حرية – (29/11/2021)
في خمسينيات القرن الماضي، كانت الأقمار الصناعية التي تدور حول كوكبنا محدودة للغاية، ومع التقدم الهائل الذي أحرزه علم الفضاء اليوم بات لدينا اليوم آلاف الأقمار الصناعية التي تحوم حول الأرض مع احتمالية زيادة عددها بشكل كبير في المستقبل.. لكن ما هي المشاكل التي قد تسببها هذه الأقمار؟
كم عدد الأقمار الصناعية حول الأرض؟
أطلق الاتحاد السوفييتي أول قمر صناعي في العالم، وكان ذلك عام 1957، وحمل القمر اسم “سبوتنيك 1”.. ومنذ ذلك الحين بدأت أعداد الأقمار الاصطناعية بالازدياد حول المدار الأرضي المنخفض؛ إذ يقدر أنه تم إطلاق ما بين 10 إلى 60 قمراً بشكل سنوي حتى عام 2010. (مع العلم أن المدار الأرضي المنخفض هو منطقة تمتد حتى ارتفاع ألفي كيلومتر من الأرض).
وفي عام 2020 أطلق ما يزيد على 1300 قمر صناعي جديد في المدار الأرضي المنخفض و1400 قمر صناعي أطلقت في عام 2021 فقط.
ووفقاً لمؤشر الأجسام المطلقة في الفضاء التابع لمكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، كان هناك إجمالي حوالي 7500 قمر صناعي نشط في المدار الأرضي المنخفض حتى سبتمبر/أيلول 2021.
ما سبب هذا الازدحام في الفضاء؟
سيتواصل تزايد عدد الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض، بمعدل متزايد على مدار العقود المقبلة؛ لأنَّ الشركات الخاصة تنشئ كوكبات أقمار صناعية خاصة بها يحتوي كل منها على آلاف الأقمار الصناعية الفردية، التي سَتُستخدم لتطوير شبكات إنترنت أسرع وتقديم مجموعة من الخدمات الأخرى، مثل مراقبة التغيرات المناخية.
وفي واقع الأمر تزوّدنا الأقمار الصناعية بخدمات مهمة. فهي تؤدي دوراً رئيسياً في العديد من المجالات، من بينها المعاملات المالية ومراقبة الطقس وعلوم المناخ والاتصالات العالمية والبحث والإنقاذ.
وأوضح آرون بولي، عالم الفلك بجامعة كولومبيا البريطانية، أنَّ النشاط المتزايد في إطلاق الأقمار الصناعية يحدث الآن إلى حدٍ كبير بسبب انخفاض التكاليف.
وقال بولي لموقع Live Science الأمريكي: “نعلم أنَّ شركات SpaceX و OneWeb و Amazon و StarNet/GW قد طرحت خطط إطلاق إجمالي 65 ألف قمر صناعي عند تضمين جميع مراحل برامج الأقمار الصناعية الخاصة بها”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلنت رواندا عن خطط إطلاق كوكبة ضخمة من الأقمار الصناعية الخاصة بها، والتي قد تحتوي على أكثر من 320 ألف قمر صناعي.
ولم يتضح بعد متى سيصبح هذا المشروع حقيقة على أرض الواقع، لكن الدولة طلبت الإذن لبدء المشروع، وذلك وفقاً لتغريدة نشرتها وكالة الفضاء الرواندية.
ماذا سيترتب على حركة المرور الفضائية المزدحمة؟
قال آرون بولي: “هذا يسبب مشكلة في إدارة حركة المرور في الفضاء وسَيُفاقم انتشار الحطام الفضائي، بالإضافة إلى أنَّ عمليات الإطلاق وإعادة الدخول تتسبب في تلويث الغلاف الجوي، وما زلنا نحاول دراسة التأثيرات الأخرى”.
كذلك يُرجح ارتفاع عدد التصادمات وما يتبع ذلك من زيادة الحطام الفضائي مع إطلاق المزيد من الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض خلال العقود المقبلة.
ووفقاً لمتحف التاريخ الطبيعي في لندن، يوجد بالفعل ما لا يقل عن 128 مليون قطعة حطام في المدار الأرضي المنخفض، من بينها حوالي 34 ألف قطعة يتجاوز طولها 10 سنتيمترات وسيكون هناك المزيد في المستقبل.
ومع ذلك، لا تعد الاصطدامات المصدر الوحيد لمخلفات الحطام الفضائي. يقول بولي: “قد تنهار الأقمار الصناعية أيضاً جراء التعرض المطول المُكثّف للأشعة فوق البنفسجية في المدار الأرضي المنخفض”.
الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من تراكمات الحطام الفضائي، والتي قد تحدث أضراراً جسيمة للأقمار الصناعية الأخرى، وكذلك المركبات الفضائية.
وفي النهاية، قد يؤدي ازدحام المدار الأرضي المنخفض بالأقمار الصناعية إلى سلسلة من الاصطدامات من شأنها أن تنثر الحطام الفضائي حول المدار الأرضي، لدرجة ستجعلنا غير قادرين على إطلاق صواريخ جديدة.
في هذا الصدد، قال عالم الفلك آرون بولي: “تُعرف هذه الاحتمالية باسم “متلازمة كيسلر” وتشير بعض الأدلة بالفعل إلى أنَّ إزالة الحطام النشط من المدار الأرضي المنخفض أمر ضروري لتجنّب سيطرة متلازمة كيسلر”.
ومع ذلك، وفقاً لمجلة “Scientific American“، فإنَّ إزالة الحطام الفضائي من المدار الأرضي المنخفض يُمثّل تحدياً لوجستياً ولا توجد حتى الآن طريقة متفق عليها لتنفيذ ذلك.
الأقمار الصناعية وتلوث المناخ
تسهم صناعة الفضاء في بصمة كربونية أقل بكثير من صناعات كثيرة أخرى، من بينها صناعة الطيران. وفقاً لصحيفة “The Guardian” البريطانية، ينجم عن عملية إطلاق صاروخ يحمل قمر صناعي ما بين 200 إلى 300 طن متري في المتوسط من انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي للأرض. في المقابل، تطلق رحلة طيران تجارية طويلة المدى في المتوسط حوالي من 1.8 إلى 2.7 طن متري من الكربون لكل راكب، وهناك عشرات الملايين من الرحلات الجوية كل عام.
ومع ذلك، فقد زادت انبعاثات الكربون من إطلاق الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية بنسبة 5.6% سنوياً مع زيادة الطلب عليها.
ولا تنحصر المشكلة البيئية في عمليات إطلاق الصواريخ التي تحمل الأقمار الصناعية. فعندما تعود الأقمار الصناعية في نهاية المطاف بعد انتهاء مهمتها وتخترق الغلاف الجوي للأرض، فإنَّها تطلق مواد كيميائية تلوث الغلاف الجوي.
ماذا عن التلوث الضوئي؟
سيكون نشاط الأقمار الصناعية المتزايد مرئياً بوضوح من سطح الأرض في المستقبل. ستصبح الأجسام المعدنية مثل المرايا تعكس الضوء مرة أخرى باتجاه سطح الأرض، وهو ما يؤدي إلى تلوث سماء الليل بالضوء الاصطناعي وتغيير رؤيتنا لها تغييراً جذرياً.
كشفت دراسة عن التلوث الضوئي- شارك في كتابتها بولي ونُشرت في قاعدة بيانات “arXiv” في سبتمبر/أيلول 2021- أنَّ ما يصل إلى 8% من الضوء في السماء بالليل قد يأتي مستقبلاً من الأقمار الصناعية.
ووجدت الدراسة أيضاً أنَّ الأماكن القريبة من خط عرض 50 درجة شمالاً وجنوباً، مثل كولومبيا البريطانية وباتاغونيا، قد تتأثر بالتلوث الضوئي الناجم عن الأقمار الصناعية بدرجة أكبر من مواقع أخرى، بسبب مدارات الأقمار الصناعية حولها.
في السياق ذاته، قال بولي إنَّ ما يصل إلى 1 من كل 10 نجوم في السماء مستقبلاً قد تكون في الواقع أقماراً صناعية. لن تتداخل هذه الأقمار الصناعية مع تأمل الهواة للنجوم فحسب، بل تتداخل أيضاً مع أعمال علماء الفلك المحترفين من مراقبة ومتابعة.