حرية – (29/8/2021)
فك وأسنان “بيس”، امرأة عاشت في زمن غابر عثر عليها مدفونة في كهف “لينغ بانينغ” أو “كهف الخفافيش” (جامعة حسن الدين)
كشف تحليل جيني جديد عن أن امرأة شابة دُفنت قبل 7 آلاف و200 سنة في جزيرة سولاويسي الإندونيسية، انتمت إلى سلالة جينية لم تعد موجودة من بشر كانوا من المستوطنين الأوائل الذين غادروا البر الرئيس لآسيا.
في دراسة نشرتها مجلة “نيتشر” Nature العلمية الأربعاء الماضي، ورد أن تلك البقايا (التي خضعت لتحليل جيني)، كانت قد اكتشفت عام 2015، وتعود إلى “بيس” كما سميت، امرأة تبلغ من العمر 17 أو 18 عاماً توفيت قبل نحو 7 آلاف و200 سنة مضت، وتتميز بأنها الهيكل العظمى الوحيد المعروف لشخص من شعب “تولين”.
كان شعب “تولين” عبارة عن مجتمعات صيد غامضة عكفت بشكل خاص على اصطياد خنازير برية متوطنة في المنطقة وجمع المحار من الجداول ومصبات الأنهار في جزيرة سولاويسي، حسبما قال علماء في الآثار (أركيولوجيا) تولوا الدراسة، بعضهم من “جامعة غريفيث” في أستراليا.
ولكن السجلات الأثرية لأبناء شعب التولين اختفت بعد بضعة آلاف من السنين من ظهور المستوطنات الأولى للعصر الحجري في جزيرة سولاويسي.
كان شعب التولين على قرابة بالبشر المعاصرين الأوائل الذين دخلوا ما يسمى والاسيا Wallaceaمنذ نحو 65 ألف سنة أو أكثر، على ما يقول علماء الآثار، الذين استندوا في نتائجهم إلى جمع الأدلة.
معلوم أن والاسيا كانت مجموعة غابرة في القدم تتألف في معظمها من جزر إندونيسية، تشمل سولاويسي ولومبوك وفلوريس، وقد كانت ذات يوم بوابة إلى غينيا الجديدة وأستراليا.
“شكلت تلك الجماعات، التي حصلت على طعامها من طريق الصيد وجمع الثمار واستعملت البحر كثيراً كوسيلة سفر، السكان الأوائل الذين عاشوا في “ساهول”، علماً بأنها القارة العملاقة التي ظهرت خلال العصر “البليستوسيني” (أو “العصر الحديث الأقرب” ويشار إليه غالباً بالعصر الجليدي) عندما انخفضت مستويات مياه البحار في العالم، ما أدى إلى انكشاف جسر بري يصل بين أستراليا وغينيا الجديدة، كما صرح الباحث المشارك في الدراسة آدم بروم من “جامعة غريفيث”.
وفق الدكتور بروم، “كي يصلوا إلى ساهول، عمد هؤلاء البشر الرواد إلى عبور المحيط عبر والاسيا، غير أن قلة من رحلاتهم معروفة”.
كشف تحليل جينوم المرأة أيضاً عن أن علاقة قربى بعيدة جمعتها بسكان أستراليا الأصليين الحاليين و”الميلانيزيين” Melanesians (نسبة إلى منطقة ميلانيزيا)، علماً بأنهم السكان الأصليين لجزر غينيا الجديدة وغرب المحيط الهادي.
كذلك قال العلماء إن المرأة ورثت بعض الأجزاء من حمضها النووي من نوع الـ”دي أن أي” DNA من أبناء إنسان “دينيسوفا” Denisovan المنقرض الآن، الذين كانوا على قرابة بعيدة بأفراد [النوع البدائي الشبيه بالبشر المسمى] “نياندرتال” Neanderthals.
نظراً إلى أن الأحافير التي عثر عليها عموماً كانت متفرقة وقليلة، بالإضافة إلى أن الحمض النووي الذي يعود إلى زمن سحيق يتحلل بسهولة نتيجة مناخ المنطقة الاستوائي، قال العلماء إن قلة قليلة من المعلومات عرفت سابقاً حول تاريخ السكان الخاص بالإنسان الحديث في والاسيا.
ولكن الآن، قدمت بقايا المرأة الشابة أول حمض نووي بشري موغل في القدم على الإطلاق في منطقة والاسيا، بحسب ما قال الباحثون.
“وجد فريقنا البحثي حمضاً نووياً غابراً في القدم من نوع الـ”دي أن أي” بقي محفوظاً داخل عظمة الأذن الداخلية للفتاة “بيس”، ما زودنا بأول دليل جيني مباشر على شعب “التولين”، كما كتب العلماء في مقال نشر على موقع “ذي كونفرزيشن” The Conversation.
استناداً إلى نسبة الـ”دي أن أي” التي تعود إلى إنسان “دينيسوفا” التي وجدها العلماء لدى “بيس”، يظن هؤلاء أن نقطة الالتقاء الرئيسة بين جنسنا البشري، الإنسان العاقل Homo Sapiens وإنسان “دينيسوفا” ربما كانت في جزيرة سولاويسي أو في مجموعة جزر والاسيا.
في الواقع، هذا الاكتشاف أشبه بالأدلة المستقاة من حفريات بشرية بدائية وجدت في أوروبا أكدت وجود تواصل بين أبناء إنسان “نياندرتال” والبشر المعاصرين.
“يفضح اكتشاف “بيس” وانعكاسات سلالتها الجينية مدى ضآلة معرفتنا في شأن القصة الإنسانية المبكرة التي شهدتها منطقتنا، ويبين أن الكثير من جوانبها ما زال طي المجهول”، ختم الدكتور بروم.