حرية – (11/8/2021)
تترك الذكريات المؤلمة تأثيراً نفسياً وعقلياً مدمراً على بعض البشر بما قد يغير حياتهم إلى الأسوأ، لكن ماذا لو لم تسبب هذه الذكريات الألم لأصحابها؟ هذا ما يقترب علماء الأعصاب من تحقيقه عبر التدخل في الذاكرة من خلال تقنيات متطورة لعلاج حالات اضطراب ما بعد الصدمة ومرض ألزهايمر والانفصام في الشخصية. وعلى الرغم من أن التجارب الحالية حققت نجاحاً على الحيوانات كالفئران، فإن العلماء يستعدون لتجربتها على البشر، بما قد يفجر جدلاً في شأن أخلاقيات تغيير جزء أساسي من هوية الإنسان. وإذا نجح العلماء في المستقبل القريب في الوصول إلى هذه النقطة، فهل يجب أن يفعلوا ذلك؟
الذكريات المؤلمة
هل يمكنك تذكر كيف شعرت حينما نجحت للمرة الأولى في قيادة دراجة أو سيارة، وماذا عن لحظات نجاحك الفاصلة أو حسرة قلبك الأولى؟ تظل اللحظات التي لا تُنسى والعواطف التي تثيرها باقية في أذهاننا لعشرات السنين، وتتراكم مع الزمن لتشكل بقوة هويتنا كأفراد، لكن بالنسبة إلى أولئك الذين يعانون من صدمة شديدة، تكون ذكرياتهم مؤلمة إلى حد بعيد، ومن الممكن أن تترك الأشخاص الذين يعانون منها في حالات عقلية تغير حياتهم إلى الأسوأ.
ولكن، ماذا لو أمكن إزالة الذكريات المؤلمة؟ قد يتصور البعض أن ذلك أشبه بالمستحيل، غير أن تطور العلوم والتكنولوجيا أدى إلى تطور فهم الدماغ البشري أكثر مما هو متصور، إذ نجحت مجموعات مختلفة من علماء الأعصاب في استخدام تقنيات تتلاعب بالذاكرة بهدف علاج حالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة ومرض ألزهايمر.
وبينما تجري التجارب الأولية التي تحقق حالياً نجاحات مستمرة بشكل أساسي على حيوانات مثل الفئران، يتطلع العلماء إلى إجراء اختبارات مماثلة على البشر، وسط صراع متوقع بشأن تداعيات هذه التجارب وصدامها مع المعايير الأخلاقية حول تغيير جزء أساسي من هوية شخص ما.
ما الذاكرة؟
يطلق علماء الأعصاب على الذاكرة المتعلقة بحدث واحد اسم “إنغرام”، وهو تغيير فيزيائي مادي يحدث في أنسجة المخ المرتبطة بتذكر حدث معين، إذ كشفت الفحوصات المسحية على الدماغ، أخيراً، أن “إنغرام” لا يكون معزولاً في منطقة واحدة من الدماغ، بل يظهر في شكل ألوان متناثرة على امتداد الأنسجة العصبية للدماغ.
وبحسب ستيف راميريز، أستاذ علم الأعصاب في جامعة بوسطن، فإن الذاكرة تبدو أشبه بشبكة في الدماغ أكثر من كونها بقعة واحدة، نظراً لأنه عندما يتم تشكيل ذاكرة “إنغرام” في الدماغ، فإنها تتضمن جميع المدخلات المتعلقة بالبصر والسمع واللمس التي تجعل التجربة لا تُنسى، ومن ثم يجري تشفير خلايا الدماغ في جميع تلك المناطق.
قفزة علمية
وبفضل التطور العلمي والتكنولوجي أصبح العلماء قادرين على تتبع كيفية تحرك الذكريات عبر الدماغ، تماماً مثلما يفعل المحققون الذين يعثرون على آثار أقدام في الثلج. وخلال تجارب أجراها معهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا في بوسطن خلال السنوات الماضية، حقق راميريز وعلماء آخرون قفزة علمية كبيرة، فقد تمكنوا من تحديد الخلايا التي تشكل “إنغرام” واحد في أدمغة الفئران، وزرعوا مكانها ذاكرة مزيفة تسببت في جعل الفئران تتفاعل خوفاً استجابة لمحفز أو منبه معين، حتى عندما لم يتم تأهيلها لذلك المحفز بشكل مسبق.
وفي حين أن أدمغة الفئران ليست متطورة مثل نظيرتها البشرية، إلا أن من شأن هذه التجارب أن تساعد علماء الأعصاب على فهم كيفية عمل ذاكرة البشر، فالأدمغة في الحالتين تعمل بالطريقة نفسها على الرغم من أن الدماغ البشري أشبه بسيارة لامبورغيني، بينما أدمغة الفئران أشبه بدراجة ثلاثية العجلات، لكن العجلات في الحالتين لا تزال تدور بالطريقة نفسها.
تبديل الذاكرة السلبية
وخلال عملهم الحالي، أجرى العلماء تجارب للتحقق عما إذا كانت الذكريات الإيجابية والسلبية مخزنة في مجموعات مختلفة من خلايا الدماغ. ولمعرفة إذا ما كان يمكن استبدال الذكريات السلبية بأخرى إيجابية، حقنوا أدمغة الفئران بفيروس يحتوي على بروتينات مضيئة (فلورسنت)، وزرعوا أليافاً بصرية عبر جراحة بسيطة، وتمت تغذية الفئران بطريقة تمنع الفيروس من الإضاءة إلا حينما يصبح الباحثون جاهزين لتحديد التجربة الإيجابية من السلبية.