حرية – (26/9/2021)
السؤال عن الأمن والاستقرار بعد الانتخابات العراقية يبقى مطروحا (أ ف ب)
على الرغم من التوقعات الكبيرة بتدني نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية المقبلة، فإن التوقعات بشأن نسب تمثيل الكيانات المشتركة في الانتخابات تشغل أوساط الباحثين، إذ تتزايد التساؤلات بشأن إمكانية حدوث تغيير في مشهد البرلمان المقبل مع التطورات العديدة التي شهدتها الساحة العراقية منذ الانتخابات الماضية، وتحديداً ما جرى خلال عام 2019 من انتفاضة واسعة شملت معظم المحافظات العراقية.
ومع كون الانتخابات المقبلة تأتي كاستجابة لمطالب انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، إلا أنها تشهد مقاطعة واسعة من قوى الانتفاضة التي تعتبر أنها لا تراعي متطلبات ضمان النزاهة وعدالة التنافس بين الكتل المشتركة، فضلاً عن عدم تحقيق الحكومة العراقية شروط الانتفاضة في حسم ملف قتلة المتظاهرين وإنهاء ظاهرة السلاح خارج إطار الدولة.
تقارب النتائج
لطالما تردد شعار “قوى الدولة” في مواجهة قوى “اللادولة” والسلاح المتفلت خلال الأشهر الماضية. الأمر الذي يزيد التساؤلات بشأن إمكانية أن يؤدي هذان الاتجاهان إلى صراع ما بعد الانتخابات المقبلة.
ويبدو أن التوقعات بتقارب نسب تمثيل الكتل المختلفة بعد الانتخابات يقوض إمكانية نشوء صراع مع ما يطلق عليه “قوى اللادولة” أو الكتل ذات التمثيل المسلح، لتحل محلها التسويات السياسية والمحاصصة كعنوان دائم للنظام السياسي في العراق.
وعلى الرغم من تفاوت الشعارات الانتخابية التي تطلقها الكتل المختلفة، يرى العديد من المراقبين أنها لا تعدو كونها محاولات لإشعال الصراع الانتخابي واستقطاب الناخبين.
وتتباين التوقعات بشأن نسب التمثيل السياسي للكتل المختلفة ما بعد الانتخابات المقبلة. إلا أن عوامل عدة تجعل التنبؤ بنسب تمثيل المكونات المختلفة أمراً صعباً، خصوصاً مع تقسيم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية.
وعلى الرغم من صعوبة توقع أعداد المقاعد التي ستحظى بها الكتل المتنافسة، فإن مراقبين يرون أن نتائج الانتخابات لن تشهد اختلافاً كبيراً عما كانت عليه خلال الانتخابات السابقة عام 2018.
ويرى رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث، منقذ داغر أن التنبؤ بنتائج الانتخابات “يكاد يكون مستحيلاً بسبب القانون الجديد الذي جعل من البلاد 83 دائرة انتخابية”، مستدركاً أن كل ما تتحدث عنه الكتل السياسية من محاولات قياس لنتائجها مجرد “دعاية انتخابية”، ويشير داغر إلى أن نتائج الانتخابات المقبلة “لن تكون أفضل مما جرى خلال انتخابات عام 2018″، مبيناً أن الجمهور الذي سيشترك “يمثل بشكل عام جمهور الموالين للأحزاب، مما يعطي مؤشراً قوياً على أن الانتخابات لن تخرج بجديد وستستمر سيطرة القوى التقليدية”.
ويعتقد داغر أن “لعبة الائتلافات” ستعود بقوة إلى المشهد السياسي العراقي، مضيفاً أن تشكيل الحكومة المقبلة سيرجع إلى “التوافقات الخارجية والداخلية، ما يجعل السيناريوهات مفتوحة في المرحلة المقبلة”.
ولعل الخشية الحقيقية تتمثل في مشهد ما بعد الانتخابات، كما يعبر داغر الذي يعتقد أن “الانتخابات ستعطي للفاعلين السياسيين وهماً زائفاً بالفوز والأمان، لكنها ستصب مزيداً من الزيت على النار، وربما تسهم في حدوث انفجار جديد للأوضاع، خصوصاً في المناطق الجنوبية من البلاد”.
“الدولة واللادولة”
في المقابل، يعتقد رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن تعتمد الخريطة السياسية المقبلة على نسب المشاركة في الانتخابات، مضيفاً أن اختيار الناخبين لشخصيات مستقلة ربما سيسهم في إنتاج “خريطة سياسية جديدة تتمثل في صعود قوى وأيديولوجيات مختلفة عما سبق”.
وعلى الرغم من حديث الشمري عن أن نسب المشاركة ستسهم في تغيير نتائج العملية السياسية في البلاد، فإنه يستبعد أن تمثل الانتخابات المقبلة “نهاية الأحزاب التقليدية”.
ويتوقع الشمري أن تضمن المشاركة الواسعة تغييراً في توزيع مقاعد البرلمان المقبل بنسبة لا تتجاوز “30 في المئة”. ما يعني “بقاء تصدر الأحزاب التقليدية على مخرجات الانتخابات”.
ويلفت إلى أن امتلاك الأحزاب التقليدية أدوات فاعلة من بينها “المال السياسي واستخدام مؤسسات الدولة في السباق الانتخابي، فضلاً عن السلاح المتفلت”، ستسهم في “فرض إرادتهم الانتخابية على العراقيين”.
وفي شأن ما بات يطلق عليه الصراع بين “قوى الدولة واللادولة”، يشير الشمري إلى أن “ضغوط قوى السلاح والمحاصصة والتوافقات ربما تزيح الصراع بين قوى الدولة واللادولة”، مستبعداً إمكانية “انبثاق معارضة من القوى التقليدية أو شبه التقليدية”.
ويختم أن التسويات السياسية وفق شروط متبادلة بين “قوى الدولة واللادولة” ستكون حاضرة في النهاية، خصوصاً مع التوقعات التي تشير إلى تقارب نتائج الكتل المختلفة بعد الانتخابات.
صراع متوقع
وعلى الرغم من الحديث عن أن نسب مشاركة العراقيين في الانتخابات ربما تسهم في تغيير الخريطة السياسية في البلاد، يرى مراقبون أن القوى التقليدية وتحديداً ذات الأجنحة المسلحة باتت تحكم سيطرتها على المشهد الانتخابي. ما يقوض إمكانية منافستها من قبل القوى الناشئة.
ويعتقد الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي أن مقاطعة الانتخابات المقبلة أكثر جدوى بالنسبة إلى قوى الانتفاضة، مضيفاً أن اشتراك تلك القوى كان سيؤدي إلى اندماجها في “دوامة الصفقات السياسية مع نظام سياسي متصالح مع الفساد والإرهاب، ما يضيع قيمة الثورة الاعتبارية”.
ويستبعد الشريفي أن تشهد مرحلة ما بعد الانتخابات حالة من الاستقرار الأمني والسياسي، مضيفاً أن أسباب تحفيز الصراع ما زالت حاضرة، خصوصاً في حال “انحسار نسب تمثيل الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة، الأمر الذي قد يدفعها إلى التمرد”.
ويبدو أن التوقعات في شأن تقارب نتائج الكتل المختلفة في الانتخابات المقبلة سيكون السبب الرئيس خلف “تغييب مشهد صراع الدولة واللادولة عن الواجهة”، بحسب الشريفي، الذي يشير إلى أن الانتخابات المقبلة ستكون “شكلية وتهدف إلى استعادة شرعية النظام السياسي بعد انتفاضة أكتوبر 2019”.
ويعتبر الشريفي أن “إحكام سيطرة الكتل التقليدية على نتائج الانتخابات ونسقها والدعاية الانتخابية، وتحكم السلاح بالمشهد العراقي، عاملان رئيسان لتقوض مساحة التنافس ودفع العراقيين إلى اختيار المقاطعة”، مضيفاً أن “خريطة العمل السياسي باتت محصورة بين الكيانات التقليدية، وهي المعادلة التي باتت واضحة للرأي العام العراقي”.
المفاوضات النووية وحسم ملف السلاح
في المقابل، يرى الكاتب بسام القزويني أن حضور صراع قوى “الدولة واللادولة” بعد الانتخابات، مرهون بـ”استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط وحسم اتجاه المفاوضات النووية مع إيران“.
وفي شأن توقعات نتائج الانتخابات المقبلة، يشير القزويني إلى أنها “لن تختلف كثيراً عن الخريطة الحالية، إلا أنها ستشهد اختلافات طفيفة في ما يتعلق بتراجع مقاعد بعض القوى التقليدية أمام تقدم بسيط للبعض الآخر”.
ويوضح أن القوى التي تتحكم بزمام ترشيح رئيس الوزراء، ككتلي “سائرون” و”الفتح” لن تحقق العدد نفسه الذي تمتلكه في الانتخابات المقبلة، إلا أنها ما زالت الكتل الأقرب إلى “الفوز بالكتلة الأكبر”.
ويعتقد القزويني أن “القوى السياسية الجديدة التي خرجت من رحم الفصائل المسلحة لن تحقق شيئاً مع تراجع حضور القاعدة المتشددة، وفي المقابل لن تحقق الكتل المنبثقة عن الانتفاضة نسباً جيدة مع عزوف القاعدة الشعبية المؤيدة للاحتجاجات عن المشاركة”.