حرية – (21/8/2021)
بدافع أساس، هو “منح السكان حياة أفضل وزيادة رقعة المساحات الصالحة للعيش”، انخرطت نساء عراقيات في فرق لإزالة الألغام والمخلفات الحربية غير المنفلقة في محافظة نينوى، والعائدة لفترة سيطرة تنظيم داعش على المحافظة بين منتصف 2014 وحتى 2017.
تقود نور منذر، 28 عاماً، فريقاً نسوياً تتوزع الأدوار على أعضائه، فهناك باحثات عن الألغام والمخلفات الحربية، وأخريات مختصات بتوعية المدنيين حول خطر هذه الأجسام المتفجرة إضافة إلى نساء يختصن بالطبابة.
وترك تنظيم داعش الكثير من المخلفات الحربية ورائه، وكان يعمد أحياناً إلى إغراق مناطق بالألغام لإعاقة تقدم القوات العراقية المشتركة نحوها، إضافة إلى إنشائه معامل لصناعة المتفجرات في نينوى.
مناطق كانت ملوّثة.. وهي الآن مزروعة
وتمكن فريق نور من تطهير مساحات كبيرة من الأراضي، كانت ملوّثة بالألغام والذخائر غير المنفلقة ما يجعلها غير صالحة للحياة، لكنها الآن “باتت تستخدم للزراعة، يومكن لسكانها أن يعيشوا حياتهم دون خوف من الموت أو العوق نتيجة انفجار المخلّفات الحربية”، كما تقول.
“هدفي الأساس هو المساعدة في تطهير أكبر مساحة ممكنة من الأراضي التي خربها تنظيم داعش عبر زرعها بالألغام والعبوات الناسفة والمتفجرات التي خلّفها في نينوى. نعمل لضمان عودة الأهالي بسلام وممارسة الأطفال حياتهم بشكل اعتيادي”، تقول نور
ينضوي فريق نور، الشابة الحاصلة على درجة البكلوريوس في القانون، ضمن منظمة “FSD”، وهي منظمة دولية مختصة في مجال إزالة الألغام والمخلفات الحربية.
وعن كيفية دخولها هذا المجال، تقول نور منذر: “كان هذا قبل ستة أعوام. عملت أولاً كموظفة ميدانية في مجال التوعية بمخاطر العبوات والمخلفات الحربية وتدرجت عبر الدورات التدريبية حتى وصلت لرتبة قائد فريق”.
إلى جانب نور، تعمل نسرين قاسم في مجال التوعية بمخاطر الألغام والبحث عنها، وتشترك مع قائدة فريقها في الدافع للانخراط في هذه الأعمال الخطرة: “كل المشتركات معنا لهن هدف واحد. منح سكان المناطق المحررة فرصة ثانية للعيش بسلام”.
“أريد طمأنة أهلي”
وتستذكر قاسم، المتحدّرة من قضاء سنجار غرب نينوى، خلال حديثها ، اللحظة التي قررت فيها الالتحاق بفرق إزالة الذخائر الحربية: “شاهدت الدمار والخوف الذي دب بين الأهالي والأطفال في سنجار. وودت أن أقدم شيئاً لعائلتي ومنطقتي وأن أطمأن الأهالي بأن هناك من يساندهم في العودة إلى منازلهم وهي آمنة”.
لا يقتصر عمل هذه الفرق النسوية على الموصل، بل يمتد إلى المناطق المستعادة من تنظيم داعش بشكل عام.
“متاعب لكنها عادية”
كما لا تأتى المخاطر أو المتاعب التي قد تواجههن من الألغام والمتفجرات وحسب، فمرة، تقول نسرين “كنا نمارس عملنا في توعية سكان منطقة قريبة من أطراف الموصل بمخاطر الألغام والمخلفات الحربية أو أية أجسام غريبة، لكنها عمدوا إلى ضربنا أنا وفريقي بسبب انفجار لغم أرضي على طفل وتوفي إثر ذلك. الأهالي حملونا مسوؤلية الانفجار وبأعجوبة نجونا منهم”.
وتعرض فريق نسرين، كما تقول، للكثير من المتاعب، حتى أنه عدّ ذلك جزءاً من مخاطر العمل: “لا نقف عند هذه الأمور كثيراً، خاصة وأننا نعلم جيداً ما قاسته هذه العائلات من أهوال خلال فترة سيطرة داعش على مناطقهم وما بعد استعادتها”.
في منازلهن، لا تعرف عائلات أعضاء الفريق الكثير عن عملهن أو خطورته، فنسرين أخبرت عائلتها أنها تعمل في القسم المكتبي، لكنها في الحقيقة تعمل كباحثة عن الألغام في مناطق خطرة، ولو علمت عائلتها بذلك فإنها بالتأكيد سترفض، كما تقول.
من جهتها، عانت نور منذر، قائدة الفريق “كثيراً” مع عائلتها لتتقبل حقيقة عملها في مناطق بعيدة عن سكنها أو في محافظات أخرى، وتقول إن “والدتي غير مقتنعة بحقيقة أنني متمرسة في التعامل مع المخلفات الحربية، خاصة وأنها، أي الذخائر غير المنفلقة، لا تعطي فرصة أخرى أبداً. أنا مسؤولية عن حياة فريق والحفاظ عليه دون أذى”.
تزج الشركات المختصة بإزالة الألغام، النساء اللواتي يرغبن العمل في هذا المجال، في دورات تدريبية مكثفة، كما يؤكد فوزي عبد النبي صوب الله، المدير العام لعمليات تلعفر في شركة ” “GCSالمختصة بذلك.
ويقول صوب الله :، إن هذه الدورات تكون مكثفة حول آليات إزالة المخلفات الحربية، أما بالنسبة لعاملات الطبابة اللواتي يرفقن الفرق، فيجب أن يكن درسن هذا المجال أكاديمياً، بينما تخضع النساء المختصات بالتوعية لدورة في مجال التواصل المجتمعي وكيفية التعامل مع الجموع البشرية بمختلف الأعمار.
وعن آلية اختيار المتقدمات لهذه الدورات، يوضح صوب الله، إن العمر يجب أن يترواح بين 20 – 40 عاماً، وأن تكون المتقدمة من سكان المنطقة وذات خلق حسن وصحة جيدة.
ورغم مرور نحو 5 سنوات على استعادة القوات العراقية المشتركة السيطرة على محافظة نينوى، لا تزال هناك مناطق ملغومة ولم ترف عنها أية مخلفات حربية سواءً في قضاء سنجار والمناطق القريبة على معمل الاسمنت فيه، أو المنطقة القديمة في الموصل وسوق السراي ومنطقة القحطانية وتل قصب والقيروان، وفق هذا المسؤول.
ويشير المدير العام لعمليات تلعفر في شركة “”GCS إلى أن مناطق العياضية والعاشق وتمارات وقرى فقه وتل جدوع وهارونة وصاجعة في قضاء تلعفر، والمناطق القريبة على ناحية زمار، تنتشر فيها مخلفات حربية أيضاً.
في تلعفر، يعمل فريق نسوي مكون من 8 أعضاء على إزالة هذه الألغام والملخفات الحربية، اثنتان منهن مختصان بالبحث وآخريان بالتوعية، وواحدة في مجال التطبيب.
“إنجازهن كبير”
“هذا الفريق طموح ويتساوى مع الرجال في تحقيق الإنجازات الخاصة بإزالة الذخائر الحربية. لقد طهر العديد من البنى التحتية والأراضي الزراعية من العبوات والمخلفات الحربية والألغام”، يقول فوزي صوب الله.
تفيد بيانات متفرقة لمديرية الدفاع المدني بتنفيذها 755 واجباً لإزالة الألغام، نتج عنها معالجة ورفع أكثر من8590 مخلفا حربيا، و33 قنبلة طائرة مختلفة الأحجام.
“إزالة الألغام ليست عملاً سهلاً، لأنها تكون مدفونة وتقنية عملها غير معروفة، كما قد تتعرض فرق الغزالة إلى مخاطر أخرى، مثل الظروف المناخية التي تسبب للعاملين ضربات شمس وحروق البشرة وجفاف الأعين في فصل الصيف”، يختم فوزي عبد النبي صوب الله حديثه .