حرية – (16/10/2021)
أكبر تحد يواجه بايدن الآن هو كيفية توحيد الديمقراطيين في الكونغرس لإقرار حزمة إنفاق تاريخية (أ ف ب)
يقع الرؤساء الأميركيون في المشكلات عندما يشعر الناس أن الأحداث تسيطر عليهم لا العكس، وهذا هو وضع جو بايدن الآن، فبعد نحو تسعة أشهر من رئاسته يواجه الرئيس الأميركي عدداً كبيراً من الأزمات المحلية والعالمية المستعصية التي لا يملك القدرة على حلها بسرعة، ولهذا وصلت شعبيته إلى أدنى نقطة لها منذ دخوله البيت الأبيض.
غير أن أكبر تحد يواجهه الآن هو كيفية توحيد الديمقراطيين في الكونغرس لإقرار حزمة إنفاق تاريخية تشمل عدداً من المزايا الاجتماعية، بالتوازي مع قانون منفصل لتحسين البنية التحتية، وهو ما يراهن عليه لرفع مستوى الاقتصاد ومن ثم معيشة الأميركيين، مما يساعد في إنقاذ شعبيته المنهارة، فهل سيتمكن من جسر الهوة بين التقدميين والمعتدلين في الحزب الديمقراطي؟ وكيف سيؤثر الوضع الحالي في فرص الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل؟
أيام شاقة
يواجه الرئيس بايدن ومعه رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر أياماً شاقة قبل نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إذ يتعين عليهم إسراع الخطى إلى توحيد الفصائل المتناحرة في تجمعهم الحزبي المضطرب من أجل تمرير حزمة مزايا اجتماعية ضخمة كانت في صميم أجندة بايدن، بالتوازي مع إقرار مشروع قانون منفصل للبنية التحتية، وكلاهما يمثل طوق النجاة الوحيد الباقي لإنقاذ شعبية الرئيس التي انهارت حتى وسط الدوائر الانتخابية الديمقراطية، بمن في ذلك الأميركيون الأفارقة، وللحيلولة من دون خسارة مذلة للديمقراطيين قد تفقدهم مجلسي النواب والشيوخ في الانتخابات النصفية المقررة بعد عام واحد من الآن.
هذا العبء الثقيل الذي يحمل عواقب وخيمة محتملة يحتاج بشدة إلى فوز تشريعي كبير يخفف من وطأة التحديات المتراكمة، بدءاً من ارتفاع أسعار الوقود وزيادة التضخم واستمرار البطالة واضطراب سلاسل التوريد العالمية، ومروراً بالخروج المهين للقوات الأميركية من أفغانستان واستمرار تهديد وباء كورونا، مع تواصل رفض كثير من الجمهوريين لما يعتبرونه سياسة فرض اللقاحات، وانتهاء بضغط بكين المستمر على تايوان الذي يفاقم المواجهة المتعددة الجبهات المتوترة بالفعل بين الولايات المتحدة والصين.
وقت عصيب
وعلى الرغم من أن بايدن الذي انخرط في سياسات واشنطن لأكثر من 40 عاماً قد يكون متفائلاً بإمكان تجاوز المشكلات التي تواجهه استناداً إلى دورة الازدهار والكساد الاقتصادية، فإن هناك واجباً سياسياً يقتضي منه فرض سلطته وسط شعور وطني مزعج بأن كثيراً من الأمور تسير على نحو خاطئ، وهو ما اعترفت به متحدثة البيت الأبيض جين ساكي، حين قالت إن هذا “وقت عصيب حقاً”، بينما يخشى الديمقراطيون بالفعل أن تضع الانتخابات النصفية العام المقبل لسيطرتهم على مجلس النواب وربما أيضاً مجلس الشيوخ، وفي وقت يتجول فيه الرئيس السابق دونالد ترمب في عدد من الولايات لدعم المرشحين الداعمين لأجندته، ساعياً إلى إذكاء الشعور بالفوضى قبل حملة رئاسية محتملة عام 2024.
وعلاوة على ذلك فإن عرقلة الجمهوريين في مجلس الشيوخ أولويات الديمقراطيين التشريعية الأخرى، بما في ذلك محاولة إصلاح الشرطة، وتغيير قانون الهجرة وقانون حقوق التصويت الشامل، قد تؤدي إلى خسارة الديمقراطيين الانتخابات على مقعد حاكم ولاية فرجينيا المقررة في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وهو ما يعتقد كثيرون أنه سوف يثير الذعر في الحزب، لأنه سيعني وجود مشكلة في التواصل مع المعتدلين والمستقلين في الضواحي، الذين ساعدوا بايدن في تحقيق حلمه بالوصول إلى البيت الأبيض.
أخطار محدقة
كما سيواجه بايدن مشكلة أخرى بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل تتمثل في اعتراض الجمهوريين رفع سقف الديون الأميركية، بعدما أكد زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل ذلك، على اعتبار أن الموافقة تقتضي دعم 10 جمهوريين على الأقل في المجلس وفقاً لقواعد آلية التعطيل، ويعني ذلك تخلف الحكومة الأميركية عن سداد كثير من الأموال المستحقة عليها، بما فيها فوائد الديون والسندات الفيدرالية، وهو ما ينذر بكارثة اقتصادية ستهوي بالدولار إلى مستويات قياسية، وتخفض مستوى معيشة الأميركيين.
وفي غضون ذلك كله توقفت أجندة بايدن السياسية الضخمة، بما في ذلك حزمة إنفاق تاريخية بقيمة 3.5 تريليون دولار على الرعاية الصحية والتعليم وتغير المناخ، وكذلك خطة البنية التحتية التي أقرت في مجلس الشيوخ بقيمة 1.2 تريليون دولار، والغريب أن الديمقراطيين المتخاصمين هم من يعرقل هذه الحزمة الهائلة من الإنفاق وليس الجمهوريون، أي أن الديمقراطيين أصبحوا هنا المشكلة لا الحل.
على حافة الخطر
وتعود مشكلة الانقسام بين الديمقراطيين إلى أنه بعد تمرير مشروع قانون إغاثة كورونا بـ 1.9 تريليون دولار، مارس التقدميون في مجلس النواب لعبة استعراض القوة عبر التشبث بمواقفهم وأجنداتهم، ولم يدركوا أن إدارة الحكم تتعلق بالتوصل إلى تسويات وحلول وسط، وهو ما جعل عدداً من الديمقراطيين المعتدلين في مجلس الشيوخ مثل السيناتور جو مانشين والسيناتور كيرستن سينيما يسلكان طريق المواجهة برفض الإنفاق الضخم المطروح بقيمة 3.5 تريليون دولار، مما ترك أجندة بايدن على حافة الخطر، لأن إقرار التشريع ضمن آلية المصالحة التي أقرت في السبعينيات ضمن مشاريع تعديلات الموازنة يتطلب موافقة جميع الأعضاء الديمقراطيين الـ 50 في مجلس الشيوخ، بالنظر إلى رفض جميع الجمهوريين هذه الخطة.
ولهذا قد يحتاج الرئيس بايدن إلى أن يكون أكثر نشاطاً بكثير، لأن استرخاءه قد يدفع بعضهم إلى انتقاد أسلوبه القيادي الغائب الذي ساعده في عام 2020، وستظل الأسئلة حول مدى صرامته تشكل قضية حساسة دائماً لأنه في سن 79 عاماً، ويعد أكبر رئيس يتولى قيادة الولايات المتحدة.
لعبة التوازنات
ولتجاوز أزمة حزمة المشاريع الاجتماعية والصحية، توازن نانسي بيلوسي بين مطالب الليبراليين الذين ينظرون إلى وجود بايدن في المكتب البيضاوي على أنه فرصة نادرة للديمقراطيين لتحقيق أجندتهم السياسية الأكثر طموحاً، وبين أعضاء مجلس الشيوخ المعتدلين الحذرين الذين يحذرون من التوسع الحكومي في الإنفاق والأضرار الناجمة عن ذلك، فالفشل ليس خياراً بحسب ما قال رئيس لجنة القواعد في مجلس النواب جيم ماكجفرن.
ومع عدم إمكان بايدن والقيادات الديمقراطية تحمل أي انشقاقات نظراً للهوامش الضئيلة للديمقراطيين في المجلسين، أقرت بيلوسي هذا الأسبوع بالتحديات التي يواجهونها، واعترفت بأنهم سيخفضون كلفة حزمة المزايا الاجتماعية البالغة 3.5 تريليون دولار بطرق يمكن أن تُرضي الديمقراطيين المعتدلين من دون إبعاد التقدميين.
وفي حين أن بايدن اقترح إنفاق تريليوني دولار بدلاً من 3.5 تريليون، إلا أن الحجم الدقيق للتشريع النهائي لا يزال غير معروف نظراً إلى أن المحادثات لا تزال جارية، لكن القادة الديمقراطيين لديهم العديد من الخيارات الاستراتيجية لخفض الإنفاق، مثل إلغاء بعض المزايا في الحزمة الأولية أو الاحتفاظ بهذه البرامج، لكن مع اختصار المدة التي يجري تمويلها، أو عبر مزيج من الاثنين.
تكتيكات الديمقراطيين
ولا يمتلك الديمقراطيون خياراً سوى تمرير هذا المشروع، لأن الفشل سيجعل الديمقراطيين يندمون على تكتيكاتهم، إذ إن العديد من ناخبي عام 2020 كانوا ينظرون إلى بايدن على أنه معتدل، وكان رهان بايدن متجذراً في ضرورة إقناع الأميركيين من الطبقة العاملة، بما في ذلك أولئك الذين أغرتهم قومية ترمب الشعبوية، أن الحكومة التي يعتقدون أنها تجاهلتهم لا تزال قادرة على المساعدة، وإذا لم يتمكن بايدن من توحيد حزبه قريباً فسوف يتسبب في نفور الناخبين الأكثر اعتدالاً الذين اختاروه في عام 2020.
لكن إذا تمكن الرئيس من تحطيم الرؤوس المعارضة والمعرقلة في حزبه وتمرير البنية التحتية وبرنامج إنفاق اجتماعي أصغر حجماً، لكنه لا يزال ذا مغزى، فسوف يبني إرثاً استعصى على العديد من أسلافه، والأهم من ذلك أن موقفه السياسي الذي يعتمد على تخفيف حدة الوباء سيتوقف على لقاحات الأطفال والعلاجات الجديدة، فإذا خففت من العدوى وربما تخفف من الغضب السياسي الناجم عن كورونا، فمن الأرجح أن تتعافى شعبيته على وقع تحسن الاقتصاد والتوظيف في الوقت المناسب قبيل الانتخابات موعد النصفية في نوفمبر 2022، وقد يؤدي انحسار المرض في جميع أنحاء العالم إلى فك الخلل الاقتصادي الأوسع، وإذا حدث ذلك فقد لا تكون البيئة مهيأة لاكتساح الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة أو عودة ترمب للترشح عام 2024.