حرية – (14/8/2021)
تواجه “أمازون” دعوات إلى تحقيق عام في ترتيباتها الضريبية بعدما وجد تقرير أن الشركة العملاقة للتكنولوجيا أبلغت في لوكسمبورغ عن مبيعات لها في المملكة المتحدة تصل إلى 8.2 مليار جنيه استرليني (11.33 مليار دولار).
وبين تحليل شامل لحسابات الشركة العملاقة للتجارة الإلكترونية وبياناتها العلنية أن “أمازون” كانت قد صرحت في حساباتها الأميركية عن مبيعات في المملكة المتحدة بلغت 13.7 مليار جنيه عام 2019. لكن في إيداعاتها في شأن شركاتها التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً، لم تبلغ “أمازون” سوى عن مبيعات بواقع 5.5 مليار جنيه.
وساندت النائبة العمالية وعضو لجنة المالية، إيما هاردي، مقترح اتحاد “يونايت” بإجراء تحقيق في المليارات “الضائعة”.
ورفضت “أمازون” بقوة الاستنتاجات وأفادت بأن التفاوت يعود إلى أن معظم مبيعاتها إلى المتسوقين البريطانيين سجلتها الفروع البريطانية لشركاتها الموجودة في لوكسمبورغ وبأن الأرقام أُبلِغت إلى هيئة الواردات والجمارك الملكية. ورفضت تحديد مقدار ضريبة الشركات البريطانية التي دفعتها في مقابل هذه المبيعات.
وكشف التقرير، الذي كلف “يونايت” بإجرائه، أن “أمازون” أبلغت عن عوائد بقيمة 57 مليار جنيه في لوكسمبورغ عام 2019. ولو أن المبلغ يتعلق بمبيعات أُجرِيت في لوكسمبورغ، لعني ذلك أن “أمازون” باعت ما قيمته المتوسطة 92 ألف يورو من البضائع والخدمات إلى كل مقيم في الدوقية الكبرى.
وليست “أمازون” ملزمة بالكشف علناً عن الأمكنة التي جرت فيها المبيعات بالفعل. ويقول ناشطون إن هذا يسمح لـ”أمازون” وشركات تكنولوجية عملاقة أخرى بتحقيق أفضلية على المنافسين وتعزيز هيمنتها.
ونمت هذه الهيمنة بسرعة خلال الجائحة مع الاعتماد المتزايد للناس على التكنولوجيا. وأُبرِزت قوة هذا التحول الشهر الماضي حين أبلغت “أمازون” عن مبيعات عالمية بأكثر من 100 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة السابقة وحدها. وحققت “مايكروسوفت” و”أبل” و”غوغل” كلها مبيعات مرتفعة، ما سلط الضوء مجدداً على القوة المتزايدة باستمرار للشركات التكنولوجية الكبيرة.
ويقول تقرير “يونايت”، الذي حصلت عليه “الإندبندنت” حصرياً، بأن الأفضلية التي تنالها “أمازون” من خلال تحويل الأرباح في شكل قانوني إلى ملاذات ضريبية تُعَد عاملاً رئيساً في الهيمنة المتزايدة للشركة.
ونظر الباحثون بقيادة المحاسب القانوني فيفيك كوتيشا في الحسابات الخاصة بـ19 شركة تابعة لـ”أمازون” مسجلة في المملكة المتحدة، تتراوح بين مستودعاتها وعملياتها في مجال الخدمات اللوجستية وشركاتها الأصغر مثل “قاعدة بيانات الأفلام عبر الإنترنت”.
ومن خلال المعلومات التي تكشفها “أمازون” علناً، حاولوا أن يستخلصوا مقدار الضرائب البريطانية التي ربما تتجنبها الشركة.
واستناداً إلى البيانات العلنية لـ”أمازون”، قدر الباحثون أن الشركة دفعت 84 مليون جنيه حداً أقصى على أرباحها، وهو مبلغ يقل بواقع 46 مليون جنيه عن المتوقع.
وتقترح الأرقام أن “أمازون” تستطيع دفع مستحقاتها من ضريبة الشركات من الربح المحقق خلال بضعة أيام فقط من الاتجار.
ورفضت “أمازون” التقديرات باعتبارها “غير دقيقة إلى حد كبير”. وقال ناطق باسمها “تُسجَّل عوائدنا من البيع بالتجزئة و(خدمات أمازون الشبكية) في المملكة المتحدة هنا في المملكة المتحدة ويُبلغ عنها مباشرة إلى هيئة الواردات والجمارك الملكية. وبلغت مساهمتنا الضريبية الإجمالية في المملكة المتحدة 1.1 مليار جنيه خلال عام 2019، وهي 293 مليون جنيه في ضرائب مباشرة، و854 مليون جنيه في ضرائب غير مباشرة”.
وفي حين أن المبيعات تُسجَّل هنا في شكل قانوني من خلال الفروع المحلية للشركات الموجودة في لوكسمبورغ، فهي تُعزَى في نهاية المطاف إلى الشركات الأم التابعة لـ”أمازون” التي تتخذ مقراً من لوكسمبورغ، حيث تدفع الشركة ضرائب على أرباحها الأوروبية.
وتشمل الضرائب غير المباشرة ضريبة القيمة المضافة، التي تجمعها الشركات لصالح الحكومة، والضرائب على الموظفين التي “يدفعها” في نهاية المطاف، وفق ما تبين لعدد من الدراسات، الموظفون في شكل رواتب أدنى.
وقالت شارون غراهام، التي تقود حملة “يونايت” ضد جهود “أمازون” لمنع عامليها من تشكيل نقابة، إن التجنب الضريبي الذي تمارسه الشركة “يترافق” مع موقفها المعادي للعمل النقابي.
وأضافت غراهام “إن دعوتنا إلى تحقيق عام عبارة عن مطالبة بالشفافية والمسؤولية الاجتماعية. وهذا يعني فتح الدفاتر وإعطاء العاملين حرية تشكيل نقابة من دون خوف”.
ووصفت النائبة العمالية وعضو لجنة المالية، إيما هاردي، الاستنتاجات بأنها “مقلقة جداً”، وأيدت دعوة “يونايت” لتحقيق عام في “الأموال الضائعة” لـ”أمازون”.
وقالت هاردي “لا أريد نظاماً ضريبياً يأخذ المال من الناس العاديين ليدعم نمو أكبر شركة معادية للعمل النقابي في العالم”.
كيف “تختفي” 8.2 مليار جنيه؟
يوفر التقرير بعضاً من أكثر المعطيات تفصيلاً حول كيفية تمكن “أمازون” من نقل العوائد بسلاسة من أمكنة تقوم فيها بالأعمال إلى أمكنة تختار دفع الضرائب فيها.
فحين يشتري متسوق منتجاً على موقع “أمازون” الإلكتروني البريطاني، يسجل فاتورته الفرع البريطاني لشركة مسجلة في لوكسمبورغ اسمها “أمازون الاتحاد الأوروبي ذات المسؤولية المحدودة”.
وكان لدى الشركة أربعة آلاف و302 موظف عام 2019، لكنها سجلت عوائد سنوية بلغت 32.2 مليار يورو، أو ما متوسطه 7.5 مليون يورو لكل موظف.
وفي المملكة المتحدة، أبلغت الشركات الفرعية الرئيسة الثلاث لـ”أمازون” عن عوائد بقيمة 207 آلاف يورو لكل موظف. وتشير الأرقام إلى أن موظفي “أمازون” في لوكسمبورغ أكثر إنتاجية بواقع 36 ضعفاً مقارنة بزملائهم في المملكة المتحدة.
وقال أستاذ المحاسبة والمالية في جامعة سيتي، أتول كاي شاه، إن التقرير التفصيلي وفر “عرضاً شاملاً تأخر كثيراً لتجنب (أمازون) الضرائب البريطانية”.
وأضاف شاه “تُعَد ملايين اليورو من (المبيعات) لكل موظف في شركات (أمازون) التي تتخذ من لوكسمبورغ مقراً علامة تحذير في شأن التجنب الضريبي، وهي تؤكد الحاجة إلى شفافية أكبر على مستوى العلاقة بين بلد وآخر”.
وإضافة إلى تسجيل المبيعات في لوكسمبورغ، تشير حسابات “أمازون” إلى أنها تستخدم وسيلة أخرى لخفض فاتورتها الضريبية في المملكة المتحدة.
فإحدى الشركات الفرعية التي تتخذ من لوكسمبورغ مقراً، وهي “أمازون الاتحاد الأوروبي ذات المسؤولية المحدودة”، توفر خدمات لمواقع الشركة الإلكترونية. ثم تدفع شركات “أمازون” في المملكة المتحدة وبلدان أخرى إلى الشركة الموجودة في لوكسمبورغ في مقابل هذه الخدمات، فتنقل العوائد إلى البلد ذي المعدل الضريبي المنخفض.
وتبين حسابات “أمازون الاتحاد الأوروبي ذات المسؤولية المحدودة” لعام 2019 أنها ولدت عوائد بواقع 12 مليار يورو وأنها ضمت 193 موظفاً فقط، ما يمثل 62 مليون يورو لكل موظف.
وقال المدير ورئيس مجلس الإدارة في شبكة العدالة الضريبية، جون كريستنسن، إن الهيكل المؤسسي المعقد لـ”أمازون” يدل على مدى “سوء التواؤم الذي أصبحت عليه الأنظمة الضريبية الدولية في العقود الأخيرة”.
وأضاف “تطلب الأنظمة الضريبية الحد الأدنى من هذه الشركات والحد الأقصى من الأفراد، في حين يُترَك الجمهور لتحمل عبء تخفيضات في الخدمات يوجهها التقشف”.
وأفاد “يونايت” بأن الحكومات تعطي “أمازون” أفضلية على المنافسين المحليين وتدعم عملياً اندفاعها الواضح إلى الهيمنة.
وينص التقرير على ما يلي “يتمثل السؤال الرئيس الذي يبرز من هذا التحليل في ما إذا كنا نرغب في نظام ضريبي يعمل حالياً على دعم الأسعار الأدنى الآن في مقابل الهيمنة على السوق في المستقبل. إن تاريخ الاحتكارات يقترح أن هذه الصفقة خطرة”.
وعبر كريستنسن عن مخاوف مماثلة “إذا وضعنا في المنظور الهيمنة المتزايدة لـ(أمازون) على السوق، يتلخص رأيي في أن نظام تحصيل الضرائب من الشركات المتعددة الجنسيات يمكن نمو احتكارات جديدة، وهذا يضر بجودة الأسواق حول العالم”.
وقال نيكولاس شاكستون، المؤسس المشارك لمشروع الاقتصاد المتوازن، الذي يشن حملة من أجل العدالة الاقتصادية، إن الاحتكارات والملاذات الضريبية “تترافق” لأنها “تشمل ذهنية السلوك المعادي للمجتمع”.
“فالاحتكارات تولد أرباحاً كبيرة، والملاذات الضريبية تخفي الأدلة وتخفض الفواتير الضريبية الخاصة بهذه الأرباح.
“وتُعد مناورات (أمازون) في لوكسمبورغ [مثالاً] كلاسيكياً على كيفية تعرض أسواقنا وأنظمتنا الضريبية إلى الإفساد”.
ولتقليص التجنب الضريبي، يقترح التقرير أن تنشر الشركات المتعددة الجنسيات حسابات تتعلق بكل بلد على حدة تبين بوضوح نشاطها والضريبة التي تدفعها في كل سوق.
وتجمع الحكومات في 38 بلداً غنياً بالفعل هذه البيانات من الشركات المتعددة الجنسيات، لكن الأرقام الكلية هي فقط ما يُنشَر. وتؤكد هذه الأرقام أن أرباحاً بمليارات الجنيهات تُحوَّل سنوياً، لكن أي شركة فردية تتجنب الضرائب لا تتعرض إلى “التسمية والتشهير”.
ويتجمع زخم من أجل الإصلاح، فقد وافقت مجموعة الدول السبع أخيراً على اتفاق تاريخي حول معدل أدنى عالمي لضريبة الشركات يساوي 15 في المئة في الأقل، وهذا من شأنه أن يقلل الحافز على التجنب الضريبي.
وسيعني جزء ثان من القواعد المقترحة وجوب إعادة 20 في المئة في الأقل من الأرباح العالمية للشركات المتعددة الجنسيات إلى البلدان التي تعمل فيها وإخضاعها إلى الضرائب هناك وفق المعدلات المحلية لضريبة الشركات.