حرية – (31/8/2021)
حلمهم طائرة وتذكرة سفر، شباب طموح بحياة آمنة من دون خوف أو تهديد، ما يجمعهم هو نفسه ما يفرقهم عن نسيجهم الاجتماعي الكبير.. نعم أنهم الاقليات في العراق، وتحديدا الاطياف الدينية المتنوعة في محافظة ديالى أو كما تشتهر بـ”أم البرتقال”.
شكلت ديالى موطنا للكثير من الاقليات الدينية في العراق على مدار قرون عدة، بل نجد في بعض المدن والقرى عوائل تتحدث لغات عدة في آن واحد، ما يؤكد التعايش السلمي بين الاجيال، قبل ان تسهم 3 عوامل مجتمعة في استنزاف تلك الاقليات، وتقلل اعدادها خلال العقود الـ4 الماضية.
لم يكن السفر هاجسا
حسن اوغلوا شاب تركماني، قال في حديث لموقع, إن “بعقوبة كانت تضم مئات الاسر التركمانية، قبل 2006، إذ لم يكن حلم السفر إلى الخارج هاجسا في ديالى كما هو اليوم، لكن عددا كبيرا منها رحل الى خانقين او كردستان او هاجر إلى خارج العراق”، لافتا إلى أن “عدد التركمان انخفض في بعقوبة ربما 70%”.
وأضاف أوغلوا أن “التركمان هم القومية الثالثة في ديالى والعراق، لكن اسباب عدة دفعتهم للارتحال، من أجل البحث عن الامن والمستقبل الزاهر”، مؤكدا بأنه “يفكر جديا في الهجرة بعد اكمال دراسته الاكاديمية العام المقبل”.
وأشار إلى أن “عددا كبيرا من تركمان حوض حمرين، سواء في السعدية أو جلولاء وجبار وقره تبه، هاجروا الى كردستان او الجنوب، والأغلب منهم لم يعودا بعد التحرير، خاصة وان منازل اغلبهم دمرت واحرقت، بسبب الارهاب بعد احداث اجتياح داعش لمناطقهم بعد حزيران 2014”.
دعوات لعودة جميع الاسر النازحة
من جهة أخرى، قال الناطق باسم شرطة ديالى العميد نهاد المهداوي، في حديث لموقع، إن “الاوضاع في ديالى مستقرة والاجهزة الامنية تؤمن حماية جميع المناطق المحررة”، لافتا إلى أن “القيادة وجهت دعوات لعودة جميع الاسر النازحة من كل الاطياف العراقية دون استثناء”.
وأوضح المهداوي، أن “محافظة ديالى، قد مرت بأوضاع عصيبة، بسبب الارهاب لكن الاجواء الامنية تغيرت الأن”، لافتا إلى “نجاح القيادة في اعادة عشرات الاسر من الاطياف، خلال السنوات الماضية”.
من جانبه، قال عضو لجنة الامن والدفاع النيابية ايوب الربيعي، إن “ديالى مرت بفترات دامية بسبب الارهاب، إذ دفعت جميع اطيافها ثمنا باهضا بسبب الافكار المتطرفة، ومنهم الاقليات الذين يشكلون جزءا من النسيج الوطني”.
وأشار الربيعي، إلى أن “عدم عودة الكثير من الاقليات الى مناطقهم، ليس مرتبط بالأمن والاستقرار، بل بالوضع المعيشي والاستقرار الاسري وامور اخرى، لكن مع ذلك ندعم عودة الجميع دون استثناء، وندعو لتوفير كل السبل لعودة الاسر المهجرة والنازحة من جميع المناطق”.اليهود أول الطوائف المختفية
أما علي الخيلاني، باحث تاريخي، قال في حديث له ، إن “محافظة ديالى كانت تضم -إلى نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي-، اسر يهودية في المقدادية وبعض المدن الاخرى، وكان لدى بعضهم املاك كبيرة، لشهرتهم في ميادين التجارة، إذ لايزال في المقدادية، زقاق سكني قديم يطلق عليه حارة التوارة أو اليهود”.
وأضاف الخيلاني، أن “اليهود هم اول طائفة تختفي من خارطة المشهد الاجتماعي في ديالى، قبل حلول عقد الثمانيات ولا سباب متعددة، لكن المؤكد بأن أغلب مدن المحافظة كانت بيئة حاضنة لجميع الاطياف والديانات، لكن هذا فعل الصراعات السياسية التي كانت وراء أغلب المشاهد المؤلمة بعد ذلك”.
وقال ايوب اللهيبي مدرس متقاعد مختص بالتاريخ، في حديث لموقع إن “بعقوبة وهي اكبر مدن ديالى، كانت تضم العديد من الاقليات الدينية ولو بأعداد متفاوتة، ومنها المسيحيين والصائبة والكاكئيين، وايضا التركمان وهم قومية، لكن بعد حرب الثمانيات وما تلاها من حصار اقتصادي قاس ثم دخولنا معترك سنوات الدم (2006-2009) والتي كانت اقسى تجربة مرت بها بعقوبة بسبب تنامي خط التطرف والاغتيالات والانفجارات، ما ادى الى تقليص اعداد الاقليات بنسبة كبيرة جدا تصل الى 80-90%”.
وأضاف اللهيبي، أن “اجمالي الاسر المسيحية في بعقوبة لا تزيد عن 20 اسرة، أما الصابئة، فأن عددهم أقل، واما الاسر الكاكئية، فقد رحلت الى خانقين وكردستان، والتركمان ايضا اعدادهم في انخفاض مستمر جدا”.
واشار اللهيبي إلى أن “القاعدة والتي كانت ابرز التنظيمات المسلحة في بعقوبة، بعد 2006، قد تعاملت بقسوة واجرام مع جميع الطوائف دون استثناء، ومنهم الاقليات، إذ قتل بعض افرادها، مما أجبر الكثيرين على الانتقال الى محافظات اخرى، ومنها كردستان، فيما هاجر البعض الاخر إلى خارج البلاد”.
اما يوسف جرجيس، مسيحي 67 سنة قال في حديث له ، إن “90% وربما اكثر من مسيحي بعقوبة، قد غادروا مكرهين خلال العقود الـ4 الماضية الى خارج ديالى، ومنهم من سكن كردستان، فيما هاجر البعض إلى أوروبا وبقية البلدان”، لافتا إلى أن “المدينة مرت بظروف صعبة، لكن تبقى فوضى ما بعد 2006 هي السبب الاكبر في دفع الكثيرين إلى النزوح”.
وأشار جرجيس إلى أن “المسيحيين لديهم كنيسة في بعقوبة واخرى مغلقة في خانقين، لكن في كل الاحوال، تقام اغلب الصلوات في بغداد او كردستان”، لافتا إلى أن “القاعدة تعاملت مع الجميع، وفق مبدأ الدم، لذا كانت فترة سيطرتهم على اجزاء من بعقوبة هي الاكثر دموية”.
وتعرضت الأقليات في العراق على مدى أكثر من ثمانين عاما، إلى حملات ترويع وترهيب وتهجير قسري، لأسباب اختلفت باختلاف المناخ السياسي في كل فترة، والنتيجة تلاشي مكونات النسيج العراقي.
ويواجه المسيحيون في العراق هجمات واغتيالات وأعمال عنف تدفعهم في النتيجة إلى مغادرة البلد بحثا عن الأمان، والمسيحيون ليسوا الوحيدين وحدهم المستهدفين بالعنف والترويع والتهجير، فتاريخ العراق حافل بأمثلة حزينة مؤلمة عن التهجير، ففي الأربعينات والخمسينات والستينات استُهدف اليهود في العراق، وهم مكوّن أساسي في البلد، وأجبروا على ترك وطنهم والهجرة، وفي السبعينات والثمانينات استُهدف الأكراد الفيلية ومئات الألوف من العراقيين بتهمة التبعية لإيران وأجبروا على ترك وطنهم وألقي بهم في حقول الألغام على حدود إيران، والآن ومنذ سنوات يتعرض المسيحيون إلى أعمال عنف، جعلت عددهم في العراق ينخفض من مليون وربع إلى 600 ألف أو اقل.