حرية – (6/11/2021)
رسول يتمنى أن يعيش حياته كبقية الشباب، والخروج إلى الشارع دون الاضطرار إلى إخفاء وجهه ويديه، وأن ينظر المجتمع له على أنه إنسان سوي، بعيدا عن نظرة العطف أو الخشية من نقل العدوى لهم
ميسان- يعيش الشاب رسول هاشم ظروفا نفسية صعبة للغاية، وهو في منتصف عقده الثاني من العمر، بسبب التراكمات الثقيلة التي خلفتها آثار مرضه النادر المعروف بمتلازمة ” الرجل الشجرة” عليه، بعد أن أصابه قبل 9 سنوات تقريبا.
هاشم من أهالي مدينة العمارة كبرى مدن محافظة ميسان الواقعة جنوب شرقي العاصمة بغداد، أصيب بأحد بأندر الأمراض الجلدية في العالم، ويعتبر حاليا المصاب الوحيد في العراق، يواجه تبعات المرض الذي رسم نتوءاته وتبرعماته على جسده النحيل، دون رعاية صحية أو مالية حكومية تذكر.
يقول هاشم (أو ما يعرف بالرجل الشجرة) “أصابني المرض منذ 9 سنين تقريبا، وعانيت من التبرعمات التي بدأت تنمو في أنحاء مختلفة من جسمي، وبالخصوص في كلتا يدي، وبسبب وضعي المادي الصعب لم أتمكن من مراجعة الأطباء إلا بعد فترة طويلة، ولولا أحد المحسنين لما سنحت لي الفرصة للمراجعة وتشخيص الحالة”.
سبب المرض
“مرض الرجل الشجرة (Tree man)، من الأمراض الجلدية الوراثية النادرة، تسببه أنواع معينة من الفيروسات يطلق عليه الفيروس الحلمي البشري (HPVs)، واشتقت تسميته من الشكل الذي تتخذه أعضاء جسم المصاب، والتي تصبح في مرحلة ما مثل جذوع الأشجار، ولا يوجد علاج للمرض، ويقتصر علاجه على الترميم الجلدي فقط، بالإضافة للدعم النفسي”، كما يقول أخصائي الأمراض الجلدية راضي الساعدي
ويضيف الساعدي “لا توجد مراكز صحية متخصصة لرعاية مثل هذه الحالات في المدينة بسبب ندرة المرض، أما العلاج الذي يوصف فعلى الأغلب يعتمد على تقوية مناعة الجسم، بالإضافة إلى إلزام المصاب بالمحاذير الأخرى، منها عدم التعرض لأشعة الشمس، لأنها قد تؤدي إلى تفاقم الحالة وتحولها الى سرطان الجلد”.
يخفي رسول هاشم (الرجل الشجرة)، وجهه وجسده جيدا قبل استقباله أي أحد، ويحرص على عدم إظهار أي جزء مصاب خجلا منه، كما يرفض التصوير والظهور على وسائل الإعلام ولا يخرج من بيته إلا في الليل، مما زاد من معاناته النفسية.
يقول هاشم للجزيرة نت “لا أملك المال من أجل إعانة نفسي أو شراء الدواء الذي وصفه الأطباء لي، ولولا تواصل بعض الأصدقاء وتقديم مساعدتهم لكنت في عداد المنسيين، ولم أحصل على دعم مالي، مثل شمولي ببرامج الرعاية الاجتماعية في المحافظة”.
الوحدة والعزلة اللتان يعيشهما هاشم كانتا من أكبر مآسيه، حيث فقد والديه في مرحلة مبكرة من عمره، وتزوجت أخواته وابتعد عن أشقائه، الذين لم يكونوا أفضل حالا منه ماديا.
يعيش هاشم وحده في بيت جاهز كان مخصصا لإسكان النازحين إلى المحافظة، وحولته الحكومة المحلية إلى برنامج دعم وإسكان المعوزين ومنهم هاشم بعد عودة النازحين إلى مدنهم.
يعتمد هاشم (الرجل الشجرة) في وجباته الغذائية على الأكل الجاهز، وغالبا ما يشتريه من المحال القريبة منه ليلا، لعدم مقدرته على الطبخ، وأحيانا يبقى بدون أكل لعدم امتلاكه المال.
يقول هاشم”لا أستطيع العمل بسبب وضعي الحرج، وعدم مقدرتي على مسك الأشياء لنمو التبرعمات في يدي، وافتقد إلى من يعينني من أهلي وأخوتي، فأنا يتيم الأبوين وأخوتي يعيشون ظروفا مادية صعبة، وأحيانا لا أجد طعاما فأبقى جائعا”.
الحكومة المحلية في المحافظة تعرفت على وضع هاشم مصادفة، لكنها لم تقدم له يد العون أو أي رعاية لحد الآن.
يقول مدير مكتب شؤون المواطنين في ميسان إسماعيل ثامر “قبل عدة سنوات جاء أحد الأشخاص للتقدم بطلب السكن في برنامج السكن المضيف في مخيم النازحين الشاغر كونه لا يملك مكانا يؤويه، ولكن هيئته أثارت الاستغراب وعند سؤالنا عن السبب كشف حالته وتبين أنه رسول هاشم وعلمنا أنه مصاب بداء (الرجل الشجرة)، فوفرنا له السكن”.
وأضاف ثامر “حددنا موعدا له من أجل اللقاء ومطالبة الحكومة المحلية بصرف راتب رعاية اجتماعية، وتقديم طلب بذلك، ولكنه للأسف لم يحضر بسبب شعوره بالخجل، فلم نتمكن من ضمان مرتب إعانة شهري له، لأن ذلك يتطلب حضوره شخصيا، واقتصر دعمه على المساعدات الإنسانية، التي تحدد للمحتاجين”.
ومن وجهة نظر إنسانية حمل العديد من الناشطين في المحافظة، السلطات المحلية مسؤولية سوء حالة هاشم النفسية، رافضين أي تبرير يتم تقديمه عن عدم رعايته ماديا وصحيا، كونه الحالة الوحيدة في العراق عموما والمحافظة على وجه الخصوص.
دعم فردي
“عرفت رسول هاشم منذ ما يقارب 7 سنوات، وصحبته في رحلة علاجية للعاصمة بغداد، وعرضته على فريق طبي مختص، كما أجرينا له عملية تجميل لإزالة بعض التبرعمات التي نمت على وجهه وتوفير العلاج له، وبقيت على تواصل معه من أجل توفير أغلب احتياجاته”. يقول الناشط عباس الطائي للجزيرة نت.
ويضيف الطائي “لا أرى أي مبرر مقنع لتخلي الحكومة عن مسؤوليتها تجاه هاشم، وإن كان لا يحضر لتقديم الطلب شخصيا، فبالإمكان أن تصل اللجان الحكومية أو الصحية لرعايته بوصفه أندر حالة مرضية في البلد”.
يمتدح هاشم (الرجل الشجرة) مواقف بعض أبناء المحافظة معه، ومنهم الناشط عباس الطائي، وغيرهم من الناشطين والمواطنين من يعلمون بحالته.
يقول هاشم”أتمنى أن أعيش حياتي كبقية الشباب، والخروج إلى الشارع دون الاضطرار إلى إخفاء وجهي ويدي، وأن ينظر المجتمع لي على أنني إنسان سوي، بعيدا عن نظرة العطف أو الخشية من نقل العدوى لهم”.