حرية – (29/8/2021)
“عهد جديد من العلاقات” إذن، “يبادر فيه العراق إلى تذويب اصطفافات المحاور التي كبّدت شعوب المنطقة الخسائر والتخلف، ووفق رؤية عراقية جديدة قائمة على شراكة صلبة قاعدتها تبادل المصالح ورفاه الشعوب”. هكذا يختصر مسؤول عراقي -مختص بالتخطيط الستراتيجي- مشهد اصطفاف قادة المنطقة على أرض العاصمة بغداد.
وأجري خلال الساعات الماضية سلسلة حوارات مع مسؤولين عراقيين شاركوا في تنظيم قمة بغداد التي حملت اسم “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”، كان من بينهم مسؤولان في قطاعي النفط والكهرباء، وآخر من وزارة التخطيط، ودبلوماسي سبق أن شارك في جولات الحوار الستراتيجي مع الولايات المتحدة.
وعلِم من كواليس قمة بغداد، شهدت مناقشة “الرؤية العراقية” التي تتخذ من قطاعي النقل والطاقة أساساً لها.
واستعرض العراق وفقاً للمصادر، ملامح رؤيته أمام جميع المشاركين في مؤتمر قمة بغداد، حيث أبدت القيادات المُستضافَة من الصف الأول موافقات مبدئية على الانتقال إلى مرحلة ما بعد الفكرة، بينما حمل دبلوماسيو دول أخرى نسخة مكتوبة من الرؤية لطرحها على قياداتهم.
وتنطلق الرؤية العراقية، من أن دول المنطقة، وبخاصة، تلك المشاركة في القمة، قد تكلّفت خسائر كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب صراعات المحاور من جهة، قبل أن تعصف تداعيات جائحة كورونا باقتصادات جميع الدول، وهو ما يستدعي تحركاً خارج المسارات التقليدية، وبعيداً عن الاصطفافات القديمة التي تُثبت يوماً بعد آخر أنها لا تحقق مصالح الأطراف المُصطفة، بل تزيد خسائرها الاقتصادية والسياسية.
وتبعاً للقاءات التي عُقِدت على هامش القمة العراقية بدا أن عملاً كبيراً قد أُنجِزَ تمهيداً للشروع في فتح ملفات آلاف المشاريع الستراتيجية المتوقفة بين بلدان المنطقة لدواعٍ سياسية في الغالب، والتي يخطط العراق ليكون واحداً من منظميها والمساهمين في إنعاشها والمستفيدين من عوائدها، وخاصة على صُعُد النقل والطاقة والتجارة البينية.
ملف الطاقة
ويخطط العراق ليكون عقدة تبادل مختلف مجالات الطاقة، ومن بينها الكهرباء، وعلى امتداد شبكة تربط الدول العربية، كمصر والأردن ودول الخليج، بإيران وتركيا ومنها إلى آسيا، دون استثناء سوريا ولبنان.
وفضلاً عن الغاز والنفط والمعادن، يهدف العراق إلى الارتباط كهربائياً بجميع تلك الدول وأن يكون “مركز الربط الكهربائي” بينها.
ويشمل التوجه العراقي الجديد، تعزيز موقع العراق على قائمة الدول التي تعتمد مصادر الطاقة المتجددة، كالرياح والطاقة الشمسية، وقد استبقت الحكومة العراقية قمة بغداد، بإعلان تغيير اسم وزارة الكهرباء، لتصبح “وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة”، كما قطعت دول عديدة من المشاركين في مؤتمر بغداد، شوطاً متقدماً في هذا المجال، على رأسها مصر.
تطوير القناة الجافة
أما الجزء الآخر من الرؤية العراقية، فيتعلق باستثمار الموقع الجغرافي للعراق، بما يحقق مصالح وطنية ستراتيجية، ويجمع فرقاء المنطقة على مائدة المكاسب عوضاً عن ميدان التطاحن.
ويكرر المسؤولون العراقيون منذ سنوات الحديث عن ما بات أقرب إلى “حلم” القناة الجافة، وهي شبكة طرق كبرى تربط الخليج العربي بتركيا ومنها إلى أوروبا، لكن هذا المشروع -الذي لم يولد بعد- يبدو متواضعاً إذا ما قُورن بما يضعه العراق على أجندته الحالية. فالرؤية التي ينطلق منها العراق لا تستهدف الاكتفاء بربط الخليج بتركيا، بل تبدأ بربط العراق بدول جواره عبر شبكة سكك وطرق برية حديثة، تربط الشرق بالغرب، والشمال بالجنوب، أو كما يقول مسؤول في قطاع النقل شارك في مباحثات القمة- “إنها خطة ربط الجميع بالجميع عبر العراق”، وقد دُعيت جميع الأطراف الإقليمية والدولية التي قد تشعر بقلق ستراتيجي من الحديث عن مشاريع من هذا النوع، وشملت المباحثات الثنائية بين العراق وممثلي تلك الدول، استعراضاً شاملاً لإزالة المخاوف، وإثبات أن تحوّل الامتداد العمودي للخارطة العراقية إلى ممر تجارة دولية إنما يعد بتحقيق مكاسب كبيرة سرعان ما سيلمسها جميع الشركاء.
تمرير مقترح “الكاظمي ماكرون”: قمة دائمة
مسؤول في الخارجية العراقية قال إن اللقاء بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، انتهى إلى ضرورة توسيع هذا المحفل الدولي، وعدم اقتصاره على قمة بغداد، ليتقدم الرئيسان بمقترح وافق عليه القادة وممثلو البعثات، يقضي باستمرار عقد هذه القمة بشكل دوري، مع إشراك المزيد من الدول، سواءَ كان اللقاء المُقبل في بغداد أو أية عاصمة أخرى من عواصم قمة بغداد.