المألوفة”.
ويتابع “ما نُطلق عليه (وكر العرصات) مكوّن من مجموعة كتاب وصحفيين وناشطين ومدوّنين، تقودهم مجموعة من المختصين من جنسيات مختلفة، بينهم عرب، ويتخذون من بغداد مقراً لهم، ومن الشعارات الكبيرة ستاراً لتنفيذ حملات إعلامية تستهدف في الغالب إذكاء الكراهية بين مكونات العراق، لكن الحملة الأخيرة تطلبت وجود (عنصر جديد) على دراية بالخطابات الدبلوماسية، والشكوك تحوم حول شخص عمل ضمن السلك الدبلوماسي العراقي في الولايات المتحدة، ومن الممكن أن يكون هذا المشتبه به، هو مَن يقف خلف كتابة العريضة والتعليقات المزيّفة”.
إخفاقات
يعتمد ترويج البيانات المزيفة في الحملات المشابهة غالباً على نصب “مصائد المغفلين”، حيث يجري نشر البيانات أو الصور المزيّفة عبر مجاميع “واتساب” بانتظار أن يلتقطها صحفيون مبتدئون، ويروّجوا تلك البيانات المزيفة عبر وسائل الإعلام التي يعملون لحسابها.
إلا أن الحظ لم يحالف الحملة المزيّفة التي استهدفت المرجع الأعلى هذه المرة، الأمر الذي اضطر وسائل إعلام وشخصيات محسوبة على طرف واحد لأخذ زمام الترويج للبيان المزيّف.
بالنسبة لخبراء في تحليل البيانات، كان مقتل هذه الحملة، في اللحظة التي اتخذ فيها الإعلام المذكور قرار الترويج بشكل متزامن.
اشترك في الترويج نواب ووسائل إعلام، وبدا للجمهور، أن قراراً صدر من جهة واحدة، وتم تعميمه على الجميع، بضرورة النشر، وهو ما زاد من شكوك المتلقين حول دوافع استمرار تلك الجهات بالترويج لبيان مزيّف، وعرض “مانشيتات” تتحدث عن “مقتل المرجع السيستاني” بشكل متزامن ومكثف على الشاشات.